عبد الباري عطوان
"من المقرر ان يبدأ اليوم السيد اسماعيل هنية رئيس الوزراء المكلف اتصالاته مع الفصائل الفلسطينية والشخصيات المستقلة من اجل تشكيل حكومة وحدة وطنية أولي مهامها اخراج الشعب الفلسطيني من ازمته السياسية والاقتصادية الخانقة، ولكن كل الدلائل تشير الي ولادة متعسرة لهذه الحكومة، ناهيك عن قدرتها علي تحقيق اهدافها في رفع الحصار.
الحكومة الجديدة في حال تشكيلها ستكون حكومة برأسين، تماماً مثل السلطة، اي سيكون هناك رئيس لها هو السيد هنية يمثل حركة حماس ، ونائب رئيس الوزراء يمثل حركة فتح ، ومن غير المستبعد ان تمتد حالة الاستقطاب الحالية السائدة في الاراضي المحتلة الي الحكومة نفسها، فنري حكومتين داخل الحكومة الواحدة، وزراء يتبعون رئيس الوزراء وآخرين يتبعون نائبه.
الادارة الامريكية، مدعومة بحكومة ايهود اولمرت، وبعض المسؤولين العرب، قد تعمل علي تعميق هذا الاستقطاب، من خلال حصر تعاملها في المستقبل مع وزراء فتح فقط وبعض الوزراء المستقلين، تماماً مثلما فعلت مع حكومة فؤاد السنيورة في لبنان عندما رفضت كل انواع الاتصال بالوزراء الذين يمثلون حزب الله ، والاحزاب اللبنانية الحليفة لسورية والمعادية للسياسات الخارجية الامريكية في المنطقة.
فردود فعل الإدارة الامريكية الرسمية علي اتفاق مكة الذي ادي الي اتفاق حركتي فتح و حماس علي وقف الصدامات الدموية بينهما، وتشكيل حكومة وحدة وطنية جاءت واضحة في رفضه، ونقلت وكالات الانباء تصريحات لمسؤولين امريكيين اكدوا فيها انهم لن يتعاملوا مع الحكومة الجديدة طالما انها رفضت التجاوب مع شروط اللجنة الرباعية الثلاثة الأساسية وهي الاعتراف باسرائيل، ونبذ الارهاب، والالتزام بالاتفاقات الموقعة بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية وعلي رأسها اتفاقات اوسلو.
وهذا الرفض الامريكي يعني عملياً عدم رفع الحصار المالي المفروض علي الشعب الفلسطيني، مما سيؤدي الي انهيار الحكومة، وعودة الصدامات بين طرفيها الرئيسيين، واذا حاولت الادارة الامريكية تخفيف موقفها المتشدد هذا نتيجة ضغوط اوروبية وعربية، فانها قد تلجأ الي التعامل مع وزراء فتح فقط، واعتمادهم كقناة لارسال الاموال والمساعدات، الأمر الذي قد يثير غضب حماس ويدفعها الي التفكير في انهاء هذه الشراكة.
نحن نفترض هنا ان الحكومة ستتشكل ونتحدث عما يمكن حدوثه بعد تشكيلها، ولكن احتمالات عدم النجاح في تشكيلها تظل واردة، بسبب العقبات الكبيرة التي ما زالت قائمة في طريقها، ومن ابرزها الاتفاق علي وزير داخلية مقبول للرئيس محمود عباس، ويمكن وضع جميع الاجهزة الامنية الفلسطينية المكونة اساساً من عناصر تدين بالولاء لحركة فتح تحت امرته. وحتي في حال تذليل هذه العقبة، فإن عقبة اخطر تظل عامل تفجير، وهي مستقبل القوة التنفيذية التي أسستها حركة حماس لتكون قواتها الضاربة في مواجهة الاجهزة الامنية الرسمية، بعد رفض السيد عباس اخضاع الاخيرة لسلطة وزير الداخلية سعيد صيام. فهل ستوزع عناصر هذه القوة علي الاجهزة المختلفة، ام ستظل وحدة قائمة بذاتها مثلما تريد حركة حماس ؟ وفي حال الاتفاق علي توزيعها علي الاجهزة، هل ستتولي قياداتها مناصب رئيسية في هذه الاجهزة ام تظل تابعة للقيادات القديمة وكلها من حركة فتح ؟
الاجابة علي هذه الاسئلة الهامة والمشروعة تبدو في ذروة الصعوبة، لانها غير متوفرة في الوقت الراهن، وربما يحتاج السيد هنية الي سلسلة من الحوارات والمشاورات تستغرق اياماً وربما اسابيع قبل التوصل الي اتفاقات حول التفاصيل المتعلقة بكل عقبة من العقبات المطروحة امامه.
اتفاق مكة عكس النوايا الطيبة لدي الطرفين، مثلما عكس حرصهما علي عدم احراج المضيف السعودي، واحترام حرمة المكان، ولكن التطبيق العملي لبنوده الاساسية سيكون صعباً ويحتاج الي معجزة ونحن لسنا في زمن المعجزات للأسف.
الكلمة الفصل في نجاحه او فشله، هي مسألة رفع الحصار المالي، واستخدام الدولة الراعية لنفــــوذها الكبير لدي الولايات المتحدة لتحـــقيق هذا الهدف. ولا توجد اي دلائل تشـــــير حتي الآن الي ما يوحي بأنها تفعل ذلك، او ما يؤكد نجاحها في هذا الخصوص اذا كانت قد استخدمت نفوذها فعلاً.
القيادة السياسية الفلسطينية برأسيها التي اجتمعت في مكة اظهرت الكثير من عدم الخبرة السياسية عندما قدمت الاتفاق الي الشعب الفلسطيني كما لو أنه نهاية آلامه، وخطوة أساسية علي صعيد تحرير فلسطين، مما ادي الي رفع التوقعات والآمال في أوساطه الي معدلات كبيرة، وهي توقعات بدأت تتحول الي خيبات امل بشكل تدريجي، وربما تنقلب الي سخط علي الطرفين في المستقبل القريب اذا لم يعط هذا الاتفاق ثماره علي الارض في الايام القليلة المقبلة.
ولعل ابرز أوجه عدم الخبرة السياسية اطناب رأسي السلطة في المديح بشكل غير مسبوق للقيادة السعودية، وتشبيه العاهل السعودي بالرسول صلي الله عليه وسلم عندما فرد عباءته اثناء رعايته لصلح القبائل العربية.
لقد نسي قادة الشعب الفلسطيني الجدد، بشقيهم المعتدل والمتطرف، انهم يمثلون ثورة وشعبا مقهورا يناضل لتحرير ارضه، عندما نشروا اعلانات مدفوعة في الصحف السعودية تمتدح العاهل السعودي وجهوده في رعايتهم واتفاقهم، وكأنهم مخاتير أو رؤساء عشائر أو مدراء شركات عامة تعمل في السعودية ودول الخليج. فثقافة نشر صفحات التهاني جديدة علي الشعب الفلسطيني، والثوار بشكل عام. فاليوم تنشر صفحات مديح بالعاهل السعودي وغدا بنظيره الاردني، وبعد غد بالزعيم الليبي، والشهر الذي يليه بالرئيس الامريكي او الرئيس الروسي وهكذا، يتحول قادة الشعب الفلسطيني الي جوقة من المداحين، بدءاً من اتفاق لم يجف حبره، ولم يحقق اهدافه بعد.
الحكمة تقتضي ان لا تنحصر المشاورات بين رأسي السلطة حول كيفية تشكيل الحكومة فقط، وانما ايضاً حول كيفية التصرف في حال لم يغير هذا التشكيل، اذا تم التوصل اليه، من واقع الحال شيئاً. فهل نري وقوف حركتي حماس و فتح جنباً الي جنب في مواجهة عدم الاعتراف الامريكي والاسرائيلي، ووضـــع برنامج مشترك للمقاومة والعودة الي الثوابت الوطنية؟
وهل نري اتفاقاً بينهما علي عدم اللجوء مرة أخري الي السلاح في حال فشل المشاورات الحالية، نتيجة تدخلات خارجية وعربية، في تشكيل الحكومة العتيدة؟
نترك الاجابة علي هذه الأسئلة التي تدور حاليا في ذهن كل مواطن فلسطيني داخل الارض المحــــــتلة وخارجها للقيادة الفلسطينية وللأيام المقبلة."
No comments:
Post a Comment