AN IMPORTANT PIECE!
يدلّ تكثيف طيران النظام السوري عملياته العسكرية خلال الأسبوعين الأخيرين ضمن مناطق عمل التحالف الدولي، على أن النظام قد رفع مستوى تنسيقه مع التحالف، الذي يبدو أنه أعطى النظام ضوءاً أخضر لقصف المناطق السكنية، في حين يتولى هو قصف أهداف محددة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وارتكب النظام أمس الأول مجزرة بحق السكان المدنيين في مدينة الرقة الخاضعة لسيطرة "داعش"، هي الأكبر في المدينة منذ بداية الثورة السورية، إذ لقي أكثر من 170 مدنياً مصرعهم، وأصيب عشرات آخرون بجروح، جرّاء قصف جوي من طيرانه، على أحياء متفرّقة في المدينة.
وأفاد ناشطون من المدينة لـ "العربي الجديد" بأنّ "طيران النظام الحربي شنّ، ظهر الثلاثاء تسع غارات على الرقة، طالت مناطق مكتظة بالمدنيين في محيط المتحف الأثري الوحيد في المدينة، ومسجد الحني، ومنطقة الصناعة، والمستودع الأصفر، ومنطقة المطحنة".
كما شن طيران النظام، خلال الأسبوع الحالي، غارات على عدة مدارس للأطفال في مدينة الرقة، منها مدرسة "ذي قار"، ما أدى إلى مقتل ثمانية أطفال، وذلك بعد مرور أسبوعين على مقتل عشرين مدنياً في قصف جوي مماثل طال أحياء سكنية في المدينة.
وكان طيران النظام الحربي قد قصف في السادس من سبتمبر/أيلول الماضي بالصواريخ مواقع لتجمعات المدنيين في مدينة الرقة، مستهدفاً فرن الأندلس في شارع تل أبيض، وهو الشارع الرئيسي لمدينة الرقة المزدحم بالسكان، ما أدى إلى مقتل 35 مدنياً وجرح العشرات. كما استهدف في اليوم نفسه بست غارات جوية محيط جامع الشراكة ومبنى الخدمات الفنية، ومنطقة صوامع الحبوب ومنطقة الجرعية ومحطة الكهرباء، ما أوقع مزيداً من القتلى والجرحى.
ويُشير قتل النظام أكثر من 140 مدنياً في يوم واحد ضمن مناطق عمليات التحالف، من دون صدور أي إدانة دولية لهذا العمل، إلى تحوّل في استراتيجية التحالف العسكرية التي يبدو أنها تتجه نحو اتباع سياسة غض الطرف عن قتل المدنيين، مع الاعتماد على النظام في تحمّل تبعات عمليات القتل هذه، إذ يقوم التحالف بضرب الأهداف العسكرية للتنظيم، فيما يتولى النظام ضرب المناطق المدنية، وخصوصاً تلك التي قد يشك بتواجد مراكز مدنية تخص التنظيم فيها.
ويُشكّل هذا التنسيق فرصة للنظام يستطيع من خلالها توجيه رسائل عدة، لكل من التحالف الدولي والمعارضة السورية وسكان المنطقة المدنيين، فهو يثبت للتحالف بأنه شريك فعال ويمكن الاعتماد عليه كقوة تدميرية ليس لديها أي خطوط حمراء، كما يوجّه رسالة للمعارضة المسلّحة يحاول من خلالها إظهار تنسيقه مع التحالف والتناغم معه في ضرب المناطق نفسها، وذلك بهدف إفهام تلك المعارضة بأنه المرشّح الأكثر حظاً لسد الفراغ بعد القضاء على "داعش" في المنطقة، ومن أجل تشكيك المعارضة بنوايا التحالف تجاهها، أما رسالته الثالثة فهي رسالة ترهيب موجّهة للسكان المدنيين تعتمد على أسلوب "داعش" نفسه بالترهيب، وتثبت لهم في الوقت نفسه أن التنظيم غير قادر على حمايتهم.
وفي ظل سعي روسيا لخطة حل سياسي في سورية مع تراخيها في موضوع وجود الرئيس السوري بشار الأسد كطرف في الحل، وتواصلها مع المعارضة السورية، وترافُق كل ذلك مع خطة مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية ستيفان دي مستورا، يسعى النظام لإثبات فعاليته حتى أمام شركائه الدوليين وخصوصاً الروس، وذلك من أجل إفهامهم بأنه لا يزال مؤثراً وفعالاً ولا داعي لتقديم تنازلات للمعارضة، وأنه يمكن إعادة تأهيله دولياً وإدخاله كشريك أساسي في محاربة الإرهاب.
ويرى رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، في حديث لـ "العربي الجديد"، أن النظام بارتكابه هذه المجزرة، يعرض نفسه كشريك للتحالف يتحمّل تبعات القضايا الأخلاقية التي لا يستطيع التحالف تحمّلها.
ويعتبر أنه "بسبب تغلغل داعش بين المدنيين وعدم قدرة التحالف على ضرب أهداف مدنية لالتزامه بالقوانين الدولية المتعلقة بهذا الشأن، استغل النظام هذا الأمر وأراد توجيه رسالة للتحالف الدولي بأنه مستعد للدخول كشريك وقصف داعش والمدنيين معاً".
ويكشف رئيس الشبكة الحقوقية أن النظام السوري قتل من المدنيين من سكان الرقة منذ مارس/آذار 2011 وحتى سقوطها بيد "داعش" في يناير/كانون الثاني 2014، نحو 1500 مدني بينهم 189 طفلاً و170 امرأة و7 بسبب التعذيب، فيما خفّت وتيرة استهداف النظام للرقة في الفترة التي سيطر فيها "داعش" على المدينة، إذ قتل النظام بعد تلك السيطرة وحتى صدور قرار مجلس الأمن المتعلق بمحاربة التنظيم في الخامس عشر من أغسطس/آب الماضي نحو 110 مدنيين، لتتصاعد بعدها وتيرة هجماته على المدينة ويرتفع الرقم منذ منتصف أغسطس/آب الماضي حتى الآن لأكثر من 197 مدنياً.
أما عن المدنيين الذين قتلهم تنظيم "داعش"، يوضح عبد الغني أن التنظيم قتل من أهالي الرقة المدنيين منذ سيطرته على المدينة وحتى الآن ما لا يقل عن 33 مدنياً، بينهم أطفال وثلاث نساء، فيما قتلت قوات التحالف الدولي مدنياً واحداً في محافظة الرقة منذ بدء هجماتها وحتى الآن.
وكان رئيس "الائتلاف السوري" المعارض هادي البحرة، دان في تصريح صحافي، المجزرة في الرقة، محذّراً من أنّ "النظام سيعمل على تكرارها مستغلاً الحضور الجوّي لطائرات التحالف".
ودعا البحرة "الهيئات المدنية والحقوقية والنشطاء في كل البلاد إلى التحرك لدعم الخيار المدني المُطالب بالديمقراطية في سورية بكل الوسائل"، معرباً عن خيبته "لوجود عشرات الجهات التي تدعم الإرهاب التكفيري بالمال والرجال والإعلام، وجهات دولية عدة أخرى تدعم إرهاب نظام بشار الأسد بالميليشيات وبالأسلحة والمواقف الدبلوماسية، فيما تعجز غالبية أطراف المجتمع الدولي عن دعم الخيار المدني المطالب بالديمقراطية في سورية إلا بالكلام والوعود".
No comments:
Post a Comment