Link
يبدو أنه حتى إسرائيل باتت تعيد تقييم رهاناتها الأولية على الأزمة الخليجية، وتختبر من جديد تصوراتها بشأن انعكاساتها على خريطة مصالحها المختلفة. ويتبين أن الدوائر الإسرائيلية لم تعد تثق بقدرة الدول التي تحاصر قطر على إدارة الأزمة الحالية، إلى درجة أن التقديرات السائدة في تل أبيب حاليا تكاد تُجمع على التحذير من أن تفضي إلى نتائج عكسية. فعندما تفجرت هذه الأزمة، جاهرت تل أبيب برهانها على أن تسهم في تحسين مكانتها الإقليمية، وتطوير قدرتها على مواجهة المخاطر الاستراتيجية التي تتهدّدها، وتوسيع وتعميق مظاهر التعاون مع الدول العربية، ولا سيما التي قادت المقاطعة ضد قطر، وصولا إلى التطبيع الكامل معها. وقد بلغ الاحتفاء الإسرائيلي بالأزمة الخليجية أن الحماس استبد بوزير الحرب، أفيغدور ليبرمان، فأخذ يحاجج بأن مطالب دول الحصار تمثل مستوىً من المصالح المشتركة، تؤسس لتعاون استراتيجي معدول الحصار.
وقد تبلورت قناعاتٌ لدى محافل التقدير الاستراتيجي في تل أبيب أن الأزمة الخليجية تزيد من فرص تكريس سياقاتٍ قد تمنح إسرائيل مزيداً من الأدوات، لتوظيفها في محاصرة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. وقد بدا الاستخفاف الإسرائيلي بقيادات الدول التي تحاصر قطر، إلى درجة مجاهرة بعض محافل التقدير الاستراتيجي في تل أبيب بالدعوة إلى توجيه هذه الدول إلى استغلال ثقلها المالي في إغراء المقاومة بوقف إجراءاتها لتعزيز قوتها العسكرية؛ وهو الهدف الذي لم تتمكّن إسرائيل من تحقيقه عبر ثلاث حروب، وحصار شديد. فلم يتردّد مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في حث دوائر صنع القرار في تل أبيب على استغلال الأزمة الخليجية، والطلب من دولة الإمارات تحديدا أن تعرض على حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، من خلال القيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، أن تتولى تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار في قطاع غزة، بدل قطر، بشرط موافقة الحركة على "وقف مظاهر تعاظم قوتها العسكرية" ( مجلة مباط عال، عدد 950).
لكن مع تواصل الأزمة الخليجية، وعدم وجود مؤشراتٍ على قرب انتهائها، ظهرت مؤشراتٌ
ومما يثير إحباط مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية أن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بدلا من أن ترمي بثقلها لإنهاء الأزمة الحالية، وبالتالي ضمان استقرار المنطقة، فإن كل ما يعنيها هو تأمين مزيد من العوائد المالية نتاج صفقات السلاح مع دول المنطقة، ما يوفر الظروف أمام إيران لتعزيز مكانتها ويمكّنها من تحقيق "أطماعها". ويحذر المركز من أنه، في حال طال أمد الأزمة الخليجية، واستمرت مظاهر اللامبالاة الأميركية، وتعقدت الأوضاع الاقتصادية لدول المنطقة، ولا سيما السعودية، فإن إيران لن تكتفي بالتهام البحرين، بل وستتقاسم النفوذ والسيطرة في الخليج العربي مع روسيا (موقع المركز، 13/7).
وبغض النظر عن واقعية هذه السيناريوهات، فإنها تشي بتراجع الرهانات الإسرائيلية على مخرجات الأزمة الخليجية. وبخلاف حسابات دول الحصار، فإن نخبا صهيونية وازنة باتت ترى أن أكبر خطأ وقعت فيه دول الحصار تمثل تحديدا في تقديراتها غير الدقيقة بشأن قدرة قطر على الصمود، كما يستنتج المستشرق إيال زيسير.
وهناك مصدر قلق آخر يمثل قاسما مشتركا لكل من تل أبيب وواشنطن، بشأن تداعيات الأزمة
والسؤال: هل لدى دول الحصار رد حقيقي على مسوّغات القلق الإسرائيلي؟
No comments:
Post a Comment