Sunday, February 20, 2011

ثورة 25 يناير في مصر و خارطة الطريق إلى التغيير


                                     
                                                               محمد أحمد الزعبي

يبدو أن الكثيرين من الزعماء العرب ، الأطباء منهم وغير الأطباء  ، كانوا حريصين طيلة الشهرين الماضيين على تنفيذ قسم أبقراط  " لاأسمع ، لاأرى ، لاأتكلم " الذي أقسموه بينهم وبين كراسيهم ، من جهة  ، وبينهم وبين من أجلسهم على هذه الكراسي ، وعلمهم كل فنون التدليس والتعذيب والتزوير والمراوغة والغدر من أجل الحفاظ على هذه الكراسي ، واعتبارها ملكاً شخصياً لهم ولأسرهم ، قابلاً للتوريث والانتقال " السلس" ( ! ) من الآباء إلى الأبناء ، من جهة أخرى  .

دعونا  نقول لكم  اليوم ، يافلان وياعلاّن من الملوك والرؤساء والأمراء والسلاطين  العرب ( ! ) والذين يسمونكم " حكامنا " أن زميليكم العزيزين على قلوبكم  في تونس ومصر قد رحلا  مكرهين ،  وإلى غير رجعة ، تحت عزم وعزيمة  الشعبين العظيمين في تونس ومصر ، وتحت ضربات شبابهما السلمية  ولكن الموجعة ، المطالبة بالرحيل لركائز الاستبداد والظلم في هذين القطرين العربيين  . كما أن عروشاً أخرى بدأت تهتز تحت ضربات المناضلين من دعاة التغيير في أكثر من بلد عربي ، كما تشاهدون وتسمعون ، إلاّ إذا كان " الكرسي مابسمّع " كما يقول المثل الدارج .

لقد بات باب الحرية والديموقراطية اليوم مشرعا  أمام الجماهير في البلدان التي تحكمون وتتحكمون بها ،امام القطار العربية  بمختلف أطيافها وفئاتها ومكوناتها ، وباتت ملياراتكم ، ومليارات أسركم ، ومليارات أزلامكم ، التي تكنزونها في البنوك الأمريكية والأوربية في متناول علم " الشباب " ، زملاء ونصراء  خالد محمد سعيد و محمد بوعزيزي ، وأحمد محمد محمود وبقية الشهداء في تونس ومصر ، كما أن مواقفكم السياسية في السياستين الداخلية والخارجية ، ذات الوجهين ، باتت بعد تسريبات وكيليكس على صفحات المجلات والصحف العالمية. إنكم محاصرون الآن ياأيها السادة .

لقد اعتبر واحد منكم ، ــ أيها الزعماء ــ ، وهو زميلكم في  لعبة " تكلم يساراً وسر يميناً "  أن سقوط حسني مبارك في مصر يعتبر سقوطا لاتفاقية كامبديفد بين أنور السادات والكيان الصهيوني . إن كاتب هذه المقالة ، يرغب أن يقول لصاحب  هذا الراي المعروف لديكم  :
نعم إن سقوط حسني مبارك يمكن ان  يكون سقوطا لكامبديفد السادات،ولكن ماذا عن الجولان؟الذي مايزال يرزح تحت الاحتلال الاسرائلي منذ  سبعة وأربعين عاما كا ملة غير منقوصة ، كنّا نسمع  فيها من سيادتكم وسيادة من ورّثكم الحكم  في سورية  طيلة هذه المدة  فقط " جعجعة " ولكننا لم نكن  نسمع  أو نرىطحناً !!.

لم تكن مشكة الشعبين المصري والتونسي مع حاكميهما " المخلوعين " هي مشكلة ارتباطاتهما الخارجية فقط ، وإنما كانت ــ وربما بسبب هذه الارتباطات الخارجية ــ مشكلة داخلية تتمثل ، بتغييب دور الشعب ، واضطهاده ، وتجويعه ، وهدر كرامته ، ونهب ثرواته ، وذلك عبر نظام أمني استبدادي شمولي ، يقوم على الانتخابات المزورة ومجالس المنتفعين والأتباع التي يطلقون عليها مجالس الشعب     وبالتالي على السجون والمعتقلات و قانون الطوارئ ، وغيره من القوانين  القمعية الاستبدادية ، التي تسر الأعداء  وتغضب الأهل  والأصدقاء . ولهذا فقد تجسّدت الشعارات التي رفعها ثوار 25 يناير 2011 في ميدان التحرير في القاهرة  والتي أعلن هؤلاء الثوار أنهم  إنما يرفعونها  ليس باسم الشعب المصري وحسب وإنما أيضاً باسم الشعب العربي كله  ، نقول تجسدت بـشعار " الشعب يريد تغيير النظام " ، والذي كان ينطوي في وعي الثورة والثوار على :

1.  إسقاط  رأس هذا النظام ( الشعب يريد إسقاط الرئيس )،
2.  حل مجلسي الشعب والشورى اللذين جاءا بانتخابات مزورة ، وبالتالي فهما لايمثلان إرادة الشعب                                                             
3.  تغيير الدستور عبر جمعية تاسيسية منتخبة بصورة ديموقراطية حرة ونزيهة يشرف عليها القضاء
4.  إلغاء قانون الطوارئ الذي كان الأداة القمعية الأساسية بيد النظام ،
5. إطلاق سراح كافة المساجين السياسيين فوراً .
    وقد توجت هذه المطالب الشعبية الشبابية المشروعة والثورية هذه الجمعة (18.02.11) جمعة
   الاحتفال بالنصر على الديكتاتورية والفساد ، وتكريم شهداء الثورة ، نقول توجت بمطلب هو :     
6. " الشعب يريد تطهير البلاد " ، أي تخليصها من جذورالقمع والاستبداد والفساد التي زرعها  نظام حسني مبارك طوال ثلاثين عاما من حكمه ، والذي( نظام مبارك ) قد انتهت صلاحيته السياسية ،بعد أن اضطر تحت الضربات السلمية الثورية لشباب 25 يناير، والتي عمّت معظم المدن المصرية ، واشتركت فيها الملايين من أبناء الشعب بمختلف أطيافه وفئاته ، ولا سيما مكونيه الرئيسيين المسلمون والأقباط إلى التخلي عن منصبه للمجلس الأعلى للقوات المسلّحة في 11 فبراير 2011 .

إن تنفيذ  مطالب ثورة 25 يناير من قبل سلطة مابعد مبارك ، إنما سيعني عملياً وواقعياً عودة الشعب العربي في مصر العربية إلى مركز الأحداث ، بعد أن غيبه  نظام كامبديفد عنها لمدة أربعة عقود .

لقد تساءل البعض عن سبب عدم تحرك الشعب السوري تاييداً لثورة مصر ، كما حصل ويحصل في بعض الأقطار العربية ، وجوابنا على مثل هذا التساؤل هو أن الأمر يتعلق بدرجة القمع الوحشي التي يمارسها النظام الوراثي في سوريا  على الشعب  منذ هزيمته في حزيران 1967 أمام إسرائيل، أي منذ احتلال اسرائيل لهضبة الجولان الاستراتيجية  ، والتي  ( درجة القمع الوحشي ) يمكن أن يواجه بها أي تحرك شعبي لتأييد  شباب ثورتي تونس ومصر ، ذلك أن  تأييد الجماهير لهتين الثورتين اللتين أطاحتا  برئيسي البلدين،إنما يعني تأييدها لشعاراتهما ومطالبهما الستة التي أوردناها أعلاه، وهو مايعتبر في"سورية  الأسد !" من المحرمات !!.

إن من غرائب وعجائب الأمور أن النظام الوراثي في دمشق ، بدلاً من أن يطلق سراح المساجين السياسيين ، في إطار الدرس المستفاد من إعصار تونس ومصر ، نرى  قضاته  ( المحترمين ) والذين نعرف  نحن جيداً ، ويعرفون هم أننا نعرف جيداً ، كيف يتلقون تعليماتهم  في كيفية إجراء المحاكمات ، بل وفي مدد الأحكام " للمتهمين !! ". من رأس النظام شخصياً ، و/ أو من أحد افراد بطانته  ، العميلة والفاسدة ، وخاصة عندما تتعلق هذه المحاكمات والأحكام  بأحد المناضلين الشرفاء والمحترمين مثل هيثم المالح ، أو إحدى المناضلات الشريفات المحترمات  مثل الطفلة البريئة طل الملّوحي ، أو بواحد من  مئات المناضلين الذين سبق أن غصّت ،  وتغص الآن ، بهم سجون " الرفاق !! " والذين يطبق عليهم قضاته ( المستقلّين !! ) القوانين القرقوشية المستندة إلى دستور 1973 القرقوشي بدوره والتي طبقت بالأمس على مناضلي إعلان دمشق  وغيرهم من المناضلين القوميين واليساريين والإسلاميين والليبراليين وتطبق اليوم على المناضل هيثم المالح وعلى المدوّّنة طل الملّوحي ، وعلى المهندس غسان النجار ، فلا نامت أعين الجبناء .

إن من غرائب وعجائب الأمور ألاّ يبادر نظام " الرفاق" في دمشق  فوراً، بعد أحداث تونس ومصر، إلى إلغاء قانون الطوارئ الذي مايزال ينيخ على رقاب الشعب السوري منذ 22/12 /1962 والذي تم توكيده بدلاً من إلغائه في ظل ثورة الثامن من آذار عام 1963 حتى هذه اللحظة  ، وأيضاً إلى إلغاء القانون رقم 49 لعام 1980 الخاص بالإخوان المسلمين ، والذين هم مواطنون سوريون ( على الأقل مثل أفراد وأتباع هذا النظام ) ، يحق لهم  ولأسرهم  العودة إلى وطنهم والعيش في قراهم ومد نهم وبيوتهم ، وممارسة حياتهم السلمية الطبيعية ، بغض النظر عن الاتفاق او الاختلاف معهم في الرأي والرؤية .

                                                              3
إن من غرائب وعجائب الأمور ، أن يقول بشار الأسد في  تعليقه على الهبة الشعبية في تونس ومصر                                                               
( مقابلة مع وول ستريت جورنال بتاريخ 4 فبرلير 2011 ) مايلي :
ــ   علينا أن نجاري هذا التغيير على مستوى الدولة والمؤسسات (!) ،
ــ  إن المياه الراكدة تسبب التلوث وتولد الجراثيم، ولأن الركود استمر لعقود ، فقد أصابتنا الجراثيم (!)،
ــ  إن الإصلاح قد حان والاحتجاجات الشعبية دخلت في مرحلة جديّة  (!) ،
ــ على الحكام العرب بذل مزيد من الجهد لاستيعاب الهبة الشعبية (!) ،
ــ  الاحتجاجات في مصر لن تصل إلينا (!)،
ــ لذا يأتي الأمن بالمرتبة الأولى، من أجل ضمان الاستقرار، ومن ثم فتح الاقتصاد بشكل تدريجي (!).

