سلامة كيلة
Link
باتت سورية مثالاً على نتائج التمرّد والثورة على النُّظُم، حيث تردّد النظم، ويكرّر إعلامها، كلما احتجّ قطاع، أو طالب آخر بالقول: هل تريدون أن يحدث، هنا، ما حدث في سورية؟
هكذا، بكل بساطة باتت تُواجَه مطالب الطبقات الشعبية، وبات يُهدَّد الشعب. هذا المنوال لا يتعلّق بالنظم العربية التي تخاف الثورات، وتريد قطع الطريق عليها بالتهديد والتخويف قبل القمع، بل بات هو الخطاب الذي يكرّره الإعلام "الغربي"، الذي يركّز على أن نتيجة كل ثورة شعبية هي الفوضى والقتل والدمار، وتغلغل القاعدة وداعش، وبالتالي انتشار الأصولية والإرهاب. وسورية المثال على ذلك كله، هي "المثال". باتت الثورة السورية مثالاً على أن ما تقود إليه الثورات هو القتل والدمار والإرهاب وانتشار الأصولية والتعصب والحرب الطائفية. وما جرى في سورية يساعد على "تأكيد" ذلك، لأن ما يجري تكراره في الخطاب "توصيف لما يحدث في سورية".
هذا هو الخطاب الرائج، اليوم، سواء من إعلام النظم أو من الإعلام "العالمي". هذا ما يُراد تعميمه حقيقة مطلقة، بحيث تصبح المعادلة هي أن كل ثورةٍ لا تؤدي سوى إلى نشوء كل تلك الأحداث، أي أن الثورة تعني القتل والدمار والأصولية والإرهاب. بالتالي، هل هناك من يريد الثورة بعد ذلك؟
يثير هذا "الضغط الإعلامي" الفضول حول الأسبقية، فهل هذه هي "النتيجة الطبيعية للثورات" أو أن ما حدث في سورية كان مقصوداً من أجل أن تتحوّل إلى مثال على النتائج الممكنة للثورات؟ التركيز الإعلامي على هذه المسألة ملفت، ويجب أن يستحوذ على الاهتمام، بالضبط لأنه ليس مصادفة أو نتيجة "اكتشاف حدث مفيد"، فالمسألة حساسة، ونتيجتها القول للمفقرين إن عليهم أن يقبلوا بواقع فقرهم وتهميشهم، أو يكون مصيرهم القتل والدمار. أي أن يقبلوا بأن يموتوا جوعاً، بدل أن يموتوا قتلاً وتهجيراً. هذه هي معادلة الرأسمالية، الآن، في لحظة قمة تأزمها، وشعورها بأنها على شفير انهيار، وأن الشعوب تتحفّز للثورة، نتيجة النهب والإفقار والتهميش الذي صنعته هي، فالعالم في وضع انفجاري نتيجة الأزمة العميقة التي دخلتها الرأسمالية، بعد أن تحولت إلى رأسمالية مال، وبعد أن بات النهب أساس تراكم الثروة أكثر من أن يكون من القطاع المنتج. فباتت تسارع في النهب، من دون أن يكون ممكناً أن تتوقف، بعد أن أفقرت الشعوب بشكل كبير.
ولا شك أن الثورات العربية كانت مؤشراً على احتمال انفجار عالمي كبير. لهذا، كان يجب أن يُصنع مثال يخيف ويردع، ويكون مبرراً لتشديد النهب تحت تهديد الخوف من مصير دموي. لكن، هل يسمح الجوع بهذا التخيير؟
الهدف من هذا الخطاب الذي يؤشّر إلى سورية هو التخويف من مصير مماثل، وبالتالي، تأكيد الرأسمالية والنظم التي تمثلها أن من واجب الشعب أن يبقى ساكناً، يقبل بكل النهب الذي يعانيه، سواء بارتفاع الأسعار أو في زيادة الضرائب، أو في خصخصة ما لم يخصخص، من دون أن يفكّر في الاحتجاج أو التمرد أو الثورة. فالرأسمالية تحبّ الموت البطيء لمن تنهبهم، وتحب أن تنهب من دون ضجيج. لهذا، تقول بوضوح إن من يثور فمصيره هو مصير السوريين، القتل أو الاعتقال الوحشي أو التهجير. هذا هو المثال الذي عملت الرأسمالية، بمختلف تلاوينها و"تناقضاتها"، على تحقيقه في سورية بالتحديد.
سورية مثال، مثال للوحشية والفظاعة، مورست ضد الشعب السوري، وباتت أداة تخويف لشعوب العالم التي تعاني من الفقر والبطالة والتهميش. ولم يكن ذلك كله مصادفةً، أو نتيجة وحشية النظام فقط، بل كان نتيجة وحشية الرأسمالية نفسها التي تعرف أنها تعيش أزمة مستعصية، سوف تفرض ثورة الشعوب. لهذا حرّضت كل ما هو وحشي في النظام، وساعدت بتصدير قوى متوحشة من الأصوليات، من أجل أن تحدث المجزرة، لكي تقول إن هذا هو مصير كل تمرد على النظام، النظام الذي يجب أن يبقى مستقراً، حسب منظورها.
No comments:
Post a Comment