Thursday, October 16, 2008

فتوى تحريم الاتفاقية الامنية

فتوى تحريم الاتفاقية الامنية

رأي القدس

"....
صحيح ان هيئة علماء المسلمين التي اصدرت هذه الفتوى ليست ممثلة في الحكومة او البرلمان العراقي، وتمثل قطاعاً كبيراً من ابناء السنة العرب، ولكن الهيئة هذه تتمتع بمصداقية كبيرة في اوساط العراقيين داخل العراق وخارجه، بسبب مواقفها الراسخة في معارضة الاحتلال الامريكي، والمشروع السياسي المنبثق عنه، بما في ذلك مؤسسات الدولة العراقية الحالية.
وستشكل هذه 'الفتوى'، بسبب توقيتها، واللغة القوية الواضحة التي صيغت بها، احراجا كبيرا، ليس للاطراف المنخرطة في إعداد الاتفاقية الامنية، والتفاوض حولها، وانما ايضا للمرجعية الدينية الشيعية في العراق المتمثلة في السيد علي السيستاني، الذي لم يظهر معارضة قوية لها مثلما يتوقع الكثيرون. فالسيد آية الله علي السيستاني اوكل الموافقة على هذه الاتفاقية، مثلما قال متحدث باسمه، الى 'البرلمان والشعب، والكتل السياسية' وهو سيقبل ما سيقبلون به، وسيرفض ما يرفضونه. وهذا الموقف يعكس 'مرونة' تنطوي على الكثير من الغموض.
بمعنى آخر، يمكن القول ان السيد السيستاني لم يعط رأيا قاطعا بهذه الاتفاقية التي تعارضها جهات عديدة، لانها تنتقص من سيادة العراق، وتضعه تحت الوصاية العسكرية الامريكية لسنوات، بل ربما لعقود قادمة، فهي تنص على وجود قواعد عسكرية امريكية دائمة يتمتع الامريكيون فيها بحصانة تحول دون تقديمهم لأي محاكمة داخل العراق في حال ارتكابهم اي تجاوزات قانونية، او ارتكاب جرائم في حق العراقيين.
دور المرجعيات الدينية، شيعية كانت ام سنية، اسلامية او مسيحية، هو الانحياز دائما الى الخط الوطني والمصالح الاستراتيجية العليا للأمة، باتخاذ مواقف واضحة في هذا الصدد لا لبس فيها او غموض، وبما يعطي توجيها للقيادات السياسية، يحدد لها ما هو مقبول وما هو مرفوض، وفق المعايير الشرعية والوطنية.
لا شك ان الحكومة العراقية المنبثقة عن الاحتلال تجد نفسها هذه الايام في موقف حرج للغاية، فهي لا تملك السيادة التي تؤهلها لرفض هذه الاتفاقية، كما ان القبول بها سيضعها في مواجهة صعبة مع القوى الوطنية في العراق، الى جانب قوى اقليمية مؤثرة في الوضع العراقي بشكل عام، مثل الحكومة الايرانية التي تعارض بقوة هذه الاتفاقية.
فالولايات المتحدة التي خسرت حتى الآن اربعة آلاف جندي في العراق، علاوة على ستمئة مليار دولار، لا يمكن ان تخرج من البلاد بالسهولة التي يتوقعها البعض، وتتطلع الى وجود دائم يبرر استثمارها المالي والبشري والسياسي الضخم في هذا البلد الذي غزته، واحتلته، وغيرت نظامه، ونصّبت حكومته الحالية.
ومن هنا لا نستغرب ان تقوم الولايات المتحدة بما تتهم به ايران نفسها، اي تقديم رشاوى الى بعض النواب العراقيين من اجل التصويت لصالح الاتفاقية، اثناء عرضها على البرلمان. فقد اتهم مسؤول امريكي ايران برشوة نواب ماليا للتصويت ضدها، ولكنه لم يقدم اي دليل في هذا الصدد.
من المؤكد ان هناك نوابا مرتشين داخل البرلمان العراقي، يقدمون مصالحهم الشخصية على مصلحة الأمة والعقيدة، وشاهدنا كيف قاتل البعض، مما يسمى قوات الصحوات، من كانوا يقاتلون في صفوفهم ضد الاحتلال، اي انقلبوا على حلفائهم، مقابل حفنة من الدولارات الامريكية.
الاحتلال في العراق ثمنه باهظ جدا، خاصة بالنسبة الى من تعاونوا معه، وعملوا على تسهيله وترسيخه، لأسباب انتهازية صرفة، والاتفاقية الامنية المطروحة على الطاولة للإقرار والتصديق هي احد اشكال هذا الثمن."

No comments: