Link
خاص بـ عــ48ـرب/ قصي عمامة
تحرير: هاشم حمدان
انتظرت حتى ما بعد منتصف الليل كي أنجح في الحديث معه، حسام شاب يبلغ الثامنة والعشرين من العمر، حدثته عبر سكايب من بلدة مضايا في ريف دمشق الغربي حيث يقيم، أصبحت شبكة الانترنت التي يستخدمها قوية في الليل لنقل الصوت بيننا، طوال أكثر من ساعة، كان حسام يرتاح بين الجملة والجملة، يبلع ريقه يتنهد ويتابع الحديث، لم يأكل في ذلك اليوم، قال لي 'ربما أوفق غداً ببعض الطعام'..
'في الأمس أكلت ورق العنب، سلقته ورششت الملح عليه وأكلته، الحمد الله' ليس من السهل أن تسأل محاصراً في مضايا عما أكله، تحتاج إلى كثير من اللف والدوران حتى تحصل على الإجابة التي لا يمنعها الشاب عنك، يصف البلدة اليوم 'هياكل عظمية تسير في الطرقات، يختبئون في ملابسهم، اليوم أكثر من 200 شخص أغمي عليهم من الجوع في الشوارع، على طول الشارع الرئيسي تلمح نساء ورجال يسيرون بتعب وإرهاق، لم يأكل أحد منذ أيام'.
يستقيظ حسام عند السادسة صباحاً، ينام لساعات قليلة فقط، يقول إن الجوع يسبب الأرق، ويحرمه النوم، يتوجه فوراً إلى السوق كي يتفقد ما إن كان هناك بضائع جديدة دخلت ليلاً، في السوق الذي كان سابقاً يعج بالمواد المهربة، أكثر ما يباع هو المواد المصنوعة يدوياً من السكر، عصير صناعي وشمع عسلي، وبسكويت يصل سعر القطعة منه إلى 5 آلاف ليرة سورية، يقول حسام إنه ليس من الغريب أن تشاهد أشخاصاً يسقطون أرضاَ مغمى عليهم، النقص في سكر الدم يفعل ذلك.
نزل وزن حسام من 78 كيلوغراما إلى 60 كيلوغراما، الحصار عمره أكثر من ستة أشهر، لكنه لم يكن محكماً إلى هذه الدرجة، كان لا يزال بالإمكان شراء بعض الطعام، أو الاعتماد على ما تخزنه العائلات من مؤن، وحين فقد البرغل لجأت العائلات إلى العدس، بعد العدس إلى المعكرونة 'كنا نجد الحلول دائما' اليوم عجزنا تماماً يقول الشاب المحاصر.
'لا أريد أن أموت من الجوع'... تعجز عن الرد أمام صوته وهو يقول لك تلك الأمنية، يجف حلقك. عمّا تسأله الآن؟ لكنه ينقذك ويكمل الكلام، 'الأصعب أن أشاهد أمي وأختي الصغيرة جائعتين، أشعر بعجز كبير أمام هذا'. باع حسام منذ يومين سوار أمه الذهبية، وأشترى بها ورق العنب، لم يستطع أن يشتري لحم الماعز، ثمن الكيلو غرام الواحد يصل إلى 25 ألف ليرة سورية أي ما يعادل 64 دولار.
بعد السوق، توجه حسام مع شبان آخرين لتوثيق حالات الجوع في البلاد، اليوم كان شاهداً على موقف صعب النسيان، دخل على أم مع أربعة من اطفالها، يقول إن الأم كانت تجلس على الأرض حولها أطفالها، الزوج استشهد معهم في المنزل، وهي ترفض الكلام، كانت تشير لهم فقط، ابنها الأكبر قال إنهم جميعاً لم يأكلوا منذ ثمانية أيام 'كنا نحمل قطعاً من البسكويت، لم نستطع أن نعطي كل فرد منهم أكثر من قطعة، الطفلة الصغيرة التي تبلغ الرابعة من عمرها كانت الأبطأ في الأكل، حين أنهى شقيقها ابن العشر سنوات قطعته، اقترب منها يريد أن يأكل من حصتها، كانت ردة فعلها عنيفة إلى اقصى حد، كقطة تماماً، ابعدت شقيقيها عنها، وأكملت الأكل'.
في السوق أيضاَ سجل حسام اليوم مشهداً آخر جعله يعرف أين هو الآن، شاب اشترى بسطة كاملة من الحلويات منزلية الصنع، وقرر توزيعها على الأطفال في الشارع، القطع صغيرة جداً، يقول حسام 'كما ترمي الذرة للطيور فتجتمع حولك، تجمع الأطفال حولنا ونحن نوزع القطع، رمى الشاب القطع في الهواء، تركض الاطفال وتزاحموا وكادوا يشتبكون فيما بينهم، كان المشهد لا يطاق'.
والآن من؟
لا يريد حسام لأي طفل في العالم أن يجوع، يقول 'حتى لو كان موالياً أو معارضاً شيعياً أو سنياً أو علوياً، مهما كان لا يجب أن يجوع أحد'. في البلدة المحاصرة مات اليوم رجل مسن من الجوع أو نقص الدواء، لا يستطيع أحد أن يتحقق من الأمر، لا وقت للفحص الدقيق، فيما دخل شاب في العشرين من العمر إلى المشفى، إلى قسم العناية الفائقة، وهو ليس حقاً قسما للعناية الفائقة، فقط بعض السيرون الذي بدأ ينفذ، يعلق للمريض ويترك مستلقياً ونائماً.
قليل من السكر تكفي كي تبقى واقفاً، يقول الشاب الذي كان يملك الكثير من الأحلام، لكنه لا يذكرها الآن.. 'الجوع يسبب عدم التركيز، لا أستطيع أن أذكر الكثير من الأشياء، مهما بلغ الجوع مني، لن اتناول القطط، هذا محال، هناك من فعلها نعم، لكني لن أقدر على ذلك، حتى أوارق الأشجار تسبب التسمم للبعض، لم يعد متاحاً تناولها اليو'.
'أريد أن أغادر كل سوريا وإلى الأبد' يقول حسام حين سألته عن أي حلم أو أمنية تراوده الآن. ويضيف 'هم يحاصروننا من أجل ذلك، كي نغادر كل البلاد، أنا صرت جاهزاً، أريد أن أخرج، عبر الإعلام يقولون إننا بحاجة للمال، لا.. نحن نريد الطعام، فكرة أننا نطلب المال تغيظ المدنيين هنا، لا نتابع التلفاز، لكننا نلاحظ أن كثيرا من الصحفيين يتصلون بنا منذ عشرة أيام'.
لا يخشى حسام أن يدخل النظام وميليشياته إلى مضايا، طريقة الموت بالرصاص أكثر تفضيلاً بالنسبة له من الموت جوعاً 'اتمنى حقاً أن تقصفنا أي جهة كانت، وبأي شيء كان، طريقة الموت جوعاً أصعب بأضعاف من الموت بالقصف، أنت تموت كل يوم بهذه الطريقة'.
'في الأمس أكلت ورق العنب، سلقته ورششت الملح عليه وأكلته، الحمد الله' ليس من السهل أن تسأل محاصراً في مضايا عما أكله، تحتاج إلى كثير من اللف والدوران حتى تحصل على الإجابة التي لا يمنعها الشاب عنك، يصف البلدة اليوم 'هياكل عظمية تسير في الطرقات، يختبئون في ملابسهم، اليوم أكثر من 200 شخص أغمي عليهم من الجوع في الشوارع، على طول الشارع الرئيسي تلمح نساء ورجال يسيرون بتعب وإرهاق، لم يأكل أحد منذ أيام'.
يستقيظ حسام عند السادسة صباحاً، ينام لساعات قليلة فقط، يقول إن الجوع يسبب الأرق، ويحرمه النوم، يتوجه فوراً إلى السوق كي يتفقد ما إن كان هناك بضائع جديدة دخلت ليلاً، في السوق الذي كان سابقاً يعج بالمواد المهربة، أكثر ما يباع هو المواد المصنوعة يدوياً من السكر، عصير صناعي وشمع عسلي، وبسكويت يصل سعر القطعة منه إلى 5 آلاف ليرة سورية، يقول حسام إنه ليس من الغريب أن تشاهد أشخاصاً يسقطون أرضاَ مغمى عليهم، النقص في سكر الدم يفعل ذلك.
نزل وزن حسام من 78 كيلوغراما إلى 60 كيلوغراما، الحصار عمره أكثر من ستة أشهر، لكنه لم يكن محكماً إلى هذه الدرجة، كان لا يزال بالإمكان شراء بعض الطعام، أو الاعتماد على ما تخزنه العائلات من مؤن، وحين فقد البرغل لجأت العائلات إلى العدس، بعد العدس إلى المعكرونة 'كنا نجد الحلول دائما' اليوم عجزنا تماماً يقول الشاب المحاصر.
'لا أريد أن أموت من الجوع'... تعجز عن الرد أمام صوته وهو يقول لك تلك الأمنية، يجف حلقك. عمّا تسأله الآن؟ لكنه ينقذك ويكمل الكلام، 'الأصعب أن أشاهد أمي وأختي الصغيرة جائعتين، أشعر بعجز كبير أمام هذا'. باع حسام منذ يومين سوار أمه الذهبية، وأشترى بها ورق العنب، لم يستطع أن يشتري لحم الماعز، ثمن الكيلو غرام الواحد يصل إلى 25 ألف ليرة سورية أي ما يعادل 64 دولار.
بعد السوق، توجه حسام مع شبان آخرين لتوثيق حالات الجوع في البلاد، اليوم كان شاهداً على موقف صعب النسيان، دخل على أم مع أربعة من اطفالها، يقول إن الأم كانت تجلس على الأرض حولها أطفالها، الزوج استشهد معهم في المنزل، وهي ترفض الكلام، كانت تشير لهم فقط، ابنها الأكبر قال إنهم جميعاً لم يأكلوا منذ ثمانية أيام 'كنا نحمل قطعاً من البسكويت، لم نستطع أن نعطي كل فرد منهم أكثر من قطعة، الطفلة الصغيرة التي تبلغ الرابعة من عمرها كانت الأبطأ في الأكل، حين أنهى شقيقها ابن العشر سنوات قطعته، اقترب منها يريد أن يأكل من حصتها، كانت ردة فعلها عنيفة إلى اقصى حد، كقطة تماماً، ابعدت شقيقيها عنها، وأكملت الأكل'.
في السوق أيضاَ سجل حسام اليوم مشهداً آخر جعله يعرف أين هو الآن، شاب اشترى بسطة كاملة من الحلويات منزلية الصنع، وقرر توزيعها على الأطفال في الشارع، القطع صغيرة جداً، يقول حسام 'كما ترمي الذرة للطيور فتجتمع حولك، تجمع الأطفال حولنا ونحن نوزع القطع، رمى الشاب القطع في الهواء، تركض الاطفال وتزاحموا وكادوا يشتبكون فيما بينهم، كان المشهد لا يطاق'.
والآن من؟
لا يريد حسام لأي طفل في العالم أن يجوع، يقول 'حتى لو كان موالياً أو معارضاً شيعياً أو سنياً أو علوياً، مهما كان لا يجب أن يجوع أحد'. في البلدة المحاصرة مات اليوم رجل مسن من الجوع أو نقص الدواء، لا يستطيع أحد أن يتحقق من الأمر، لا وقت للفحص الدقيق، فيما دخل شاب في العشرين من العمر إلى المشفى، إلى قسم العناية الفائقة، وهو ليس حقاً قسما للعناية الفائقة، فقط بعض السيرون الذي بدأ ينفذ، يعلق للمريض ويترك مستلقياً ونائماً.
قليل من السكر تكفي كي تبقى واقفاً، يقول الشاب الذي كان يملك الكثير من الأحلام، لكنه لا يذكرها الآن.. 'الجوع يسبب عدم التركيز، لا أستطيع أن أذكر الكثير من الأشياء، مهما بلغ الجوع مني، لن اتناول القطط، هذا محال، هناك من فعلها نعم، لكني لن أقدر على ذلك، حتى أوارق الأشجار تسبب التسمم للبعض، لم يعد متاحاً تناولها اليو'.
'أريد أن أغادر كل سوريا وإلى الأبد' يقول حسام حين سألته عن أي حلم أو أمنية تراوده الآن. ويضيف 'هم يحاصروننا من أجل ذلك، كي نغادر كل البلاد، أنا صرت جاهزاً، أريد أن أخرج، عبر الإعلام يقولون إننا بحاجة للمال، لا.. نحن نريد الطعام، فكرة أننا نطلب المال تغيظ المدنيين هنا، لا نتابع التلفاز، لكننا نلاحظ أن كثيرا من الصحفيين يتصلون بنا منذ عشرة أيام'.
لا يخشى حسام أن يدخل النظام وميليشياته إلى مضايا، طريقة الموت بالرصاص أكثر تفضيلاً بالنسبة له من الموت جوعاً 'اتمنى حقاً أن تقصفنا أي جهة كانت، وبأي شيء كان، طريقة الموت جوعاً أصعب بأضعاف من الموت بالقصف، أنت تموت كل يوم بهذه الطريقة'.
No comments:
Post a Comment