تجنيد أمة لأغراض أعدائها...شراء الهزائم بهزيمة جديدة
بقلم د. عادل سمارة
" "الحرب المقبلة هي حرب السنة والشيعة، فأين تقفون؟ هذا ما قيل لأحد القياديين الفلسطينيين في زيارته للعربية السعودية في وقت قريب مضى. هكذا إذن، تحولت السعودية للمرة الثالثة في تاريخها إلى شريك بل مبادر إلى حرب. كانت المرة الأولى في عشرينات القرن الماضي كي يحسم آل سعود السيطرة على الحجاز وبقية ما اسمي إثر ذلك بالعربية السعودية. وكانت الحرب الثانية ضد الجيش المصري في اليمن الذي حمى الجمهورية اليمنية الأولى، وهو التواجد الذي أدى إلى عدوان 1967. فلم يكن للمركز الرأسمالي العالمي أن يطيق وجود جيش أكبر دولة عربية قرب منابع النفط. أما المرة الثالثة، فهي التحشيد السعودي لحرب بين السنة والشيعة في الوطن العربي. وهي حرب، إن حصلت، فهي مثابة كارثة لن تتوقف إلى يوم القيامة، ولن تكون حرب دول بقدر ما هي حرب أسر وعشائر وعائلات حيث هناك ملايين الأسر المكونة من سنة وشيعة. هي حرب سيقود حصولها إلى تخلف أبدي ومطلق للأمة العربية، ودمار على إيران، وقد يكون الكاسب الثاني منه تركيا ومن ثم إثيوبيا.
إن نفس الأنظمة العربية التي استحلفت النظام الأميركي "بالله" أن يدمر عراق صدام حسين عام 1991، وأن يقتل بالحصار أكثر من مليون عراقي، "دون تفريق بين سني وشيعي" ويحتل عراق صدام حسين عام 2003، ويسقط النظام المتهم بانحيازه للسنّة، هي نفسها التي تزعم اليوم الثأر للسنة في العراق ومساندتهم. ألا يثير هذا حفيظة أي إنسان يحترم عقله وإنسانيته؟
لقد استثمرت هذه الأنظمة العربية إعدام الرئيس صدام حسين حيث كان المنسوب العاطفي للجمهور العربي عالياً جداً سواء كعرب أو كمسلمين، هذا مع التذكير بأن الإسلام ليس للعرب ولا للعرب السنة وحدهم. كان الإستثمار خبيثاً أكثر مما كان ذكياً. فالأنظمة نفسها لا تحترم جمهورها الذي تحركه اليوم للثأر لاغتيال الرئيس صدام حسسن، لا بل إن التي لم "تعجبها" طريقة الإعدام، لم تجرؤ حتى على اللوم، وهي نفسها طالما ترجَّت أميركا لإسقاط الرجل ونظامه. نعم بدأ التحشيد العلني ضد إيران فوراً بعد عملية الإغتيال، بمعنى أن التحشيد كان قائماً في السر.
لا شك أن موقف النظام الإيراني من عملية الإغتيال كان سيئاً وبمستوى عقلية عشائرية متعصبة وطائفية. ليس هذا موقف نظام حكم ودولة حتى من وزن المشيخات او جمهوريات الموز. لم يكن مطلوب من إيران أن تحمي صدام حسين، ولكن كان عليها أن تقف موقف دولة لتقول مثلاً: "كان عدونا، وكنا سنعدمه لو قدرنا، ولكننا ندين إعدامه يوم الأضحى، وعلى يد اميركا". فالإعلام المتشفي لا يليق بدولة. وهذا التشفي قد يشِفُّ أو هو امتداد لتربية دابت الدولة على تعبئة مواطنيها بها، وهي تربية طائفية متخلفة، وجد نظام الحكم نفسه في موقف إذا لم يتشفى، فكأنه خان جمهوره الذي اقام علاقته به على مثل هذا المستوى. وفي هذه الحالة فالوضع كارثي.
ما من أحد يستنكر إدانة موقف إيران من الإعدام، ولكن توظيف الأمر ليخدم حرباً إمبريالية في المنطقة، فهذه الكارثة بعينها.
ولعله من ثالثة الأثافي أن يقوم من اغتال الرئيس صدام حسين، اي النظام الأميركي، بتوجيه نقد فوقي لعملية الإغتيال، كمن يقول هكذا فعل عملائي، وما هكذا تورد الإبل!
توظيف الأمر في مشروع الشرق الأوسط
ليس جديداً أن عملية الإغتيال أميركية قلبا وقالباً. وعليه، فإن إثارة نعرة الطائفية، تهدف إلى اصطفاف طائفي على طول الوطن وعرضه، وهذا الإصطفاف إستبدالي بلا مواربة، استبدالي على مستويين على الأقل:
الأول: إستبدال العدو الأميركي والصهيوني بإيران. لا بل إن مجرد مقارنة الطرفين ببعضهما البعض، هو هروب إلى الأمام، وتضييع للهدف ومكافئة للعدو الحقيقي.
والثاني: إستبدال العدو الداخلي، اي الأنظمة العربية بإيران ايضاً.
فالأنظمة العربية تقمع الأمة بأسرها، أو لنقل أهل الوطن كي لا نتهم بالتمييز بين كرد وعرب وأمازيغ وغيرهم، لا بل هي تحتل الوطن، وتعيق التنمية وتمتهن الكرامة، وتتخلى عن ما وقع من الوطن تحت الإحتلال، وتعرض أهل هذا الوطن أمام العالم كما لو كانوا قطعاناً وسائمة وبهائم. صعب هذا الكلام، نعم، ولكنه حقيقي! فهل يخفى بعد هذا أن معركة أهل هذا الوطن هي مع الأنظمة الحاكمة ومع خالقيها وحُماتها من المركز الرأسمالي والصهيوني؟
إن إغراق الوطن في حرب طائفية سيقود إلى تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير "كسوق" مفتوح لمنتجات المركز، وتفكيك كل قطر من داخله إلى منعزل طائفي أو إثني متقاتل مع الكانتونات المجاورة، وعندها يتحول الكيان الصهيوني إلى القوة الوحيدة التي تدير شؤون الكانتونات العربية التي قد يربو عددها حينذاك على المئة.
النووي الإيراني
هناك جدل كبير حول حدود ديمقراطية النظام الإيراني. فهو نظام إسلام سياسي يمنع اية تيارات أو رؤى أخرى. لكن هذا شأن إيراني داخلي. فإذا كان لأحد أن ينقد هذا النظام، فليست الأنظمة العربية بكل تأكيد. كما أن إيران مدانة باحتلال الأحواز، وجزر طنب الصغرى والكبرى وابو موسى. هذا مع العلم أن إيران حينما احتلت هذه الجزر كان ذلك بموافقة نفس المركز الرأسمالي الذي يدعو السنة لمحاربة الشيعة، حيث كان لا بد من مكافئة الشاه. ومدانة إيران في موقفها من إغتيال الرئيس صدام حسين. ولكن إيران هي التي سلّحت حزب الله الذي مسح هزيمة خلّفتها أنظمة الحكم السنية! قد يكون في هذا تكتيكاً، لا بأس، ولكن هذا ما حصل حتى اليوم. ومع ذلك، لا نبرر لإيران عدوانها باحتلال الأهواز، ولكننا لا نتصور أنها في مقام العدوان الأميركي والصهيوني، كما أن المعركة بالتأكيد ليست معها.
لا يخفى على أحد الدور الإيراني في العراق، ومحاولاتها لجعل جنوب العراق وحتى وسطه امتداداً حيوياً لها. وهي أمور مدانة ومرفوضة، ولكن السؤال الأهم لماذا تحصل؟ لماذا بوسع إيران أن تشكل ذلك الخطر والتهديد؟ اليس لأن الوطن العربي مجزّء. فلو كان الوطن العربي موحداً، لكان للعرب مجال حيوي داخل إيران، أو على الأقل لكان هناك حسن جوار. من الذي مزق الوطن العربي، ومن الذي حافظ على التجزئة ورعاها، ومن الذي يعمل اليوم على إعادة تمزيق هذا الوطن؟
أليس الإستعمار وأنظمة الحكم العربية؟
لقد اقام النظام الإيراني دولة قوية إقليمياً، لها مصالح وتطلعات وأطماع، وهذه أمور مألوفة في السياسة الدولية. وبالتوازي وفرت لها الأنظمة العربية واقعاً عربياً ممزقاً، اي فراغاً بحجم الوطن العربي. فراغ بحاجة إلى من يملئه، بل فراغ تملئه الراسمالية المركزية المعولمة. وهو ما حفز إيران لترى في نفسها طرفاً بوسعه ملىء هذا الفراغ، أو اقتسامه.
صحيح أنه بالمفهوم الأخلاقي لا يحق لإيران التفكير في هذا. ولكن ما ابعد السياسة والمصالح في المجتمعات الراسمالية عن الأمور الأخلاقية! فلماذا نطالب إيران أن تكون ملاكاً؟ ولا نسأل الشياطين لماذا عرضوا مفاتن هذا الوطن لإيران وغيرها!
بقدرة قادر تنبهت الأنظمة العربية إلى النووي الإيراني، سواء كان مدنياً أم عسكرياً، واصطفت إلى جانب الهجوم الأميركي-الصهيوني المتوقع على إيران. وأغمضت عيونها عن النووي الإسرائيلي المقام في قلب الوطن العربي. هذا من جهة، ومن جهة ثانية، لماذا ليس هناك نووياً عربيا؟ بل ابعد من هذا، أليست نفس الأنظمة السنية العربية هي التي "أخبرت" أميركا أن النظام العراقي يقيم ترسانة نووية؟ وحينما ضرب الكيان الصهيوني مفاعل تموز العراقي، يعلم الله كم دولة عربية فتحت أجوائها للمعتدين. ماذا نقول غير هذا وبعده! .
أخطأت الأنظمة، فهل أخطأ الجمهور؟
حينما يخون إمرؤ وعيه بوعي، هل يُغتفر له ذلك؟ هذا ما ينطبق اليوم على كل عربي يصطف في حرب الطوائف. ما معنى أن ننتقل إلى حرب جديدة، ونحن لم نتخلص من الهزائم المتراكمة منذ قرون؟ وأية حرب، حرب هي داخل الوطن، وليست على الحدود مع إيران. حرب ستكون في لبنان والبحرين والسعودية والعراق بالطبع، وكل قطر عربي.
قد يستغرب البعض أن تيارات إسلامية سلفية تغذي وتحشد لهذه الحرب، وهي تيارات نسي الناس لفترة أنها "حليفة للأنظمة العربية، وأن قادتها طالما أكدوا ان لا خلافات بينهم وبين الولايات المتحدة" يا للمفارقة، هل يمكن لحركة سياسية عربية أن لا تكون في تناقض مع الحكام العرب ومع الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة؟ وفوق هذا، تحاول هذه الحركة فتح حرب مع إيران.
لعل ثالثة الأثافي أن تيارات سلفية تدعو لمحاربة الشيعة في اقطار عربية لا يوجد فيها عدد من الشيعة مثل تونس، وربما لا يوجد فيها شيعي واحد مثل الأراضي المحتلة.
هذه الحرب كأي حرب، سيكون وقودها ملايين الفقراء من العرب، فهل يُغفر لأي مواطن المشاركة فيها؟ المشاركة في حرب ضد الذات وإلى الأبد، ولماذا ؟ لأن أعداء الشعب فتحوا باب هذه الحرب. كيف يمكن لمواطن عربي أن ينجر وراء هذه الأنظمة ولا يرتكب خطيئة ما بعدها خطيئة؟ أليس من المخجل أنه بعد هذا التاريخ الطويل من مصائب وهزائم هذه الأنظمة أن تجر الناس إلى احتراب داخل الديانة نفسها؟ ماذا سيفعل هؤلاء بالعرب المسيحيين طالما هم جاهزون لقتل الآخر على طائفته؟ ولكن هنيئاً لأعداء الشعب بجمهور من الغوغاء!!!
لقد فتحت الولايات المتحدة والغرب الراسمالي والحكام العرب حرباً "دينية" في أفغانستان بحجة مواجهة الشيوعية، وماذا كانت النتيجة ؟ دمار لا قيام بعده لأفغانستان، واستخدام مهين للإسلام في خدمة راس المال، وتوليد ظواهر دموية لم تتوقف ولم تنحصر في افغانستان نفسها. فهل تقل جريمة من أُستخدموا عن جريمة من استخدموهم؟
وها هو الاستخدام يتكرر اليوم ويبدي الكثيرون تجاوبا معه، فهل يُلدغ المؤمن من جحر مراراًً؟ إن من يدعو لقتال إيران هو نفس المعسكر، وفي بعض الحالات نفس الحكام ، وبالطبع نفس الأنظمة.
إن المهزوم فقط هو الذي يفتح معارك جديدة، هروباً من معارك قائمة لم تُغلق بعد. ولا يغير من هذا الأمر وجود لون جديد للحرب المفترضة، اي استشارة النعرة الطائفية (وتركيبها على بعد قومي- اقليمي). مثل هذه التوليفه الخطرة، عائدة إلى اسباب عديدة، منها ضحالة الوعي وسهولة استخدامه، ومنها جهالة، وسطحية ونزوع للتفريغ عن حياة فردية مأزومة في كل المستويات، سواء كانت الأزمة اقتصادية، جنسية حرياتية ثقافية...الخ. ولعل أخطر نتائج الأزمة هي معالجتها بالانفعال وليس بالتحليل، اي معالجتها بالهروب إلى أزمة أخرى، وما أسهل هذا والعدو متنبه لفتح أبواب أزمات أخرى.
بصراحة، نحن الأمة الوحيدة التي ما زال أعداؤها يقودونها إلى حتفها وبادوات قديمة وبالية (الطائفية، الثأر، القبائلية) أدوات فاتها العصر وما زالت تصلح عندنا. يقودها أعداؤها إلى الحرب التي يريدون ويختارون، فهل هناك أجهل من هذا الجهل! وهم الأعداء أنفسهم الذين اقتطعوا الأحواز لإيران والإسكندرون لتركيا وسبتة ومليلة لإسبانيا، وفلسطين للكيان الصهيوني، وأمس اقتطعو الصومال لإثيوبيا. وهم أنفسهم الذين قتلوا الانتفاضة الأولى وحالو دون انتشارها عربياً، واستماتوا كي يُهزم حزب الله ولا ينتشر كظاهرة عربية. وبعد هذا، سنحارب إيران!
وفي خضم استعداد الكثيرون لاستحضار الجاهلية، تنجح الأنظمة العربية نفسها في استحضار العدو الشيوعي السابق، ولكن هذه المرة في ثوب روسيا الجديدة، اي المعادية للشيوعية. يدور الحديث اليوم عن ضرورة مواجهة المحور الروسي-السوري-الإيراني. فهل هذا المحور، إن وجد موجه ضد العرب السنة؟ أو ضد موارنة لبنان، ومسيحيي فلسطين واقباط مصر؟ من الذي يمكن أن يقف ضد هذا التحالف؟ على الأقل لن يكون عربياً."
No comments:
Post a Comment