إلياس خوري
الشعار الذي أطلقه الرئيس السوري عن مجتمع أكثر تجانسا برغم الخسائر الكبيرة في الأنفس والممتلكات، يكشف عن جوهر النظام الذي أسسته الحركة التصحيحية بقيادة الرئيس السابق والد الرئيس الحالي. فالأسد الثاني، لم يبك على أطلال المدن والقرى المدمرة، ولم يلتفت إلى عدد القتلى المخيف، ولم يستوقفه تحول الشعب السوري إلى شعب من اللاجئين، فهذه أمور تفصيلية لا يجب أن تشكل عقبة أمام مشروع المجتمع المتجانس الذي بنته السلالة الحاكمة في سوريا.
الرئيس الذي استخدم السلاح الكيميائيي في حربه ضد الشعب السوري، يلجأ اليوم إلى كيمياء اللغة، كي يطلق شعارا سبقه إليه الفاشيون في العالم، وكانت أثمان هذا الشعار أكثر فداحة من استخدام الأسلحة الكيميائية أو حتى السلاح النووي. فتحت هذا الشعار جرت إبادات عنصرية كبرى حولت القرن العشرين إلى أكثر الفترات دموية في التاريخ.
والحق يقال: فإن الرئيس السوري حين تكلم عن التجانس لم يكن يقصد التجانس الطائفي، فهو يعلم أن التطهير الطائفي وتبادل السكان الذي جرى في بعض المناطق السورية، من المستحيل أن يقود إلى تجانس تصنعه أقلية طائفية، عدا عن أن الرجل يعتبر، ككل قادة المليشيات، أن الطائفة ليست سوى مطية إلى السلطة.
لذا أخطأ الكثير من المحللين حين اعتبروا، على سبيل المثال، أن مشروع الميليشيات الفاشية المسيحية خلال الحرب اللبنانية يشبه المشروع الصهيوني. صحيح أن هناك أوجه تشابه كثيرة بين المشروعين، لكن ما فات المحللين هو أن القادة الطائفيين المحليين لم يكن لهم سوى هدف واحد هو امتطاء السلطة بصرف النظر عن مصالح الطائفة أو الفئة التي يدّعون تمثيلها.
والرئيس السوري، الذي يتمسك بصورته العلمانية الكاذبة يشبه قادة هذه الميليشيات البائسة التي انتهت إلى ما انتهت اليه، فمشروعه الوحيد هو البقاء في السلطة مهما كان الثمن، حتى لو أدى ذلك إلى التدمير البشري للأقلية الدينية التي ينتمي إليها، وحتى لو صارت بلاده مرتعا للغزاة الأجانب.
ما معنى التجانس إذا؟
فكرة التجانس في كيمياء لغة الاستبداد ليست غامضة كما نظن، فالمشروع ليس عنصريا حتى وإن لجأ إلى الأساليب الوحشية، والفكرة ليست تفوق عرق على عرق أو طائفة على طائفة، حتى وإن استخدمت اللحمة العشائرية والدينية والطائفية في سبيل تمتين الدولة البربرية. المشروع أكثر بساطة وتعقيدا في الآن نفسه. فالسيد الرئيس يفهم التجانس بصفته مرادفا للخضوع المطلق. وهو في ذلك لا يختلف عن المنظمات الجهادية الأصولية التي تناوبت مع نظامه على قتل روح الثورة الشعبية وتصفية كوادرها وتهجيرهم إلى خارج سوريا.
التجانس لا وجود له إلا في مجتمع العبيد، الأحرار ليسوا متجانسين، ميزة الحرية هي الاختلاف، وتعبيرها هو المجتمع الديمقراطي القائم على فكرة تداول السلطة. أما مَن يريد أن يبني جمهورية يرثها الأبناء عن الآباء، ومَن يعتبر البلاد ملكا له، ويعامل العباد بصفتهم أقنانا وعبيدا، فإنه يبني التجانس بالعنف والقهر والدم، ويسوّره بالخوف.
