خليل العناني
لا يتوقف اليمين السلطوي في العالم العربي عن البحث عن شركاء جدد، من أجل دعم بقائه واستئثاره بالسلطة، ولو على حساب شعوب المنطقة. ولا يجد رموز هذا اليمين السلطوي، نخباً وحكومات، حرجاً في التعاون، بل والتحالف، مع أطراف يمينية متطرّفة، معروفة بعدائها، واحتقارها الشديد، كل ما هو عربي وإسلامي. نشهد الآن تحالفاً قوياً، لم يعد خافياً على أحد، بين هذا اليمين السلطوي وأقرانه من اليمين المتطرّف في أميركا وإسرائيل. وقد التقت مصالح هذه الأطراف على إعادة تشكيل المنطقة جذريا، بحيث تتوافق مع أهوائهم ومصالحهم. فمنذ تراجع موجة "الربيع العربي" منتصف عام 2013، بدأت ملامح التحالف القوي بين مراكز الثورة المضادة في أبوظبي والقاهرة والرياض وتل أبيب تتشكل، وتزداد حضوراً في الساحتين، الإقليمية والدولية، بغرض الإجهاز على ما تبقى من الربيع العربي. كما قامت هذه العواصم، ولا تزال، بالتنسيق والترتيب فيما بينها، من أجل قمع أي مطالب للتغيير، على غرار ما يحدث في مصر وسورية واليمن.
لم يعد التحالف بين هذا اليمين سراً، وإنما بات أمراً علنيا، بل وأحياناً مدعاة للتفاخر بين رموز هذا اليمين. لذا، لا غرابة أن يشيد رموز اليمين المتطرّف في الغرب بأقرانهم من العرب والمسلمين. ولا مفاجأة في أن يشيد المتطرّف ستيف بانون بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وبولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد. ولا اندهاش في أن يشارك الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات السعودي، الأمير تركي الفيصل، مؤتمراً في نيويورك بتنسيق إسرائيلي وبحضور مدير جهاز الموساد السابق، إفرايم هليفي، إضافة إلى إسرائيليين آخرين، بينهم جنرال متقاعد.
ولم يعد هناك شك في أن اليمين السلطوي العربي يسعى دوماً إلى ضمان دعم اليمين المتطرّف في أميركا وإسرائيل تجاه تحركاته في المنطقة. فهل يبدو غريباً أن يلقى انقلاب مصر في يوليو/ تموز 2013 دعم هؤلاء الحلفاء اليمينيين الثلاثة؟ وهل كان في وسع اليمين السلطوي العربي أن ينال تأييد أميركا لمغامراته الإقليمية، من دون أن ينجح في ضمان تأييد اليمين المتطرف في أميركا وإسرائيل؟ وهل كان قرار هذا اليمين السلطوي بفرض الحصار على قطر قبل خمسة شهور وارداً، أو ممكنا، من دون أن يؤمن دعم أقرانه في اليمين المتطرّف له ولحصاره؟ وذلك على نحو ما قاله ستيف بانون، في كلمته أمام المؤتمر الذي عقده مركز هدسون قبل أيام، لمهاجمة قطر، إن حصار قطر تم التخطيط له قبل قمة الرياض الأميركية الإسلامية في مايو/ أيار الماضي.
لم تعد تحركات قوى اليمين المتطرف، العربية والغربية، تثير الحيرة أو الاستغراب، فما يجمعهم أكبر بكثير مما قد يفرّقهم. ولن تجد اختلافاً كبيراً في اللغة والمفردات التي يستخدمها هؤلاء جميعاً. فالحرب علي الإرهاب تعني، بالأساس، تصفية الخصوم السياسيين، ومكافحة الفكر المتطرّف تعني مكافحة كل من يدعو إلى الحرية والديمقراطية. والدعوة إلى إسلام وسطي معتدل تعني إسلاماً منبطحاً خالياً من أي مقاومة للظلم والقهر. يعتقد هؤلاء أن بإمكانهم إعادة تشكيل العقول العربية، وذلك من خلال هيمنتهم المطلقة على حقلي المال والإعلام. وهم مقتنعون بأن امتلاك القوة المادية والعسكرية يمثل الطريق الوحيدة الأنجع التي تجعل الشعوب العربية تذعن لها، وتقبل كل ما تفرضه الأنظمة السلطوية.
ليس التحالف بين العرب اليمينيين وأقرانهم الغربيين جديداً، فقد شهد التاريخ العربي الحديث حالات مشابهة، سواء إبان فترة الاستعمار أوائل القرن العشرين أو خلال العقود الماضية التي سبقت الربيع العربي بقليل. صحيح أن الأمر حالياً يأخذ أبعاداً غير مسبوقة، خصوصا وأنه يمس كل الثوابت العربية المعروفة، إلا أن الاختلاف في الدرجة، وليس في أصل التحالف والتقاء المصالح بين أطرافه.
في الوقت نفسه، تثير تمثلات العلاقة الحميمة بين اليمين السلطوي العربي ورموز وتيارات اليمين المتطرّف في أميركا وإسرائيل أسئلة كثيرة بشأن مستقبل المنطقة العربية، وكيف يمكن مواجهة هذا التحالف الثلاثي الذي يعمل على إعادة تشكيل المنطقة، كي تسير وفق أجندته، وحسب هواه؟ وهل سترضخ الشعوب العربية لرغبات هذا التحالف اليميني؟ ما يبدو واضحاً أنه كلما حقق هذا اليمين انتصارات ومكاسب سياسية، ولو مؤقتة، كان ذلك دافعاً للشعوب لمقاومته ومواجهته، ولو بعد حين.
No comments:
Post a Comment