عزمي بشارة
".....
وموقف أوباما من هذا الموضوع لا يبشر بأي الخير، وذلك ليس فقط في المضمون بل في التوجه والمقاربة أيضا. فهو ما زال يستخدم أدوات ومفردات مرحلة بوش في تقسيم العرب إلى معتدلين ومتطرفين بموجب ما يتطلبه أمن إسرائيل.
من حيث المقاربة لم ينبس الرجل ببنت شفة حول الجرائم الإسرائيلية في الحرب المجرمة على غزة، ثم عبر عن أسفه لحياة المدنيين في الجانبين، في غزة وفي "جنوب إسرائيل". ثم يبرر لإسرائيل قائلا أنه لا توجد دولة ديمقراطية تقبل أن تبقى مكتوفة الأيدي إزاء إطلاق الصواريخ عليها.
....
ونتابع في مسألة التوجه والمقاربة فنقرأ في لغة أوباما التي تمكنت في وقت قصير من استيعاب لغة الفوقية والوصاية اللازمة عند التعامل مع العرب والمسلمين. فهو يقول: "يجب على حماس أن توقف إطلاق الصواريخ، وسوف تكمل إسرائيل انسحابها من غزة، وسوف تعمل الولايات المتحدة وشركاؤها على وقف التهريب كي لا تعيد حماس تسليح ذاتها" ( نفس الخطاب يوم 22 يناير/كانون الثاني).
أنظر عزيزي القارئ أين تستخدم كلمة يجب، وأين تستخدم كلمة سوف!! وهو نفس التعالي الذي يجعل شخصا مثل لوي ميشيل يتكلم بهذه الوقاحة في غزة التي تسيطر عليها حركة حماس دون أن يتعرض له أحد. في حين أن دولته لا تسمح لممثل حماس بدخولها، وربما كانت سوف تسجنه لو صرَّح بمثل هذا التصريح على أرضها.. نقول هذا مع الاحترام للشعب والرأي العام في بلجيكا.
.....
لم يبق حاليا من جرائم الحرب الإسرائيلية والصمود الأسطوري لقطاع مأهول بكثافة ويمنع سكانها من الهرب من القصف إلا هذا التواطؤ بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول عربية لغرض تحويل الإغاثة وإعادة الإعمار إلى أسلحة فتاكة (ضد المدنيين). ويفترض أن تكمل هذه الأسلحة طريق الحرب في الضغط على المدنيين وعلى حركات المقاومة لقبول الشروط الإسرائيلية.
وإذا اعتقدت أنك رأيت كل الغرائب الممكنة في حياتك القصيرة في هذه المنطقة، فسوف يفاجئك أن دولا أوروبية تدعو إلى الوحدة الفلسطينية. منذ متى هذا الحرص الأوروبي عليها؟ منذ أن فهمت أن هذا هو الطريق الوحيد لإنقاذ حلفائها العرب، ودفع حركات المقاومة لقبول شروط الرباعية.
فالولايات المتحدة، الـ"نحن" أعلاه لم تتغير كثيرا في قفزة واحدة. ما تغير هو استعدادها للحوار مع من ليسوا "معنا". ولكن هدف الحوار يبقى التوصل إلى نفس الأهداف (أو أهداف معدلة) بوسائل أخرى، تتناسب أكثر ليس مع العدالة والإنصاف، بل مع فهم أميركا الحالية لذاتها كقوة متنورة.
لم تنته الحرب على غزة. هي مستمرة بالأدوات التي فصلنا أعلاه: المعابر، الحصار، شروط الرباعية، التحالف مع المعتدلين، التأكيد على دور أجهزة الأمن الفلسطينية والدول المعتدلة.. ولا بد أن ترى القوى الشعبية وقيادتها أنه من المبكر إجهاض حركة الاحتجاج للمطالبة بتجميد العلاقات مع إسرائيل وعلى رأسها التنسيق الأمني، وفتح المعابر، ورفع الحصار، ومحاكمة المجرمين. فلا يجوز أن يتحرك الاحتجاج لمشهد الفظاعة والصورة التلفزيونية فحسب.
لن ينفع القوى المغتربة عن شعوبها دعم أوباما لها، فهو لن يكون أكثر حزما في دعمه لها من سلفه. وفي النهاية يبقى من يمسك بالأرض ويقاوم، بشرط أن يحْسِنَ تشخيص المرحلة والتخطيط وصنع التحالفات اللازمة لمواجهة التحديات المقبلة."
No comments:
Post a Comment