سورية المستهدفة.. حربا وسلما
عبد الباري عطوان
"يعتبر الاسبوع الماضي، اسبوع سورية بكل المقاييس، فقد بدأ بعقد اجتماع لدول محور الاعتدال العربية في المنامة برئاسة كوندوليزا رايس، الذي من المفترض ان يشارك بفاعلية في اي حرب ضد محور الشر الذي تتشارك فيه مع ايران و حزب الله و حماس ، ثم بعقد اجتماع آخر لدول الجوار العراقي بحضور رايس ايضا في الكويت ومشاركة السيد وليد المعلم وزير خارجية سورية، ولعل الاجتماع الذي ضم اصدقاء لبنان، وقاطعته سورية لا يقل اهمية عن الاجتماعين المذكورين.
بعد مغادرة رايس عائدة الي واشنطن، حدث تطوران مهمان، الاول من جانب دمشق التي حرصت علي تسريب، ومن ثم تأكيد، وساطة تركية يقوم بها السيد رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء، اثمرت عن استعداد اسرائيلي كامل للانسحاب من هضبة الجولان، والثاني من قبل الولايات المتحدة علي شكل بث وثائق فيديو تكشف عن صور لما وصفته بالمفاعل النووي السوري الذي كان قيد الانشاء بمساعدة كورية شمالية، ودمرته غارة جوية اسرائيلية قبل سبعة اشهر.
المسؤولون السوريون، بمن فيهم الرئيس بشار الاسد شخصيا، حريصون علي ابراز مساعيهم للتوصل الي سلام مع اسرائيل، واستعدادهم للانخراط في مفاوضات تتكلل بمعاهدة سلام، وهو امر مخالف للصورة التي حاولوا ويحاولون عكسها عن موقفهم كدولة ممانعة بينما يصر الامريكيون في المقابل علي شيطنة نظامهم من خلال اتهامه بخداع وكالة الطاقة الذرية الدولية وامتلاك اجهزة نووية سرية من خلف ظهرها.
هناك مثل تونسي شهير يقول تحاول ان تفهم.. تدوخ ، الأمر الذي يجعل اي محاولة لفهم ما يجري في سورية، وحولها، أمرا في غاية الصعوبة،
.....
سورية قد تخرج متضررة من كل هذه الحملة التي تستهدفها، لان اي تذكير بقدرة الطائرات الاسرائيلية علي اختراق دفاعاتها الجوية والارضية والوصول الي المفاعل المزعوم في اقصي شمالها الشرقي وتدميره دون اي اعتراض بل والتقاط صور له، يشكل احراجا لها وهزّا لصورتها في اذهان الشعب السوري اولا، والشعوب العربية التي تلتف في معظمها حولها، باعتبارها الحصن الاخير لـ الممانعة في مواجهة التواطؤ العربي الرسمي مع المخططات الامريكية والاسرائيلية
......
تخطيء القيادة السورية اذا ما بالغت في تفاؤلها تجاه الوساطة التركية، ونامت علي وسادة من حرير معتقدة ان معاهدة السلام باتت وشيكة. فالثمن المبالغ فيه الذي تطلبه اسرائيل مقابل التنازل عن الجولان لا تستطيع سورية تلبيته، وحتي لو استطاعت فانه قد يكون كأس السم الذي ستتجرعه وينهي نظامها، لان شرعية النظام تقوم في معظمها علي الممانعة لا الاعتدال ، ونسج تحالفات قوية في هذا الخصوص مع ايران و حزب الله و حماس . الثمن الذي تريده اسرائيل هو فك التحالف الاستراتيجي مع ايران، وانهاء العلاقة مع حزب الله وبالتالي خسارة كل اوراقها ونفوذها في لبنان، والتخلي عن القضية الفلسطينية كليا.
انه ثمن باهظ، خاصة اذا عرفنا ان السيادة السورية في الجولان العائد ستكون مقيدة باتفاقات نزع السلاح، ووجود مراقبين امريكان، وتنقل اسرائيلي دون عوائق او تأشيرات دخول، وفوق هذا وذاك تطبيع ساخن بعد ان اشتكت اسرائيل اكثر من مرة من التطبيع البارد مع مصر، فهل تقبل القيادة السورية الحالية كل هذه الشروط، خاصة ونحن نعرف ادبياتها المعلنة المناقضة لهذا كليا؟
....."
No comments:
Post a Comment