مأزق السيدة كوندوليزا
عبد الباري عطوان
".....فالرئيس عباس تجاوز المؤسسات الفلسطينية جميعا، بل تجاوز حركة فتح نفسها، وبات يتعامل فقط مع اربعة اشخاص مثل السيد احمد قريع رئيس الوزراء السابق ورئيس الوفد التفاوضي، والسيد سلام فياض رئيس وزراء حكومة رام الله المؤقتة ، والسيد ياسر عبد ربه احد مهندسي وثيقة جنيف التي تنازلت عن حق العودة، والدكتور صائب عريقـــات كبير المفاوضين.
اربعة اشخاص، اضافة الي كبيرهم، السيد عباس باتوا الوحيدين الذين سيقررون مستقبل الشعب الفلسطيني والتفاوض باسمه والبت في قضايا الوضع النهائي، ودون الرجوع الي اي مرجعية فلسطينية.
السيد نبيل عمرو المتحدث باسم الرئيس عباس قال انه سيتم الرجوع الي الشعب الفلسطيني لاستفتائه قبل القبول بأي اتفاق، وهذا كلام جميل علي الورق او علي شاشات التلفزة، لكنه يعني كذبة كبري علي الارض، فكيف يمكن استفتاء هذا الشعب في ظل حال الانقسام الحالي بين شطري المناطق المحتلة، والعداء المستحكم بين رأسي السلطة، وحتي لو جري التغلب علي هذه العقبة، كيف يمكن استفتاء ستة ملايين فلسطيني يعيشون في الشتات ومخيماته؟
اتفاقات اوسلو التي هندسها السيد عباس ورفيق دربه السيد قريع، وبمساعدة السيد عبد ربه الذي كان يتزعم مطبخ المفاوضات في تونس، اقرت دون الرجوع الي الشعب الفلسطيني في اي استفتاء ومن اي نوع. فماذا يمنع تكرار الامر نفسه في حال توريط الشعب الفلسطيني في اتفاقات اكثر خطورة تضحي بحق العودة والقدس المحتلة، وتبقي معظم المستوطنات الرئيسية، وتأتي بدويلة فلسطينية ناقصة السيادة ومقطعة الاوصال، ومنزوعة الدسم؟
ما يجعلنا نضع ايدينا علي قلوبنا هو ما نقرأه ونسمعه يوميا من تلاعب بالالفاظ، وتسريبات مرعبة حول تنازلات فلسطينية يسارع مسؤولون الي نفيها بعد ان يتحقق الهدف منها، اي اطلاقها كبالونات اختبار لتعويد الرأي العام الفلسطيني عليها وجعلها مألوفة علي اذنه، مثل وضع الاماكن المقدسة في القدس المحتلة تحت رعاية اردنية هاشمية، واقتصار حق العودة الجزئي علي مناطق الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع فقط.
ففي حديثه لتلفزيون فلسطين الرسمي، قال الرئيس عباس ان هناك اربع مرجعيات لمؤتمر السلام المقبل، هي قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية، وخريطة الطريق ورؤية بوش للسلام. ولا نعرف كيف سيتم التوفيق بين هذه المرجعيات الاربع، والمرجح انه لن يتم اخذ افضل ما فيها بالنسبة للشعب الفلسطيني وانما للاسرائيليين، اي سيتم اسقاط حق العودة والسيادة علي القدس المحتلة، وحدود عام 1967.
فالقاعدة القانونية الدولية تقول ان المعاهدة، او الاتفاق الاخير، يلغي كل ما قبله ويصبح هو النص المعتمد. وهذا يعني ان رؤية الرئيس بوش باعتبارها الاحدث، وتتضمن رسائل بعثها الرئيس الامريكي الي ارييل شارون، تلغي حق العودة، وتبقي علي الكتل الاستيطانية الرئيسية، ستكون هي اساس المؤتمر المقبل، والمفاوضات التي ستنطلق منه بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي.
وربما يفيد التذكير بان المجموعة الحاكمة في رام الله اسقطت قرارات الامم المتحدة كمرجعية لصالح مرجعية مدريد، ثم قفزت عن الاخيرة، الي مرجعية اوسلو، ثم تخلت عن اوسلو وتبنت خريطة الطريق، وها هي الآن تسقط كل المرجعيات السابقة عمليا لمصلحة رؤية الرئيس بوش للسلام.
الرئيس عباس وافق علي حضور مؤتمر بوش للسلام حتي قبل ان يعرف مرجعيته، ودون اي شروط مسبقة، وبدأ مسيرة المفاوضات الثنائية مع ايهود اولمرت، دون العودة الي اي مرجعيات فلسطينية، او حتي عربية، فلم يتسلح بقرار قمة عربي مثلا، ولم يأخذ الموافقة المسبقة لحلفائه العرب مثل المملكة العربية السعودية ومصر ودول الخليج الاخري، ناهيك عن الشعب الفلسطيني ومؤسساته.
نشعر بالأسي لموقف الرئيس عباس، ونشعر بحزن اكبر عندما يصرح صديقه اولمرت بانه يفرج عن تسعين اسيرا فلسطينيا من اجل تعزيز موقفه في مواجهة حماس، ثم يصادر مئات الدونمات من بلدة ابو ديس ويواصل الحفريات في باب المغاربة. هناك مثل انكليزي يقول: مع وجود هكذا اصدقاء من يريد اعداء؟
"
No comments:
Post a Comment