وائل قنديل
4 نوفمبر 2014
كان بعض القراء يرى أن قصائد مظفر النواب تفرط في استخدام مفردات صادمة أو خادشة للذائقة التقليدية المحافظة ربة الصون والعفاف.
وكان السادة المثقفون "الكتبنجية السماسرجية" بتعبير الراحل أحمد فؤاد نجم في قصيدته "أبجد هوز.. سايجون" يتركون موضوع قصيدته الذائعة "القدس عروس عروبتكم" ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها على ما بها من غضب مشتعل ضد حكام خانوا القدس وباعوها وتركوها لمغتصبيها، ويتّهمون الشاعر بالجنوح إلى البذاءة، متجاهلين بذاءة أفعال حكام وتدنّي مواقف عربية إلى درجة العهر السياسي من التوسع الصهيوني في إهانة القدس ومحو معالمها العربية.
على أن السادة مرهفي الحس من كتبة الأنظمة الذين أوجعتهم مرارة مظفر النواب، كانت قلوبهم كالحجارة، وهم يرون الأراضي الفلسطينية تنتهك، والمقدسات تغتصب، وكانت جلودهم كالفولاذ، لا تقشعر أبدا، وهي ترى أطفالا ونساء وشيوخا فلسطينيين يقتلون في محرقة الاعتداءات الإسرائيلية.
والآن نعايش مواقف عربية من القدس والقضية الفلسطينية، تبدو معها قصائد مظفر النواب مفرطة في نعومتها ورومانسيتها وتأدبها الخجول، إذا ما وضعت أمام سفالات الأقوال الإعلامية وبذاءات الأفعال السياسية من حكام عرب باتوا لا يتورعون عن الاعتراف بتحالفاتهم الاستراتيجية مع الكيان الصهيوني، والمفاخرة بتبعيتهم الشاملة وانبطاحهم الكامل أمام لائحة الأوامر والتعليمات الأميركية.
في القاهرة.. حيث لا تزال بعض الأدوات الإعلامية القديمة تثرثر بكلام عن التضحيات الهائلة والأثمان الباهظة التي دفعتها مصر من أجل القضية الفلسطينية، جاء اليوم وأصبح مألوفا أن تُرفع الأحذية على الهواء مباشرة للمقاومة الفلسطينية، وأن تسمع من مذيع أو مذيعة مناشدات لجيش مصر لكي يدك غزة الصامدة دكا، ويبيد شعبها عن آخره، على اعتبار أن مصر ليست أقل من صديقتها وجارتها و"شقيقتها" الكبرى إسرائيل، وفقا لعقيدة بعض حناجر إعلام الانقلاب الجهول.
غير أن المشهد رغم فضائحيته يبدو منطقيا، بالنظر إلى أن مؤسسة الانقلاب، تمارس الحمق ذاته، وتعلن العداء نفسه للشعب المصري في سيناء، فماذا يمنعها إذن من أن تكون أوضح في الفحش مع الشعب الفلسطيني في غزة؟
هل كان مظفر النواب بذيئا حين صرخ:
القدس عروس عروبتكم
فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها؟؟
ووقفتم تستمعون وراء الباب لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركم
وتنافختم شرفا
وصرختم فيها أن تسكت صونا للعرض
فما أشرفكم
أولاد القحبة هل تسكت مغتصبة؟
أزعم أننا مدينون بالاعتذار للنواب والاعتذار للبذاءة - إذا كانت الكلمات السابقة تصنف هكذا- ونحن نرى التآمر على فلسطين والاتجار في عرض القدس، ينتقل من الاجتماعات المغلقة، ليعلن على الهواء مباشرة، بمباركة تامة من أنظمة تستمد شرعيتها من إرادة البيت الأبيض، وتستأسد على الشعب العربي وتتجاسر على ثوابت التاريخ والجغرافيا بدعم إسرائيلي لم يعد ينفيه أو ينكره أحد.
ولكي ترى كارثية الصورة وقتامتها، ماعليك إلا أن تمد بصرك إلى القدس ومسجدها الأقصى، ثم ترجع البصر إلى العواصم العربية، لتكتشف أن منبر الأقصى صار أرخص من كرسي حكم أي قاتل وصل إلى السلطة فوق جثث الآلاف من أبناء شعبه.
لكن النكبة الأكبر أنه لم يعد بالميادين والساحات متسع للغاضبين من أجل المقدسات، إما رعبا من قمع سلطوي مجنون، أو انشغالا في شؤون أخرى.
No comments:
Post a Comment