Thursday, November 27, 2008

ثقافة استجداء السلام


ثقافة استجداء السلام

عبد الباري عطوان

"علمتنا تجارب الشعوب السابقة، والعربية منها على وجه الخصوص، ان الاوطان تتحرر وتستعيد سيادتها بالمقاومة، بأشكالها كافة، والعسكرية منها تحديدا، ولكن لم نسمع مطلقا، ان اوطانا تحررت بالاستجداء والتسول، مثلما تفعل حاليا السلطة الوطنية الفلسطينية وبعض فقهائها في رام الله.
فوجئنا في اليومين الماضيين، بنشر صفحات كاملة في صحف عربية وعالمية، باللغات كافة، وبالألوان، تتضمن النص الكامل لمبادرة السلام العربية، موقّعا من قبل جامعة الدول العربية، والى جانبه بيان حول تأييد منظمة المؤتمر الاسلامي لها، مع وضع العلمين الفلسطيني والاسرائيلي جنبا الى جنب في اعلى الصفحة، وأعلام جميع الدول الاسلامية تزين اطرافها.
مصدر المفاجأة ان السلطة الوطنية الفلسطينية في رام الله هي التي تقف خلف هذه الحملة الاعلانية المكــــــثفة على طول العالم وعرضه، وهي التي تسدد اثمانها من ميزانيتها، وهي قطعا تقدر بملايين الدولارات.
ومن المفارقة ان هذه الاموال الطائلة المهدورة في هذه الحملة الاعلانية، تأتي في وقت لا يجد فيه مليون ونصف المليون فلسطيني من ابناء قطاع غزة رغيف خبز، او ليترا من الوقود، او حتى الحطب لطهي الطعام، هذا اذا توفر الطعام اصلا، بسبب الحصار التجويعي الاسرائيلي الظالم، والتواطؤ الرسمي العربي معه.
....
....
من يطالع 'تلفزيون فلسطين' التابع للسلطة في رام الله، والبرامج الغنائية والمسرحيات الراقصة التي قدمها ويقدمها، في الوقت الذي يلجأ فيه ابناء قطاع غزة الى اكل علف الحيوانات والطيور من اجل البقاء على الحياة، لا يستغرب مثل هذه التصرفات الغريبة والشاذة عن القاموس النضالي السياسي الفلسطيني.
تمنيت ان أجد برنامجاً واحداً متعاطفاً مع المحاصرين المجوّعين في قطاع غزة لأكثر من ثلاثة اسابيع منذ انقطاع الماء والدواء والوقود والطعام عنهم، ولكني أصبت بخيبة أمل كبيرة، وكأن هؤلاء ليسوا فلسطينيين بل ليسوا بشراً. فهذه العبقرية الاعلامية التي تقف خلف هذا التلفزيون وتضع سياساته هي نفسها التي تقف خلف هذه الحملة الاعلانية الساذجة والمهينة التي نرى ارهاصاتها في الاعلانات المدفوعة المنشورة في الصحف العربية والعالمية.
لم أكن أتصور في أي يوم من الأيام، أن يأتي اليوم الذي أرى فيه فلسطينيين يخاطبون عدوهم بهذه الطريقة الساذجة، ولكن في هذا الزمن الفلسطيني السيئ كل شيء جائز، وربما تحمل لنا الاسابيع المقبلة مفاجأت أكثر غرابة واستفزازاً."

No comments: