Monday, February 9, 2009


منظمة التحرير البديلة

عبد الحليم قنديل

"نعم، ثمة أصوات فلسطينية وعربية مخلصة اختلفت مع ما فهمته من تصريحات خالد مشعل ـ زعيم حماس ـ عن ضرورة بلورة بديل لمنظمة التحرير، وبدت القصة عاطفية إلى حد بعيد، وكأن تصريحات مشعل قد امتدت بالأذى إلى قدس الأقداس الفلسطيني (!).
ولم يسأل هؤلاء ـ ولاغيرهم ـ عن حقيقة أبسط، لم يسألوا: أين هي منظمة التحرير التي يدافعون عنها؟، فلا شيء عيني مجسد اسمه الآن منظمة التحرير، اللهم إلا لافتة باهتة معلقة على جدار، وموظفون يتقاضون رواتب ضخمة، وتكوين فوقي مهترئ اسمه اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أو ـ بالدقة ـ بقايا لجنة يترأسها محمود عباس الذي هو نفسه رئيس ما يسمى بالسلطة الوطنية الفلسطينية، وانتهت مدته ـ الانتخابية ـ قبل شهر، بينما توقفت اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني ـ برلمان منظمة التحرير ـ منذ عشرين سنة مضت، وانتهى وضع فاروق قدومي رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير إلى وضع الموظف بلا عمل، وبعد أن أصبحت سلطة رام الله هي سلطة المال والتفاوض، بينما بدت منظمة التحرير كشبح خلفي يستدعي ـ أحيانا ـ لتبرير موبقات جماعة عباس
.....
كيان ميت

منظمة التحرير ـ إذن ـ صارت أشبه بكيان ميت في ثلاجة حفظ الجثث، صحيح أنها لم تدفن بقرار إلى الآن، لكنها قتلت بقرار وبسبق إصرار وترصد، 'انفصل النص عن الفص'، وبدت التحولات ـ خارج إطار المنظمة التاريخي ـ أكثر حيوية في الشارع الفلسطيني، فقد انتهت حركة فتح ـ عصب المنظمة ـ إلى أزمة جمود وتيبس أعصاب، ولم يعقد مؤتمر تنظيمي عام لحركة فتح منذ أوائل التسعينيات، وتجمدت عضوية اللجنة المركزية، وتفشي فساد 'السلطة الوطنية ' ليعصف بأخلاقية فتح، وظل عرفات ـ ومن بعده عباس ـ يكرر وعدا مؤجلا بعقد مؤتمر لفتح لم يتم إلى الآن، وانتهت القصة إلى اختناق وذبول تاريخي لمقدرة فتح، وهو مابدا ظاهرا في انتخابات 2006، والتي لقيت فيها 'فتح ' هزيمة مروعة، فيما تقدمت حركة حماس التي أعلنت وجودها لأول مرة قبل عشرين سنة، وفي توقيت مقارب لعقد آخر مجلس وطني لمنظمة التحرير، وبدت حركة حماس كأنها ترث النفوذ القديم لحركة فتح، وبحيوية متدفقة في تجديد الرموز والقيادات، وبالدور الأكبر في عمليات المقاومة المسلحة بالداخل الفلسطيني، وبأخلاقية ظاهرة جعلت طهارة قيادات حماس مقابلا معاكسا لفساد قيادات فتــح المتنــــفذة، ثم جاءت حرب غزة الأخيرة لتؤكد أولوية دور حماس في الميدان، وتعطيــــها زخمـــا ســـياسيا مضافا، وهو ما يعني أننا بصدد تحول جوهري لابـــــد من أخــذه في الاعتبار، ونحن نتحدث عن المنظمة، فحماس ـ ومعهـــــا الجهاد الإسلامي ـ خارج الإطار الافتراضي للمنــــظمة إلى الآن، ودخول حماس والجهاد إلى المنظمة ـ لدى إعادة بنائها ـ يغــــير المعــادلة كليا، فخالد مشعل الآن في وضع ياسر عرفات بعد عدوان 1967، والشروع في إعادة بناء المنظمة ربما يجعل حماس عصبها التنظيمي، وهو ما يدركه عباس والذين معه، فهو يخشى إعلان نهاية دوره الذي انتهى قبل أن يبدأ، يخشى من تجديد حركة فتح، كما يخشى من نفوذ حماس، ويتظاهر بالدفاع عن منظمة التحرير التي هدمها بنفسه .
وبالجملة، يبدو اسم منظمة التحرير عزيزا في ذاته، لكن الكيان يحتاج إلى بث روح وإعادة بناء شاملة، وربما يصح أن تكون جبهة المقاومة والتحرير ـ التي دعت إليها حماس ـ طرفا جوهريا في إعادة بناء منظمة التحرير، وبشرط إجراء انتخابات لعموم الشعب الفلسطيني لتشكيل مجلس وطني
."

No comments: