جلبير الأشقر
Link
إن أكبر الأخطاء التي يستطيع قائدٌ أن يرتكبها وهو يترقّب مواجهة عسكرية محتملة هو المبالغة في تقدير قوته والاستخفاف بقوة من يقف في وجهه. ولا شكّ في أن صدّام حسين هو النموذج الأعلى من سوء التقدير والقيادة في تاريخنا العربي المعاصر. فقد برهن على رعونة قلّ مثيلها في إساءته تقدير موازين القوى بشكل مذهل وفي مناسبتين متتاليتين.
الأولى هي عندما شنّ المستبدّ العراقي عدوانه على إيران في أيلول/سبتمبر 1980 ظنّاً منه أنه سوف يستطيع أن يضع يده بصورة ثابتة على تلك المنطقة النفطية التي كانت تسمّى عربستان حتى عام 1925، وهي السنة التي بدّل فيها اسمها رضا بهلوي إلى خوزستان. اعتقد صدّام حسين أن الفوضى التي كانت لا تزال تعمّ إيران إثر ثورتها على الشاه محمد رضا بهلوي وكذلك القطيعة بين الحكم الإيراني الجديد والولايات المتحدة، مصدر السلاح الإيراني الأساسي، سوف تتيحان له التفوّق بسهولة. ولم يخطر في باله أن عدوانه سوف يقدّم للحكم الإيراني الجديد فرصة ذهبية كي يرسي سلطته سواءً أكان الأمر طوعاً أم قسراً، وأن واشنطن سوف تستغلّ الصراع كي تطيل أمده بمدّ العون إلى العراق تارة وإلى إيران تارة أخرى بحيث يُدمِّر كلٌ من البلدين الآخر بما يلائم مصالح الولايات المتحدة وحليفتها الصهيونية.
والمناسبة الثانية والأخطر هي بالطبع عندما وقع صدّام حسين في فخّ احتلال الكويت في آب/أغسطس 1990، بعد المناسبة الأولى بعشر سنوات، ولم يسحب قواته من الإمارة بالرغم من الحشود الأمريكية الهائلة التي تراكمت على تخوم بلاده. فكانت النتيجة أنه منح واشنطن فرصة لاستكمالها تدمير العراق ونشر قواتها في منطقة الخليج على نطاق غير مسبوق تاريخياً.
وفي الحالة الأولى كما في الثانية عبّر صدّام حسين عن عنجهية مدهشة، مشيداً ببطولته وزاعماً قدرته على «دحر أي عدوان» وهو يتعامى عن ميزان القوى الحقيقي. فخاض في مقامرة طائشة في وجه إيران، وهي بلاد أكبر من العراق بكثير من حيث عدد السكان والمساحة، وخاض في مغامرة حمقاء في وجه قوات مسلحة أمريكية متفوّقة على القوات العراقية تفوّق العملاق على القزم.
وها أن الكبرياء تصل لدى حكام إيران وقادة حرسها الثوري إلى مستوىً لا يقلّ رعونة عن مستواها لدى عدوّهم اللدود الراحل. فقد أطلقوا يوم الإثنين الماضي على دير الزور في سوريا ستة صواريخ من نوع يصل مداه إلى سبعمئة كيلومتراً. وكان بوسعهم أن يكتفوا بتقديم ما فعلوا على أنه ردّ على العمليتين اللتين نفّذهما تنظيم داعش في طهران مؤخراً، بطريقة باتت معهودة وكأنها عرفٌ دولي تردّ بموجبها كل دولة تتعرّض لعملية داعشية على أرضها بقصف لمناطق تواجد تنظيم داعش في العراق وسوريا. إلّا أن الغرور وصل بقادة الحرس الثوري الإيراني إلى حدّ بالغ الارتفاع، مما جعلهم يسرحون ويمرحون في سوريا والعراق غير مبالين لظهورهم بمظهر المحتلّين، بل متعمّدين تأكيد هيمنتهم الإمبراطورية على نظامي البلدين وكأنها أبدية ومتعمّدين استفزاز مشاعر أخصامهم فيهما وفي جوارهما.
وقد ساق الغرور حكّام إيران وقادة حرسها الثوري إلى تقديم إطلاقهم للصواريخ الستة على أنه «رسالة موجّهة بصورة خاصة إلى السعوديين والأمريكيين»، على حدّ قول لواء الحرس الثوري رمضان شريف، بما أثنى عليه النائب في البرلمان الإيراني جواد كريمي قدّوسي مؤكداً على أن الصواريخ «رسالة إلى مؤيدي الإرهابيين في المنطقة المتمثلين بالنظام السعودي والأمريكان قبل أن يكون رسالة إلى الإرهابيين»، وكان كلاهما يتحدّث على شاشة التلفزيون الإيراني. لا بل زايد عليهما القائد السابق للحرس الثوري، اللواء محسن رضائي، مبشّراً بأن «الصفعة الأكبر قادمة».
والعنجهية الرعناء تتجلّى لمّا ندرك أن القوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة تفوق قوّتها الضاربة ليس القوة الضاربة الإيرانية وحسب، بل تلك القوة والقوة الضاربة الروسية المنتشرة في سوريا مجتمعتين. وإزاء إدارة أمريكية جديدة في واشنطن تتميّز بالعداء الشديد لطهران، تحرّضها عليها الدولة الصهيونية، إدارة جديدة سبق أن حذّرت إيران من إلقاء الصواريخ التسيارية مثلما حذّرت كوريا الشمالية، يبدو أن حكّام إيران وقادة حرسها الثوري مصرّون على إعطاء تلك الإدارة ذريعة لتصعيدها الضغط على دولتهم، بل لتسديدها ضربة عسكرية إليها قد تكون كاسحة مثلما كانت الضربة التي تلقّاها عراق صدّام حسين في سنة 1991.
الأولى هي عندما شنّ المستبدّ العراقي عدوانه على إيران في أيلول/سبتمبر 1980 ظنّاً منه أنه سوف يستطيع أن يضع يده بصورة ثابتة على تلك المنطقة النفطية التي كانت تسمّى عربستان حتى عام 1925، وهي السنة التي بدّل فيها اسمها رضا بهلوي إلى خوزستان. اعتقد صدّام حسين أن الفوضى التي كانت لا تزال تعمّ إيران إثر ثورتها على الشاه محمد رضا بهلوي وكذلك القطيعة بين الحكم الإيراني الجديد والولايات المتحدة، مصدر السلاح الإيراني الأساسي، سوف تتيحان له التفوّق بسهولة. ولم يخطر في باله أن عدوانه سوف يقدّم للحكم الإيراني الجديد فرصة ذهبية كي يرسي سلطته سواءً أكان الأمر طوعاً أم قسراً، وأن واشنطن سوف تستغلّ الصراع كي تطيل أمده بمدّ العون إلى العراق تارة وإلى إيران تارة أخرى بحيث يُدمِّر كلٌ من البلدين الآخر بما يلائم مصالح الولايات المتحدة وحليفتها الصهيونية.
والمناسبة الثانية والأخطر هي بالطبع عندما وقع صدّام حسين في فخّ احتلال الكويت في آب/أغسطس 1990، بعد المناسبة الأولى بعشر سنوات، ولم يسحب قواته من الإمارة بالرغم من الحشود الأمريكية الهائلة التي تراكمت على تخوم بلاده. فكانت النتيجة أنه منح واشنطن فرصة لاستكمالها تدمير العراق ونشر قواتها في منطقة الخليج على نطاق غير مسبوق تاريخياً.
وفي الحالة الأولى كما في الثانية عبّر صدّام حسين عن عنجهية مدهشة، مشيداً ببطولته وزاعماً قدرته على «دحر أي عدوان» وهو يتعامى عن ميزان القوى الحقيقي. فخاض في مقامرة طائشة في وجه إيران، وهي بلاد أكبر من العراق بكثير من حيث عدد السكان والمساحة، وخاض في مغامرة حمقاء في وجه قوات مسلحة أمريكية متفوّقة على القوات العراقية تفوّق العملاق على القزم.
وها أن الكبرياء تصل لدى حكام إيران وقادة حرسها الثوري إلى مستوىً لا يقلّ رعونة عن مستواها لدى عدوّهم اللدود الراحل. فقد أطلقوا يوم الإثنين الماضي على دير الزور في سوريا ستة صواريخ من نوع يصل مداه إلى سبعمئة كيلومتراً. وكان بوسعهم أن يكتفوا بتقديم ما فعلوا على أنه ردّ على العمليتين اللتين نفّذهما تنظيم داعش في طهران مؤخراً، بطريقة باتت معهودة وكأنها عرفٌ دولي تردّ بموجبها كل دولة تتعرّض لعملية داعشية على أرضها بقصف لمناطق تواجد تنظيم داعش في العراق وسوريا. إلّا أن الغرور وصل بقادة الحرس الثوري الإيراني إلى حدّ بالغ الارتفاع، مما جعلهم يسرحون ويمرحون في سوريا والعراق غير مبالين لظهورهم بمظهر المحتلّين، بل متعمّدين تأكيد هيمنتهم الإمبراطورية على نظامي البلدين وكأنها أبدية ومتعمّدين استفزاز مشاعر أخصامهم فيهما وفي جوارهما.
وقد ساق الغرور حكّام إيران وقادة حرسها الثوري إلى تقديم إطلاقهم للصواريخ الستة على أنه «رسالة موجّهة بصورة خاصة إلى السعوديين والأمريكيين»، على حدّ قول لواء الحرس الثوري رمضان شريف، بما أثنى عليه النائب في البرلمان الإيراني جواد كريمي قدّوسي مؤكداً على أن الصواريخ «رسالة إلى مؤيدي الإرهابيين في المنطقة المتمثلين بالنظام السعودي والأمريكان قبل أن يكون رسالة إلى الإرهابيين»، وكان كلاهما يتحدّث على شاشة التلفزيون الإيراني. لا بل زايد عليهما القائد السابق للحرس الثوري، اللواء محسن رضائي، مبشّراً بأن «الصفعة الأكبر قادمة».
والعنجهية الرعناء تتجلّى لمّا ندرك أن القوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة تفوق قوّتها الضاربة ليس القوة الضاربة الإيرانية وحسب، بل تلك القوة والقوة الضاربة الروسية المنتشرة في سوريا مجتمعتين. وإزاء إدارة أمريكية جديدة في واشنطن تتميّز بالعداء الشديد لطهران، تحرّضها عليها الدولة الصهيونية، إدارة جديدة سبق أن حذّرت إيران من إلقاء الصواريخ التسيارية مثلما حذّرت كوريا الشمالية، يبدو أن حكّام إيران وقادة حرسها الثوري مصرّون على إعطاء تلك الإدارة ذريعة لتصعيدها الضغط على دولتهم، بل لتسديدها ضربة عسكرية إليها قد تكون كاسحة مثلما كانت الضربة التي تلقّاها عراق صدّام حسين في سنة 1991.
٭ كاتب وأكاديمي من لبنان
No comments:
Post a Comment