عبد الباري عطوان
النقطة الرئيسية التي عرقلت الوساطة القطرية، مثلما يتبين من التسريبات الاعلامية وتصريحات الناطقين الرسميين في الجانبين، تتمثل في رفض حركة حماس بنداً يتضمن القبول بحل علي اساس الدولتين، اي الاعتراف ضمنيا بالدولة العبرية، وهو البند الذي يمثل الحد الادني الذي يمكن ان تقبل به الولايات المتحدة، ودول عربية، وغربية اخري، للتعامل مع حكومة وحدة وطنية، بقيادة رئيس وزراء من حركة حماس في شخص السيد هنية.
حركة حماس تدرك جيدا ان رئيس السلطة، السيد عباس، يريد جرها الي حفرة الاعتراف باسرائيل، والقبول باتفاقات اوسلو، الامر الذي سيعني ضرب مصداقيتها في الشارع الفلسطيني، وتفتيتها الي مجموعة اجنحة منشقة، متصارعة، مثلما حدث مع حركة فتح بعد فشل خيارها السلمي.
فما يوحد حماس الداخل مع حماس الخارج ، و حماس الحمائم مع حماس الصقور هو الالتزام بميثاق الحركة، ونهجها السياسي الرافض للاعتراف، والمتمسك بالمقاومة. وأي تراجع، ولو ضمني، عن هذه الثوابت قد يؤدي الي تشرذم الحركة وتراجع شعبيتها في الشارع الفلسطيني، وهو ما يحاول قادة الحركة تجنبه بكل الطرق والوسائل.
السيد عباس يعيش مأزقا صعباً وغير مسبوق، لانه يدرك جيدا ان استمرار الوضع الحالي، حيث الفوضي الامنية، وتفاقم حالة الجوع بسبب تأخر الرواتب، وما يترتب علي ذلك من شلل شامل في مؤسسات السلطة واجهزتها، لا يمكن، بل ولا يجب ان يستمر، وان عليه اتخاذ قرار حاسم حاول طويلاً ان يتجنبه وهو حل الحكومة الحالية، واستبدالها بحكومة طواريء، والدعوة لانتخابات عامة في غضون عام او اقل.
جميع الخيارات المتاحة حاليا امام السيد عباس والتي يدفع مساعدوه من المستوزرين للتعجيل باتخاذ احدها، ستؤدي حتماً الي الصدام مع حركة حماس واتساع فجوة القطيعة معها، مما قد يفجر مواجهات دموية، ومسلسلا من الاغتيالات يطال الجميع، لان المخابرات الاسرائيلية ستدخل علي الخط وتبدأ في اغتيال واحد من هنا وآخر من هناك، حتي تتسع الدائرة وتأكل نيران الحقد والانتقام الجميع.
فعندما التقي السيد خليل الوزير (ابو جهاد) غريمه صبري البنا (ابو نضال) في الجزائر علي هامش لقاء مصالحة رتبته الحكومة الجزائرية عام 1987، سأل المرحوم ابو جهاد المرحوم الاخر ابو نضال عن الاسباب التي دفعته لاغتيال 18 شخصا من خيرة ممثلي منظمة التحرير في اوروبا والوطن العربي، فاعترف بانه لم يقتل الا اربعة فقط، وهناك اصاب الذهول المرحوم ابو جهاد وسأل اذن من الذي اغتال الباقين؟
من أقدم علي اغتيال الباقين هي المخابرات الاسرائيلية التي استغلت حالة الاحتراب الفلسطيني لتدخل علي الخط، وتصفي مجموعة من المناضلين الفلسطينيين والعرب، وتحمل مسؤوليتها لتنظيم ابو نضال ، ولن يكون مستبعدا ان تكون في حال تأهب لتكرار الجرائم نفسها في حال اشتعال نار الحرب الاهلية بين فتح و حماس نتيجة فشل الحوار بين الجانبين.
حركة حماس درست جميع الخيارات جيداً، واتخذت قراراً فيما يبدو بالتمسك بالحكومة حتي اللحظة الاخيرة، ورفض كل الضغوط لدفعها الي الاستقالة، اي استقالة الحكومة، مهما بلغت ضراوتها، حتي لا تسهل مهمة السيد عباس، وحتي تدفعه للإقدام علي اقالتها بنفسه، فقد صمدت امام المظاهرات والاضرابات، مثلما صمدت امام حالات العزل العربية والدولية، والضغوط من قبل الجيران في مصر والاردن، وكان السيد هنية في ذروة الوضوح عندما قال انه لم يتلق اي دعوة من اي حكومة عربية لزيارتها باستثناء دعوة يتيمة من دولة قطر.
استراتيجية حماس في الصمود نجحت فيما يبدو، وصدرت الأزمة الي رئيس السلطة، وباتت تنتظر خطوته الانقلابية المقبلة، والاستعداد في الوقت نفسه لمواجهة كل الاحتمالات، بما في ذلك المواجهة المسلحة، والاعلان عن وجود فرع لتنظيم القاعدة في قطاع غزة من خلال شريط فيديو اعترف بالمسؤولية عن اغتيال اثنين من قيادات الاجهزة الامنية الاول هو محمد التايه والثاني طارق ابو رجب الذي نجا بأعجوبة، ربما يؤشر لعناوين المرحلة المقبلة.
هناك خياران مرجحان امام السيد عباس حسب نص صلاحياته الدستورية التي يروج لها مساعدوه:
الاول: حل حكومة حماس الحالية، وتشكيل حكومة طواريء برئاسة شخصية مستقلة، تضم مجموعة من التكنوقراط، وقد مهد اجتماع لشخصيات فلسطينية لهذه الخطوة ضم قيادات في الكتل البرلمانية والفصائل الاخري، الي جانب نواب من فتح وقاطعته حماس، خرج ببيان يطالب بتشكيل حكومة الطواريء هذه للخروج من المأزق الحالي.
الثاني: الدعوة الي انتخابات عامة لانتخاب مجلس تشريعي جديد، وربما رئيس جديد للسلطة، وقد لمح الرئيس حسني مبارك الي هذه الخطوة في حديث ادلي به الي صحيفة الاسبوع المصرية.
الأمر المؤكد ان حركة حماس لن تقبل بالخيار الاول، وستترجم رفضها هذا علي الارض من خلال تصعيد للعمليات الاستشهادية والقصف الصاروخي، وحشد كل ما لديها من نواب في المجلس التشريعي لم تعتقلهم السلطات الاسرائيلية بعد، لحجب الثقة عن هذه الحكومة. اما بالنسبة الي الخيار الثاني اي الدعوة الي انتخابات عامة، فإن من المرجح ان تقاطع حماس هذه الانتخابات تماماً مثلما قاطعت الانتخابات الاولي عام 1995، إذ ما فائدة خوض انتخابات لا تسمح لها بتشكيل حكومة اذا فازت فيها، وحصلت علي غالبية المقاعد في المجلس التشريعي مثلما هو الحال الآن.
جميع خيارات الرئيس عباس ستصب في هاوية الحرب الاهلية، والشيء نفسه يقال ايضاً عن الخيارات المضادة لحركة حماس ولكن تظل مسؤولية الرئيس عباس اكبر بكثير لانه رأس السلطة، وهو الذي قد يشعل فتيل هذه الحرب باتخاذه قرار حل الحكومة المنتخبة شعبياً رضوخاً للضغوط الامريكية والغربية.
المخرج الوحيد والمشرف من هذه الأزمة الذي سيجنب الشعب الفلسطيني المزيد من اراقة الدماء، هو ان يستأنف السيد عباس حواره مجدداً مع حركة حماس وقياداتها في الداخل والخارج، ليس من اجل تشكيل حكومة وحدة وطنية، فهذه مهمة باتت شبه مستحيلة، وانما للاتفاق علي حل السلطة الفلسطينية، واعلان المناطق الفلسطينية اراضي محتلة، وتحميل مسؤولية ادارتها للسلطات الاسرائيلية، تماماً مثلما كان عليه الحال قبل اتفاقات اوسلو.
اذا فعل السيد عباس ذلك فانه سينعم بتعاقد مريح، وقضاء وقت ممتع مع احفاده، وسيغفر له الشعب الفلسطيني ذنوبه الكثيرة، وابرزها هندسة اتفاقات اوسلو، اما اذا لم يفعل، واستمر في الوقوع في حفرة مستشاريه، فانه سيجر الشعب الفلسطيني بأسره الي كارثة دموية لم يسبق لها مثيل، سيرقص لها طرباً اولمرت ونتنياهو وربما شارون في غيبوبته.
No comments:
Post a Comment