لم يكن لقائي مع "رامي"، وهو شاب شيوعي من حي الخالدية بحمص، هو المحفّز الوحيد لكتابة هذه المقالة، بل ملاحظات كثيرة أخرى...ولكن المعلومات التي استطعت الاطلاع عليها عن كثب جعلتني أتأكد أكثر من معطياتي وبالتالي من رأيي!
فـ "رامي" الذي كان مسؤول الشباب الشيوعي الموحّد في حمص، منذ أن كان عمره 14 سنة، ترك العمل مع الحزب بعد اندلاع الثورة بسبب موقف الحزب الرافض لها. ولم يكن وحده بين مجموعة الثوّار السلميين في الخالدية، أولئك الذين لا يعرفون كيف يطلقون الرصاص ومصممين على إكمال ثورتهم حتى آخر مطلب بدون أي عنف تحملهم آمال وأحلام بالحرية. وقد أسسوا تجمعاً اسموه: "الائتلاف الإسلامي المسيحي العلماني"، واختصاره (فجر). قال لي "رامي":
- نظّمنا مظاهرة للمسيحيين في الخالدية، ورفعوا فيها الصلبان في حارة إسلامية محافظة كحارتنا... كما كان لدينا مظاهرة أسبوعية نقيمها يوم الأربعاء بعد الظهر، تشترك فيها تنسيقية مصياف وتجمع نبض، الذي تغلب عليه الأقليات، ويشترك معنا رفاقنا من مسيحيين وعلمانيين، ويحضر معنا تلك النشاطات اتحاد الطلاب الأحرار وطلاب جامعة خالد من الوليد وهي تنظيمات طلابية صغيرة تشكلت بعد الثورة.. كان هناك كثير من المظاهرات المشتركة.
في نهاية لقائنا عرفت أنه في بابا عمرو، الحي الذي لا يمكن أن يتخيله البعض إلا مليئاً بالثوار المسلحين ومحقوناً بالخطاب الديني الطائفي، كان ثمة صحيفة مطبوعة تصدر بشكل دوري قبل أن تمحى بابا عمرو بقصفها المتواصل لثمانية وعشرين يوماً. تلك الجريدة كان مسؤولاً عنها شاب من هناك يلقبونه: (ماركس)، لأنه كان شيوعياً! يكتب المقالات السياسية التوعوية في الجريدة، كما يجمع مقالات مختارة ضد الطائفية والعنف..
ولكن هذه الآليات المواربة، ومنها سلطة وسائل الإعلام، وتبوؤها تلك المكانة الطليعية، ليست مقتصرة على الأنظمة الديمقراطية فحسب، بل هي أداة ماضية في يد السلطات الديكتاتورية، وهذا الأخطر، إذ أنها تطوّع الإعلام الرسمي للبلاد إلى مجرد إعلام دعائي لسياساتها ومواقفها، ولتطنيب الطاغية وطغمته الحاكمة وتبخيس المعارضين، إن وجودوا، أو تبخيس الخصوم الدوليين أو الإقليميين. وهذا بالضبط ما عمل الإعلام الرسمي السوري، ومن لفّ لفيفه من الإعلام شبه الرسمي، على ممارسته منذ بدء الثورة السورية وحتى اليوم.
يتكشّف يوماً بعد يوم أن ما جاهد النظام السوري لمنعه منذ اللحظة الأولى، وهو دخول وسائل الإعلام الحيادية، نوعاً ما، إلى أرض سوريا، ليس فقط كي لا يتم نقل الحقيقة، أو جزء منها، بل ليبقى النظام قادراً على تكذيب كل ما يقال، حينما يغدو الثوار على الأرض أسرى لمحطات فضائية بعينها تمكّنهم من نقل يوميات الثورة وبطش النظام، وبالتالي أسرى لأجندات هذه المحطات بعينها! مما يجعل إعلام الثورة يفقد القليل من مصداقيته بعيون المراقبين عن بعد، والسبب الرئيسي هو المحطات المضيفة لتلك الأخبار والمعلومات. مما يعني أننا اليوم، وبعد مرور عام ونيف على اندلاع الثورة السورية، بحاجة ماسّة للكشف عن كثير من المعلومات والحقائق المغفلة في الثورة، والتي يؤثر غيابها على صورتها الخارجية والداخلية.
No comments:
Post a Comment