لا شك أن النظام السوري أصيب بالهلع أمام انفجار لا سابق له في تاريخ سوريا كسر جدار الخوف، وأطلق حركة احتجاجية مصحوبة بمحاولات تنظيمية قامت بها تنسيقيات الثورة. هلع النظام كان بسبب غياب الخوف، فلجأ إلى أقسى درجات العنف: قتل وخطف وتمثيل بالجثث بدأ بالتمثيل بجثث أطفال درعا. وحين لم يرتدع الناس رسم النظام استراتيجية الأرض المحروقة، أفلت الجهاديين الأصوليين من سجونه، وحول الصراع إلى حرب مفتوحة.
لا أريد أن أدخل في آليات هذه الحرب الوحشية التي أوصلت سورية بفضل التدخل الدولي وتدخل أنظمة الكاز والغاز ودعمها للأصوليين ودعوتها إلى تفكيك الجيش الحر الذي كان لا يزال بناء هشا، ولا إلى مسؤولية قيادات المعارضة في الخارج التي ارتمت في أحضان الخليج، فهذه مسائل سيتوقف عندها المؤرخون بأسى، لكن مآلات هذه الحرب قادت إلى حقيقتين:
الحقيقة الأولى هي أن سورية فقدت استقلالها على ايدي حلفاء النظام وأعدائه.
الحقيقة الثانية هي أن بناء المجتمع المتجانس صار محل تنافس بين النظام المستبد واستبداد الأصولية.
فقدان الاستقلال وانتشار المقاتلين الأجانب من الأصوليين وحلفاء النظام الذين هم أيضا أصوليون، أشعر السوريين بأنهم صاروا غرباء في بلادهم.
أمّا التجانس فكان محل تنافس بين النظام وأعدائه في الوحشية، الجانبان نشرا و/أو سربا صور وفيديوهات الضحايا التي تثير الرعب والقشعريرة، وبرغم التفوق التقني الذي أظهره داعش في فيديوهاته، فان الطرفين تنافسا على «إدارة التوحش»، بحيث صارت سوريا كلها ارضا للتجانس بوجوهه الاستبدادية المختلفة.
لم يستطع أحد أن يصف متعة المستبدين بوحشيتهم، بقي الأدب عاجزا عن وصف متعة القاتل وهو يقتل فيزداد عطشا إلى الدم، لا كامو في «كاليغولا» أو ماركيز في «خريف البطريرك» أو استورياس في «السيد الرئيس» أو غيرهم استطاعوا التقاط متعة التوحش التي ترتسم على قناع الموت الذي يلبسه.
لكن ما هو مصير اللاجئين السوريين؟
من المرجح أن تعود جموع النازحين السوريين إلى بلادهم، وخصوصا من يقيم منهم في تركيا ولبنان والأردن، هذا حين تنتهي الحرب أو إذا انتهت الحرب، لكن من المؤكد أن نظام التجانس لن يسمح لأي صوت ارتفع بالاعتراض بأن يعود. فلقد قام النظام بأكبر عملية تطهير ثقافية واجتماعية أعادت سوريا مملكة صمت وصحراء تعبير، وفي هذا الصمت الصحراوي المخيف سوف يتصرف النظام بصفته سيد التدجين، مقدما نموذجًا للتجانس لا مثيل له في العالم.
كيمياء التجانس بدأت تتسلل إلى لبنان ووصلت ذروتها في الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله الذي دعا إلى استبدال المعادلة الذهبية: جيش وشعب ومقاومة بمعادلة رباعية: جيش وشعب ومقاومة وجيش عربي سوري.
كيمياء اللغة تتفاعل مع الواقع السياسي، فغزو جنود حزب الله لسوريا يعني أن الحدود قد امّحت، وللمرة الأولى منذ الاستقلال، من الجانب اللبناني. الشراكة ستكون كاملة، حزب الله في سورية والجيش السوري في لبنان.
إنه زمن التجانس. فهزيمة ثورات الربيع العربي، كانت مقدمة لهذه الثورة المضادة العاتية التي تتخذ اسم التجانس، هكذا يعيد الاستبداد خنق العالم العربي جاعلا منه أرضا للخوف.
الرئيس الذي استخدم السلاح الكيميائيي في حربه ضد الشعب السوري، يلجأ اليوم إلى كيمياء اللغة، كي يطلق شعارا سبقه إليه الفاشيون في العالم، وكانت أثمان هذا الشعار أكثر فداحة من استخدام الأسلحة الكيميائية أو حتى السلاح النووي. فتحت هذا الشعار جرت إبادات عنصرية كبرى حولت القرن العشرين إلى أكثر الفترات دموية في التاريخ.
والحق يقال: فإن الرئيس السوري حين تكلم عن التجانس لم يكن يقصد التجانس الطائفي، فهو يعلم أن التطهير الطائفي وتبادل السكان الذي جرى في بعض المناطق السورية، من المستحيل أن يقود إلى تجانس تصنعه أقلية طائفية، عدا عن أن الرجل يعتبر، ككل قادة المليشيات، أن الطائفة ليست سوى مطية إلى السلطة.
لذا أخطأ الكثير من المحللين حين اعتبروا، على سبيل المثال، أن مشروع الميليشيات الفاشية المسيحية خلال الحرب اللبنانية يشبه المشروع الصهيوني. صحيح أن هناك أوجه تشابه كثيرة بين المشروعين، لكن ما فات المحللين هو أن القادة الطائفيين المحليين لم يكن لهم سوى هدف واحد هو امتطاء السلطة بصرف النظر عن مصالح الطائفة أو الفئة التي يدّعون تمثيلها.
والرئيس السوري، الذي يتمسك بصورته العلمانية الكاذبة يشبه قادة هذه الميليشيات البائسة التي انتهت إلى ما انتهت اليه، فمشروعه الوحيد هو البقاء في السلطة مهما كان الثمن، حتى لو أدى ذلك إلى التدمير البشري للأقلية الدينية التي ينتمي إليها، وحتى لو صارت بلاده مرتعا للغزاة الأجانب.
ما معنى التجانس إذا؟
فكرة التجانس في كيمياء لغة الاستبداد ليست غامضة كما نظن، فالمشروع ليس عنصريا حتى وإن لجأ إلى الأساليب الوحشية، والفكرة ليست تفوق عرق على عرق أو طائفة على طائفة، حتى وإن استخدمت اللحمة العشائرية والدينية والطائفية في سبيل تمتين الدولة البربرية. المشروع أكثر بساطة وتعقيدا في الآن نفسه. فالسيد الرئيس يفهم التجانس بصفته مرادفا للخضوع المطلق. وهو في ذلك لا يختلف عن المنظمات الجهادية الأصولية التي تناوبت مع نظامه على قتل روح الثورة الشعبية وتصفية كوادرها وتهجيرهم إلى خارج سوريا.
التجانس لا وجود له إلا في مجتمع العبيد، الأحرار ليسوا متجانسين، ميزة الحرية هي الاختلاف، وتعبيرها هو المجتمع الديمقراطي القائم على فكرة تداول السلطة. أما مَن يريد أن يبني جمهورية يرثها الأبناء عن الآباء، ومَن يعتبر البلاد ملكا له، ويعامل العباد بصفتهم أقنانا وعبيدا، فإنه يبني التجانس بالعنف والقهر والدم، ويسوّره بالخوف.
لا شك أن النظام السوري أصيب بالهلع أمام انفجار لا سابق له في تاريخ سوريا كسر جدار الخوف، وأطلق حركة احتجاجية مصحوبة بمحاولات تنظيمية قامت بها تنسيقيات الثورة. هلع النظام كان بسبب غياب الخوف، فلجأ إلى أقسى درجات العنف: قتل وخطف وتمثيل بالجثث بدأ بالتمثيل بجثث أطفال درعا. وحين لم يرتدع الناس رسم النظام استراتيجية الأرض المحروقة، أفلت الجهاديين الأصوليين من سجونه، وحول الصراع إلى حرب مفتوحة.
لا أريد أن أدخل في آليات هذه الحرب الوحشية التي أوصلت سورية بفضل التدخل الدولي وتدخل أنظمة الكاز والغاز ودعمها للأصوليين ودعوتها إلى تفكيك الجيش الحر الذي كان لا يزال بناء هشا، ولا إلى مسؤولية قيادات المعارضة في الخارج التي ارتمت في أحضان الخليج، فهذه مسائل سيتوقف عندها المؤرخون بأسى، لكن مآلات هذه الحرب قادت إلى حقيقتين:
الحقيقة الأولى هي أن سورية فقدت استقلالها على ايدي حلفاء النظام وأعدائه.
الحقيقة الثانية هي أن بناء المجتمع المتجانس صار محل تنافس بين النظام المستبد واستبداد الأصولية.
فقدان الاستقلال وانتشار المقاتلين الأجانب من الأصوليين وحلفاء النظام الذين هم أيضا أصوليون، أشعر السوريين بأنهم صاروا غرباء في بلادهم.
أمّا التجانس فكان محل تنافس بين النظام وأعدائه في الوحشية، الجانبان نشرا و/أو سربا صور وفيديوهات الضحايا التي تثير الرعب والقشعريرة، وبرغم التفوق التقني الذي أظهره داعش في فيديوهاته، فان الطرفين تنافسا على «إدارة التوحش»، بحيث صارت سوريا كلها ارضا للتجانس بوجوهه الاستبدادية المختلفة.
لم يستطع أحد أن يصف متعة المستبدين بوحشيتهم، بقي الأدب عاجزا عن وصف متعة القاتل وهو يقتل فيزداد عطشا إلى الدم، لا كامو في «كاليغولا» أو ماركيز في «خريف البطريرك» أو استورياس في «السيد الرئيس» أو غيرهم استطاعوا التقاط متعة التوحش التي ترتسم على قناع الموت الذي يلبسه.
لكن ما هو مصير اللاجئين السوريين؟
من المرجح أن تعود جموع النازحين السوريين إلى بلادهم، وخصوصا من يقيم منهم في تركيا ولبنان والأردن، هذا حين تنتهي الحرب أو إذا انتهت الحرب، لكن من المؤكد أن نظام التجانس لن يسمح لأي صوت ارتفع بالاعتراض بأن يعود. فلقد قام النظام بأكبر عملية تطهير ثقافية واجتماعية أعادت سوريا مملكة صمت وصحراء تعبير، وفي هذا الصمت الصحراوي المخيف سوف يتصرف النظام بصفته سيد التدجين، مقدما نموذجًا للتجانس لا مثيل له في العالم.
كيمياء التجانس بدأت تتسلل إلى لبنان ووصلت ذروتها في الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله الذي دعا إلى استبدال المعادلة الذهبية: جيش وشعب ومقاومة بمعادلة رباعية: جيش وشعب ومقاومة وجيش عربي سوري.
كيمياء اللغة تتفاعل مع الواقع السياسي، فغزو جنود حزب الله لسوريا يعني أن الحدود قد امّحت، وللمرة الأولى منذ الاستقلال، من الجانب اللبناني. الشراكة ستكون كاملة، حزب الله في سورية والجيش السوري في لبنان.
إنه زمن التجانس. فهزيمة ثورات الربيع العربي، كانت مقدمة لهذه الثورة المضادة العاتية التي تتخذ اسم التجانس، هكذا يعيد الاستبداد خنق العالم العربي جاعلا منه أرضا للخوف.
No comments:
Post a Comment