سلامة كيلة
منذ بدء الثورة السورية، كان واضحاً أن مسافة كبيرة تفصل بينها وبين المعارضة، حيث الشعب الذي يشعر بالقوة، وهو يسعى إلى إسقاط النظام، والمعارضة التي تحسّ بالوهن والهزال أمام السلطة، والتي لم ترَ في هذه الثورة سوى وسيلة لانتقام من سلطة استبدادية. لكن، ليس بقوتها هي، أو بتفاعلها مع الثورة، بل بالاتكاء على قوى خارجية.
لهذا، بذلت كل نشاطها من أجل أن تحقق القوى الإمبريالية التغيير في السلطة، لكي تصبح هي السلطة الجديدة. وغرقت في الدعم المعالي الذي حوّل جزءاً كبيراً منها إلى منتفعين ومتعيشين. "سياستها" (وأضع كلمة سياسة بين قوسين، لأنها مجازية، حيث لا يعرف هؤلاء السياسة أصلاً) انبنت على "استراتيجية"، تبدأ بالتحريض من أجل التدخل الإمبريالي، وتنتهي بالتنقل بين عاصمة وأخرى. وكما أشرت، مراراً، فقد اتسم خطابها بسمات ثلاث، لم تفارقه. أولاً، الشتم على السلطة، وتكرار خطاب بات بالياً من كثرة ما تكرر، يقول إنها سلطة مستبدة. وثانياً، الندب على الشهداء، وتحويل ما يجري من ثورة إلى مناحة. وثالثاً، استجداء التدخل الإمبريالي. وكانت في ذلك كله تضرّ الثورة، وتخيف فئات كان يجب أن تنخرط فيها، وتشوش حتى على الناشطين.
تصارعت وتشكلت في تكوينات عديدة، لكنها لم تفارق ذلك كله، ولم يكن الخلاف يطال ذلك. ومن ثم باتت تخضع لسياسات قوى إقليمية ودولية (كما خضعت السلطة). ولقد راهن الذين شكلوا المجلس الوطني السوري على تدخل تركيا وقطر وفرنسا، ومن ثم دخلت أميركا على الخط، وبات للسعودية "رِجل" ثقيلة فيها. وكان يظهر، دائماً، أن جماعة الإخوان المسلمين تريد الهيمنة، مدعومة من تركيا التي لم تجد غيرهم بديلاً عن بشار الأسد الذي قدّم لها الكثير مما يخدم مصالحها، بالضبط للحفاظ على مصالحها. وإذا كان إبعاد هؤلاء عن السيطرة نتيجة ضغط أميركي دفع إلى تشكيل الائتلاف، من أجل التخلص من هذه السيطرة، بعد أن ظهر أن أميركا تريد تسهيل "الحل الروسي"، فإن عودة الحلم التركي بدعم أميركي لشروطها التي تقوم على إسقاط بشار الأسد، وفرض منطقة آمنة، دفع إلى السعي لإعادة فرض هيمنة الإخوان المسلمين على "الائتلاف"، وعلى "الحكومة المؤقتة". فهذا هو الخيار التركي، الذي أضرّ أصلاً بالثورة، منذ تشكيل المجلس الوطني. ولا يبدو أن لتركيا بديلا آخر عن هؤلاء، على الرغم من أن تركيا دولة علمانية، و"الإخوان المسلمين" يريدون إقامة دولة دينية.
هذا الأمر جعل هؤلاء يتحكمون في مناطق اللاجئين السوريين. ولهذا، باتوا يفرضون "دولتهم الأصولية"، حيثما ساعدتهم الدول المضيفة. في التعليم، يفرضون "دروسهم" ومنطقهم. وفي توزيع المساعدات، تكون مدخلاً لهذا الفرض. ومع الأسف، كل ذخيرتهم الثقافية لا تقدّم شيئاً في التعليم، وفي السياسة، فهم يتحاكمون للمنطق الفقهي الذي تجاوزه الزمن منذ عصور، والذي بات لا يفعل سوى استعادة الماضي، ليس ذاك الذي أقامه الإسلام في العصور الأربعة الأولى، بل ذاك الذي تبلور بعد انهيار الإمبراطورية، وكل الحضارة التي أقامها، على الرغم من أن التطوّر الذي حققته هذه الحضارة فرض كل مقومات تجاوزها.
ما يمارسه هؤلاء ربما لا يبلغ فظاعة "النصرة" و"داعش" و"جيش الإسلام"، لكنه يقيم "دولة" مثل ما يريدون هؤلاء إقامته. في وضع لازلنا نبحث عن الآفاق التي تسير الثورة وفقها، وعن كيف يمكن أن يتطور وضع الثورة أن كيف نوحد الشعب، بدل تقسيمه إلى أديان وطوائف ومذاهب. هذا شكل من أشكال التخريب في الثورة الذي يكمل كل الخطاب الطائفي الذي عممته الجماعة، وكل المساهمة في الأسلمة التي عملت على فرضها على الثورة، التي هي ضد كل هذا المنطق الأصولي، لأنها ثورة حرية وعيش كريم.
ما يمارسه هؤلاء ربما لا يبلغ فظاعة "النصرة" و"داعش" و"جيش الإسلام"، لكنه يقيم "دولة" مثل ما يريدون هؤلاء إقامته. في وضع لازلنا نبحث عن الآفاق التي تسير الثورة وفقها، وعن كيف يمكن أن يتطور وضع الثورة أن كيف نوحد الشعب، بدل تقسيمه إلى أديان وطوائف ومذاهب. هذا شكل من أشكال التخريب في الثورة الذي يكمل كل الخطاب الطائفي الذي عممته الجماعة، وكل المساهمة في الأسلمة التي عملت على فرضها على الثورة، التي هي ضد كل هذا المنطق الأصولي، لأنها ثورة حرية وعيش كريم.
No comments:
Post a Comment