اجتماعات الرئيس عباس المغلقة
An Important Editorial (Arabic)
عبد الباري عطوان
"عندما يعقد السيد محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية في رام الله مع ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي اجتماعات لمدة ثلاث ساعات في مدينة اريحا نصفها مغلق، ومقصور علي الرجلين فقط، فان هناك قضايا علي درجة كبيرة من الخطورة تتصدر هذه الاجتماعات تتطلب تفاهمات مسبقة.
من الصعب علينا معرفة هذه القضايا، ولكن ليس من الصعب التكهن ببعضها، خاصة اذا وضعنا في اعتبارنا التحرك الامريكي المكثف في المنطقة لعقد مؤتمر سلام في الخريف المقبل وتكوين جبهة عربية ـ اسرائيلية في مواجهة محور الشر الايراني ـ السوري وامتداداته في فلسطين (حماس) ولبنان (حزب الله).
قنابل دخان كثيرة يتم اطلاقها حاليا لحجب الرؤية، وممارسة كل انواع التضليل، لتمرير طبخة التسوية الجديدة التي تعد حاليا علي نيران ملتهبة، كسبا للوقت، وقبل انتهاء فترة رئاسة الرئيس جورج بوش الثانية، وبما يساعده علي الانتقال بيسر الي الملفين الاكثر تعقيدا وهما الملف العراقي بكل ذيوله، والملف النووي الايراني بكل مخاطره العسكرية والاقليمية الاستراتيجية.
ولعل ابرز قنابل الدخان هذه ما يردده الرئيس عباس في مؤتمراته الصحافية حول رغبته في التوصل الي اتفاق اطار وليس الي اعلان مبادئ في اي محادثات مع نظيره الاسرائيلي ايهود اولمرت قبل انعقاد مؤتمر السلام الامريكي في الخريف المقبل. اي مجرد تلاعب بالالفاظ لا اكثر ولا اقل. فالرئيس عباس صاحب اعلان مبادئ اوسلو يدرك مدي كراهية الشعب الفلسطيني لهذه التسمية، وما تحمله اليه من ذكريات مريرة ومؤلمة، حول اكبر خديعة تعرض لها في تاريخه، ولذلك قرر ادخال مفهوم جديد، اي اتفاق اطار للايحاء بان هناك طريقا جديدا مختلفا سيؤدي الي صفقة افضل من صفقة اوسلو سيئة الذكر.
ومن سوء حظ الرئيس عباس الذي يوحي نهجه السياسي بميله الي الغرف المظلمة، والمفاوضات السرية، ان الاسرائيليين لا يكتمون سرا، ويتحدثون عن مخططاتهم بصورة اكثر شفافية عندما يتعلق الامر بمنظورهم للتسوية مع الجانب الفلسطيني، ولذلك باتوا يركزون حاليا علي تصميمهم علي معالجة قضية اللاجئين الفلسطينيين في وقت مبكر، وقبل الذهاب الي مؤتمر السلام في الخريف المقبل، ويشترطون الاتفاق علي هذه المسألة لتقديم اي تنازلات اخري علي صعيد الانسحابات واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
المعالجة الاسرائيلية لقضية اللاجئين معروفة، ولا نحتاج الي عبقرية خاصة لتحليل مضامينها. وهي تتلخص بضرورة اسقاط حق العودة وجعل الدولة الموعودة، هي القبلة الوحيدة لاي لاجئ فلسطيني باعتبارها نهاية المطاف. ومثلما كانت دولة اسرائيل هي الحل لعودة اليهود الي ارض الميعاد، فان الدولة الفلسطينية هي الحل لعودة الفلسطينيين الي وطنهم الأم.
بعد اسقاط حق العودة في اتفاق الاطار الذي يجري الحديث عنه حاليا، من خلال حلول خلاقة تحدث عنها السيد عباس في حديثه لصحيفة اسرائيلية، تنحصر المفاوضات بعد ذلك في كيفية عودة اللاجئين الي رام الله، وهل سيتم ذلك دفعة واحدة، او بالتقسيط المريح وفق الرؤية الاسرائيلية، ومن هم الذين سيعودون اولا، هل هم اللاجئون في لبنان، ام في العراق ام سورية، وكم هي المدة والجدول الزمني لعودة هؤلاء، واين سيقيمون، وكيف ستتم اقامة البني التحتية الاقتصادية لاستيعابهم وهكذا.
فايهود اولمرت اشترط شرطين لقبول مبادرة السلام العربية، الاول هو حذف بند حق عودة اللاجئين الذي اضيف اليها في قمة بيروت عام 2002، والثاني هو الغاء البند المتعلق بمنع توطينهم في الدول التي يقيمون فيها حاليا. ويبدو ان هناك مرونة عربية في هذا الخصوص. فعملية التطبيع بدأت بشكل متسارع منذ زيارة وزيري خارجية مصر والاردن للقدس المحتلة في الشهر الماضي باسم الجامعة العربية، تحت عنوان تفعيل مبادرة السلام العربية، وقبول دول عربية، وخاصة المملكة العربية السعودية، المشاركة في مؤتمر السلام الذي دعا اليه الرئيس بوش في الخريف المقبل، وهذا يعني جلوس وزير خارجيتها الامير سعود الفيصل وجها لوجه مع تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الاسرائيلية تحت رعاية السيدة كوندوليزا رايس.
الظروف مهيأة بالكامل للرئيس عباس للتنازل عن حق العودة بطريقة غير مباشرة ومن خلال الحلول الخلاقة التي تجري حاليا صياغتها في مفاوضات سرية برعاية امريكية ـ اوروبية في اكثر من عاصمة اوروبية، فالرئيس عباس تخلص من عبء الشراكة الثقيل مع حركة حماس ، ومن العبء الاثقل، او مستودع التطرف المسمي قطاع غزة، فقد اغلق ابواب القطاع بالضبة والمفتاح وحاصر حركة حماس في داخله، وبات طليق اليدين تماما، ووضع كل بيضه في سلة امريكا واسرائيل، ولم يعد يعير اي اهتمام حتي لأقرب حلفائه العرب.
ولعل النقطة الاخطر في كل ما يجري حاليا، هي تلك المتعلقة بتبادل الاراضي في حال التوصل الي تسوية، فمن ضمن الحلول الخلاقة التي يدرسها الطرفان بإمعان، تلك التي تقول بالابقاء علي الكتل الاستيطانية الرئيسية في الضفة الغربية، مقابل اعادة اراض الي الدولة الفلسطينية كتعويض. والاراضي المقترحة هي التجمعات السكنية العربية داخل الخط الاخضر، ومنطقة المثلث علي وجه التحديد ذات الكثافة السكانية العالية.
وهذا يعني تحقيق الحلم الاسرائيلي بالتخلص ممن تبقي من العرب في الدولة العبرية، وتحويلها الي دولة يهودية نقية صافية من اي عرق عربي، مع الاحتفاظ بالقدس عاصمة موحدة لها، ورفع علم عربي او فلسطيني علي المسجد الاقصي لذر الرماد في العيون، والايحاء بسيادة فلسطينية منقوصة ومزورة علي المناطق المقدسة.
الرئيس عباس الغي شرعية المجلس الوطني عندما استبدله بالمجلس التشريعي، وعندما سيطرت حركة حماس وبعض الشرفاء من حركة فتح علي المجلس الاخير في الانتخابات الاخيرة بادر الي تجميده والغاء دوره، والتفرد الكامل بالسلطة، مكتفيا ببعض المحيطين به الذين يؤيدون التسوية المطروحة وفق الشروط الامريكية والاسرائيلية.
اهل المثلث او عرب المناطق المحتلة عام 1948 لم ينتخبوا السيد عباس رئيسا لهم، وبالتالي لم يفوضوه بالتحدث باسمهم وتقرير مصيرهم، والشيء نفسه يقال ايضا عن فلسطينيي الشتات في لبنان وسورية والاردن والشتات بشكل عام. ولذلك لا بد من تحرك فلسطيني مكثف للمطالبة بالشفافية، ووضع فيتو علي اي تحرك يريد تسوية قضيتهم من وراء ظهورهم.
فعملية تجويع الفلسطينيين وحصارهم وتشديد الخناق عليهم في الوطن والشتات، لا يجب ان تعطي ثمارها في القبول بحلول مسلوقة لا تحقق الحد الادني من مطالبهم المشروعة في العودة وقيام الدولة الفلسطينية علي التراب الفلسطيني الحقيقي، وليس المزور.
القضية الفلسطينية ليست قضية رواتب، ولا مساعدات اجنبية، مقابل التفريط بالثوابت، ومن الافضل العودة الي كرت الاغاثة والعيش علي مساعدات هيئة الاونروا علي التنازل عن هذه القضية برمتها."
No comments:
Post a Comment