إن وجه الغرابة في هذه التصريحات المتناقضة وفاقدة المعنى ، هو أن بشار يتكلم كما لو كان واحداً من معارضي النظام !! ، وإلاّ فما الذي يمنعه من تحريك المياه السورية التي وصفها هو بالراكدة منذ أربعة عقود ؟ والتي ترتب عليها انتشار العفن والجراثيم في المجتمع السوري الذي تحكمونه بالحد يد والنار. إن تحريك المياه الراكدة في سورية التي تدعو إليه  ياسيادة الوريث (! ) تقتضي،أول ماتقتضي  رحيلك ورحيل أسرتك عن قصر المهاجرين ، وإخلاء سبيل كرسي الرئاسة الذي تجلسون عليه منذ  حوالي نصف قرن  دونما وجه حق !! ، فهل أنت جاد في كلامك ياسيادة الرئيس ؟ أم أن مقولة " أسمع كلامك يعجبني أشوف فعالك أستعجب " هي ماينطبق على كل تصريحاتك وابتساماتك منذ عام 2000 وحتى هذه اللحظة ؟! . إن مايمكن للكاتب قوله هنا :  عش رجباً ترى عجباً .

نعم لقد رسم  مناضلو تونس ومصر بدمائهم الزكية لكافة مناضلي الأمة العربية ، خريطة طريق التغيير الثوري ، لإسقاط  تلك الأنظمة الفاسدة والمفسدة والمكروهة والمحتقرة من الأغلبية الساحقة من أبناء الأمة العربية من المحيط إلى الخليج ، تلك الخارطة  الشعبية الوطنية النظيفة التي كانت لحمتها          " سلمية ، سلمية " وسداها  "الإصرار والصبر والصمود " ، و مطالبها الأساسية والجوهرية والمشروعة : " الشعب يريد إسقاط النظام ، الشعب يريد تطهير البلاد " وهو ماأشرنا إليه أعلاه

إنني أسمح لنفسي هنا ، كمواطن عربي سوري ، أن أصرخ بصوت مسموع وعالٍ  في أذن حكام  البلد الذي أنتمي إليه ، والذي ماعدت أعرف ماهو نظامه السياسي ، هل هو جمهوري أم ملكي أم ماذا !؟ والذي وصل رئيسه الحالي إلى السلطة عن طريق التوريث العائلي و ليس عن طريق الإنتخاب الشعبي ، لأقول له ، ولمن حوله ، من " حماة الديار !! "  ( أيها الرفاق!) :
  اتقوا الله في هذا البلد ، أعيدوا  للشعب السوري حريته التي اغتصبتموها منذ أربعة عقود ، اعلموا  أن الكفن ليس له جيوب ، وأن الضغط يولد الإنفجار ، وأن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ، وأن الظلم مرتعه وخيم ، وأن حبل الكذب والتدليس قصير ، وأن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا مابأنفسهم ، وأن الغابة لايمكن حجبها بالإصبع ،  وأنه إذا كان النصر صبر ساعة ، فإن الهزيمة بدورها صبر ساعة  ، وأن الديكتاتورية سلاح ذو حدين ، وان الديموقراطية وصندوق الاقتراع هما المخرج الآمن للوطن والمواطنين ، للحاكم والمحكوم . 

إنني لاأريد هناأن أنصح( سياد تك) ومن وراءك  ومن أمامك بالرحيل ، ولكنني أنصحكم بان تغيروا مابأنفسكم حتى تكونوا راغبين  فعلاً بالتغييرالسياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي ، وقادرين عليه ، وأن تعيدوا النظر في مسيرتكم الخاطئة  والمحفوفة بالمخاطر الخارجية والداخلية  قبل فوات الأوان ، لقد ذابت الثلجة وبانت المرجة ، وهاهي خارطة الطريق التي رسمها لنا ثوار تونس ومصر أمامكم ، ذلك أن الجرح واحد ، والألم واحد ، والأمل واحد  ،والقدرة على التحمل والصبر والصمود واحدة ،  إن رياح  التغيير في طريقها إلى قصوركم ،وإلى ملياراتكم ، وإلى من يحرسكم ويحميكم من غضبة الشعب وإلى الفاسدين والمفسدين من حولكم ، هذا إذا لم " يطخكم الحنت " وبقيتم مصابين بعمى الألوان ، وهذا مالا نريده لكم ، فنحن وإياكم  " شركاء في الوطن "  .


  



  

No comments: