Monday, July 23, 2007
مثقّفو العلمانية والتفريط بالحقوق
جوزيف مسعد
"احتارت قيادات «فتح» تاريخياً في اختيار جزء من الشعب الفلسطيني يمكنها التفريط بحقوقه من أجل الوصول إلى اتفاق يمكنها بموجبه أن تخدم مصالح إسرائيل وأن تحمي مصالحها المادية والسلطوية. وإذا كانت «فتح» قد فرّطت بحقوق فلسطينيّي إسرائيل تاريخياً، فقد سعت بعد توقيعها اتفاق أوسلو للتفريط بحقوق فلسطينيّي الشتات «تفهّماً» منها، كما قال ياسر عرفات في مقالة نشرها في جريدة «النيويورك تايمز»، «لحاجات إسرائيل الديموغرافية». وقد أبدت «فتح» اهتماماً أيضاً بالتفريط بحقوق فلسطينيّي القدس الشرقية واللاجئين القاطنين في الضفة الغربية وغزة.
ونتيجة لهاث محمود عباس وعصابته في الأيام الأخيرة لخدمة مصالح أميركا وإسرائيل والحفاظ على سلطة عصابتهم الفاسدة، تقرّر التفريط بحقوق فلسطينيّي غزة الوطنية بالكامل، والتفريط بحقوق فلسطينيّي الضفة الديموقراطية التي جيّرها عباس لسلطته الانقلابية.
فها هو محمود عباس يجتمع التارة تلو الأخرى مع شريك السلام أولمرت رافضاً الاجتماع مع رفقاء المقاومة من حماس. وهذا ليس مستغرباً، فلم يشارك عباس في أي مقاومة فعلية ضد العدو الإسرائيلي، اللهمّ إلا إذا اعتبرنا رسالة الدكتوراه، التي زعم أنّه كتبها وأنكر فيها محرقة هتلر، أنّها «مقاومة»! أما جهوده من أجل السلام، اقرأ الاستسلام، فهي بالفعل جهود جبارة لا ينكرها عليه صديق ولا عدو.
فيشعر عباس وعصابته بألفة برفقة قيادات إسرائيل لا يشعرون بها مع قيادات حماس. فها هو إيهود أولمرت يعبّر في مؤتمر صحافي لـ«كبير المغفّلين الفلسطينيين» صائب عريقات عن توقه إلى تذوّق طعام زوجة عريقات التي «وصلت رائحة طبخها الطيبة إلى مكاتبنا» من أريحا إلى القدس المحتلة. كم ابتهج «كبير المغفّلين» بهذا الإطراء من مجرم الحرب أولمرت، وكم تاق ويتوق إلى استقباله في بيته الذي لم تدنّسه قيادات «حماس» ولم تذق طعام زوجته اللذيذ. فإن وصلت رائحة طعام «مسز عريقات» من أريحا إلى القدس، فإنّ رائحة تآمر عصابة قيادات «فتح» يمكن اشتمامها من رام الله إلى أقاصي الأرض.
أما عباس فعجرفة خطابه الأخير وسوقيّته مستمدّة لا من قوّته وشعبيّته المستقلّتين على المسرح الفلسطيني، بل من الدعم الإسرائيلي والأميركي المقترن بدعم اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة ودعم محمود درويش في رام الله. وقد عبّر الأخيران علناً عن دعمهما انقلاب عباس وعن إدانتهما لـ«حماس» لدفاعها عن الديموقراطية الفلسطينية.
في محاولته تجريد حماس من شرعيتها الديموقراطية وإضفاء صبغة الشرعية على انقلابه غير القانوني، يستفيد عباس من مواهب الثنائي المرح (الذي خسر ثالثه بانشغال محمد دحلان باستثماراته المشتركة مع خالد سلام الهارب أيضاً خارج البلاد) المكوّن من نبيل عمرو وياسر عبد ربه (والأخير هو الرفيق الدائم لمحمود درويش) في التسويق الإعلامي.
نحن إذاً في سياق تآمري يصبو إلى إنهاء القضية الفلسطينية وطيّ صفحة مقاومتها إلى الأبد. ألم يعلن محمود درويش في مقابلته مع «هآرتس» بأنّ العرب قد قبلوا بإسرائيل مع ترسانتها النوويّة؟ أين ذهب إذاً مثقّفو فلسطين ذوو التوجّه الديموقراطي والعلماني في الضفة؟ صحيح أن جزءاً كبيراً منهم قد تحوّل بعد أوسلو إلى مثقّفي كومبرادور، ولكن هل يُعقل أن عصابة قيادات فتح قد اشترتهم جميعاً ولم يبقَ منهم من يقاوم الاحتلال المقترن بدكتاتورية عباس والعصابة الداعمة له؟
يتوقّف مستقبل فلسطين اليوم ومستقبل شعبها بكلّ أجزائه على الدور الذي سيؤديه هؤلاء المثقفون. فهم من سيحوِّل مستقبل فلسطين من صراع المقاومة المُشرعَن ديموقراطياً من كل القوى الفلسطينية المقاوِمة، علمانيةً كانت أو دينيةً، للاحتلال الإسرائيلي ذي النزعة العرقية والدينيّة، إلى صراع بين الدكتاتورية المشرعنة علمانياً والمتواطئة مع الاحتلال والديموقراطية المشرعنة إسلامياً والمقاومِة للاحتلال. فإن بقي محمود درويش منضوياً تحت راية راعيه المؤسّساتي (اقرأ العصاباتي) ياسر عبد ربه، فهذا من شأنه، حيث إننا لم نطلب منه هجرة علمانيّّته، كما زعم أحد يمينيّي جريدة «النهار»، بل طلبنا منه أن يرفض توظيفها في خدمة انقلابيّي «فتح». أمّا بقيّة مثقّفي فلسطين، فليس أمامهم إلا مواجهة عصابة قيادات «فتح» وانقلابها على الديموقراطية أو الاندثار إلى الأبد.
"
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment