مصر وقعت في مصيدة اولمرت
عبد الباري عطوان
"فاجأتنا التصريحات التي ادلي بها احد المسؤولين الاسرائيليين المرافقين لرئيس الوزراء ايهود اولمرت اثناء زيارة الاخير لمنتجع شرم الشيخ، وقال فيها ان الحكومة المصرية وافقت علي ابقاء معبر رفح الفلسطيني مغلقا حتي الافراج عن الجندي الاسرائيلي الأسير جلعاد شليط. وقد انتظرنا يوما كاملا علي امل صدور توضيح رسمي مصري لهذه المسألة دون اي جدوي.
مصدر المفاجأة هو خضوع الحكومة المصرية بهذه السهولة للاملاءات الاسرائيلية الابتزازية، وكأن مصر دولة بلا سيادة ولا قرار مستقل، وترضخ لأي ضغوط اسرائيلية حتي لو تعارضت مع مصالح مصر الاستراتيجية والعربية.
الموافقة علي ابقاء معبر رفح الفلسطيني مغلقا حتي الافراج عن الجندي الاسرائيلي الأسير تعني ان مصير مليون ونصف مليون فلسطيني من ابناء قطاع غزة المحاصرين في كفة، والجندي الاسرائيلي في الكفة الاخري. فطالما ان هذا الجندي قيد الأسر فإن المليون ونصف المليون من الفلسطينيين يجب ان يكونوا في الأسر ايضا، بموافقة السجان الرسمي المصري.
هذه اهانة لمصر، وكرامتها، ومكانتها، ما كنا نتمناها، او نتوقعها، مثلما لم نتوقع ان تقبلها القيادة المصرية بمثل هذه السهولة ودون دراسة العواقب والآثار السلبية المترتبة عليها، خاصة ان مصر هي التي تقوم باعمال الوساطة بين الحكومة الاسرائيلية وحركة المقاومة الاسلامية حماس ، لتثبيت اتفاق الهدنة الذي رعته مقابل رفع الحصار عن قطاع غزة.
فالوسيط المصري الرسمي عندما يرضخ لمثل هذا الابتزاز الاسرائيلي، ويقدم هدية لمضيفه ايهود اولمرت بربط مسألة فتح معبر بأسير اسرائيلي، يثبت انه ليس وسيطا محايدا، وانما وسيطا منحازا للطرف الاسرائيلي بالكامل، وهذا الانحياز لا يمكن ان يجد ارتياحا في اوساط الشعب المصري الذي يكن كل المحبة والتقدير لأشقائه الفلسطينيين، ويتطلع الي فك اسرهم.
قبول الحكومة المصرية بالشروط الاسرائيلية بابقاء المعبر مغلقا ريثما يتم الافراج عن شليط هو فرض المزيد من الشروط التعجيزية علي حركة حماس لإجبارها علي الرضوخ للمطالب الاسرائيلية، وتسليم الجندي الاسرائيلي الأسير دون مقابل، او بثمن بخس للغاية.
معبر رفح هو المنفذ الوحيد لابناء قطاع غزة الي العالم الخارجي، وحكومة اولمرت تعرف هذه الحقيقة جيدا، ولذلك تستخدم هذه الورقة لإفشال اتفاق التهدئة، والوساطة المصرية بخصوصه، وتحميل الشعب الفلسطيني، وحركات المقاومة هذه المسؤولية. ففتح المعبر كان الشرط الاول للقبول بالتهدئة، ولا اعرف شخصيا كيف قبل وفد حماس المفاوض الربط بين فتح المعبر ومصير الجندي الاسرائيلي الأسير، سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة.
نعرف جيدا الاوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها ابناء قطاع غزة في ظل الحصار الاسرائيلي التجويعي، والضغوط النفسية الهائلة المترتبة علي ذلك بالنسبة الي حكومة حماس التي تتحمل مسؤولية ادارة القطاع وتأمين ابسط احتياجاته، ولكن من الخطأ الرضوخ لضغوط الوسيط الرسمي المصري، بقبول الاملاءات الاسرائيلية في هذا الخصوص، وإسقاط عملية الربط بين التهدئة في القطاع ونظيرتها في الضفة الغربية.
حكومة اولمرت وافقت علي اتفاق التهدئة لتجنب افشال الوساطة المصرية، وتحمل التبعات المترتبة علي ذلك، وبعد ان نزعت منه اهم شروطه، والعمل علي تخريبه بعد ذلك من خلال اعمال استفزازية علي غرار ما حدث يوم امس عندما اغارت قواتها علي مدينة نابلس وقتلت اثنين من قيادات المقاومة يتبع احدهما لحركة الجهاد الاسلامي والثاني لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس .
رفض الربط بين التهدئة في القطاع بالضفة الغربية هو احد نقاط الضعف الرئيسية في الاتفاق، ويعكس النوايا الاسرائيلية المبيتة لتخريبه، لأن الهدف هو ترسيخ حالة الفصل الراهنة بين المنطقتين الفلسطينيتين المحتلتين اولا، واطلاق يد القوات الاسرائيلية لمطاردة رجال المقاومة وتصفيتهم الواحد تلو الآخر ثانيا، وحصر دور مصر ووساطتها في قطاع غزة فقط، وإبعادها بالكامل عن ملف الضفة الغربية.
المؤلم ان الحكومة المصرية سقطت في هذه المصيدة الاسرائيلية وهي مفتوحة العينين، وقدمت لحكومة اولمرت كل التنازلات التي طالبت بها كشرط لقبول اتفاق التهدئة، دون ان تتبصر بالنتائج الخطيرة المترتبة علي ذلك.
الاتفاق يترنح، هذا ان لم يكن قد انهار فعلا، فاطلاق حركة الجهاد الاسلامي صاروخين بالامس علي مستوطنة سديروت شمال قطاع غزة كرد علي اغتيال احد قيادييها في نابلس هو البداية، وليس من المستغرب ان نري تكرارا للمشهد نفسه في الايام القليلة المقبلة.
حركة حماس التي قبلت هذا الاتفاق مكرهة، تواجه التحدي نفسه الذي واجهته، عندما قبلت باتفاق تهدئة مماثل قبل عامين جري التوصل اليه في قمة شرم الشيخ الرباعية، والتزمت بأبرز بنوده التي تنص علي وقف العمليات الفدائية الاستشهادية، وأي هجمات اخري علي اهداف اسرائيلية، ولكن الطرف الاسرائيلي لم يلتزم وواصل عمليات الاغتيال لقادة الجهاد الاسلامي الميدانيين في الضفة والقطاع.
القيادة السياسية لحركة حماس تقف حاليا امام خيارين صعبين للغاية، الاول ان تتدخل بالقوة لمنع فصائل المقاومة الاخري مثل الجهاد وكتائب شهداء الاقصي (فتح) وألوية الناصر صلاح الدين، والجيش الاسلامي، من اطلاق صواريخ للحيلولة دون انهيار اتفاق التهدئة، والحفاظ علي علاقاتها مع مصر، او التنصل من هذا الاتفاق كليا لان اسرائيل لم تلتزم به اساسا من خلال اقدامها علي توغلات واغتيالات استفزازية في الضفة الغربية لاستهداف فصائل المقاومة وعناصرها.
الوساطة المصرية سقطــــت بمجرد التزام القـــــيادة المصــــرية بربط مسألة فتح معبر رفح بالافـــــراج عن الجـــندي الاسرائيــلي جلعاد شليط، وجاءت عملية الاغتيالات الاسرائيلية الاخيرة في نابلس لتطلق عليها رصاصة الرحمة ، ولعل سقوط هذه الوساطة هو نعمة لحركة حماس وانقاذ لها من اتفاق أضر بصورتها، دون ان تحقق من ورائه اي مكاسب حقيقية علي الارض.
فاسرائيل كانت دائما تقول انها مستعدة لوقف غاراتها وتوغلاتها، بل وحصارها للقطاع اذا توقفت الصواريخ، اي ان الامر لا يحتاج الي وساطة، وجولات مكوكية للواء عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية.
حماس حركة مقاومة، واطلاق الصواريخ هو احد ابرز ادوات مقاومتها، ولا يجب التنازل عن هذه الورقة الا في اطار اتفاق متكامل، برفع كلي للحصار، وفتح جميع المعابر دون اي استثناء، ووقف المجازر الاسرائيلية جميعا في الضفة والقطاع. وطالما ان هذه الشروط لم تتحقق الا جزئيا، وبشكل منقوص، فإن انهيار اتفاق التهدئة هذا هو مسألة وقت وتوقيت، خاصة ان الجناح العسكري في الحركة لم يكن مرتاحا له في الأساس."
عبد الباري عطوان
"فاجأتنا التصريحات التي ادلي بها احد المسؤولين الاسرائيليين المرافقين لرئيس الوزراء ايهود اولمرت اثناء زيارة الاخير لمنتجع شرم الشيخ، وقال فيها ان الحكومة المصرية وافقت علي ابقاء معبر رفح الفلسطيني مغلقا حتي الافراج عن الجندي الاسرائيلي الأسير جلعاد شليط. وقد انتظرنا يوما كاملا علي امل صدور توضيح رسمي مصري لهذه المسألة دون اي جدوي.
مصدر المفاجأة هو خضوع الحكومة المصرية بهذه السهولة للاملاءات الاسرائيلية الابتزازية، وكأن مصر دولة بلا سيادة ولا قرار مستقل، وترضخ لأي ضغوط اسرائيلية حتي لو تعارضت مع مصالح مصر الاستراتيجية والعربية.
الموافقة علي ابقاء معبر رفح الفلسطيني مغلقا حتي الافراج عن الجندي الاسرائيلي الأسير تعني ان مصير مليون ونصف مليون فلسطيني من ابناء قطاع غزة المحاصرين في كفة، والجندي الاسرائيلي في الكفة الاخري. فطالما ان هذا الجندي قيد الأسر فإن المليون ونصف المليون من الفلسطينيين يجب ان يكونوا في الأسر ايضا، بموافقة السجان الرسمي المصري.
هذه اهانة لمصر، وكرامتها، ومكانتها، ما كنا نتمناها، او نتوقعها، مثلما لم نتوقع ان تقبلها القيادة المصرية بمثل هذه السهولة ودون دراسة العواقب والآثار السلبية المترتبة عليها، خاصة ان مصر هي التي تقوم باعمال الوساطة بين الحكومة الاسرائيلية وحركة المقاومة الاسلامية حماس ، لتثبيت اتفاق الهدنة الذي رعته مقابل رفع الحصار عن قطاع غزة.
فالوسيط المصري الرسمي عندما يرضخ لمثل هذا الابتزاز الاسرائيلي، ويقدم هدية لمضيفه ايهود اولمرت بربط مسألة فتح معبر بأسير اسرائيلي، يثبت انه ليس وسيطا محايدا، وانما وسيطا منحازا للطرف الاسرائيلي بالكامل، وهذا الانحياز لا يمكن ان يجد ارتياحا في اوساط الشعب المصري الذي يكن كل المحبة والتقدير لأشقائه الفلسطينيين، ويتطلع الي فك اسرهم.
قبول الحكومة المصرية بالشروط الاسرائيلية بابقاء المعبر مغلقا ريثما يتم الافراج عن شليط هو فرض المزيد من الشروط التعجيزية علي حركة حماس لإجبارها علي الرضوخ للمطالب الاسرائيلية، وتسليم الجندي الاسرائيلي الأسير دون مقابل، او بثمن بخس للغاية.
معبر رفح هو المنفذ الوحيد لابناء قطاع غزة الي العالم الخارجي، وحكومة اولمرت تعرف هذه الحقيقة جيدا، ولذلك تستخدم هذه الورقة لإفشال اتفاق التهدئة، والوساطة المصرية بخصوصه، وتحميل الشعب الفلسطيني، وحركات المقاومة هذه المسؤولية. ففتح المعبر كان الشرط الاول للقبول بالتهدئة، ولا اعرف شخصيا كيف قبل وفد حماس المفاوض الربط بين فتح المعبر ومصير الجندي الاسرائيلي الأسير، سواء بطريقة مباشرة او غير مباشرة.
نعرف جيدا الاوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها ابناء قطاع غزة في ظل الحصار الاسرائيلي التجويعي، والضغوط النفسية الهائلة المترتبة علي ذلك بالنسبة الي حكومة حماس التي تتحمل مسؤولية ادارة القطاع وتأمين ابسط احتياجاته، ولكن من الخطأ الرضوخ لضغوط الوسيط الرسمي المصري، بقبول الاملاءات الاسرائيلية في هذا الخصوص، وإسقاط عملية الربط بين التهدئة في القطاع ونظيرتها في الضفة الغربية.
حكومة اولمرت وافقت علي اتفاق التهدئة لتجنب افشال الوساطة المصرية، وتحمل التبعات المترتبة علي ذلك، وبعد ان نزعت منه اهم شروطه، والعمل علي تخريبه بعد ذلك من خلال اعمال استفزازية علي غرار ما حدث يوم امس عندما اغارت قواتها علي مدينة نابلس وقتلت اثنين من قيادات المقاومة يتبع احدهما لحركة الجهاد الاسلامي والثاني لكتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس .
رفض الربط بين التهدئة في القطاع بالضفة الغربية هو احد نقاط الضعف الرئيسية في الاتفاق، ويعكس النوايا الاسرائيلية المبيتة لتخريبه، لأن الهدف هو ترسيخ حالة الفصل الراهنة بين المنطقتين الفلسطينيتين المحتلتين اولا، واطلاق يد القوات الاسرائيلية لمطاردة رجال المقاومة وتصفيتهم الواحد تلو الآخر ثانيا، وحصر دور مصر ووساطتها في قطاع غزة فقط، وإبعادها بالكامل عن ملف الضفة الغربية.
المؤلم ان الحكومة المصرية سقطت في هذه المصيدة الاسرائيلية وهي مفتوحة العينين، وقدمت لحكومة اولمرت كل التنازلات التي طالبت بها كشرط لقبول اتفاق التهدئة، دون ان تتبصر بالنتائج الخطيرة المترتبة علي ذلك.
الاتفاق يترنح، هذا ان لم يكن قد انهار فعلا، فاطلاق حركة الجهاد الاسلامي صاروخين بالامس علي مستوطنة سديروت شمال قطاع غزة كرد علي اغتيال احد قيادييها في نابلس هو البداية، وليس من المستغرب ان نري تكرارا للمشهد نفسه في الايام القليلة المقبلة.
حركة حماس التي قبلت هذا الاتفاق مكرهة، تواجه التحدي نفسه الذي واجهته، عندما قبلت باتفاق تهدئة مماثل قبل عامين جري التوصل اليه في قمة شرم الشيخ الرباعية، والتزمت بأبرز بنوده التي تنص علي وقف العمليات الفدائية الاستشهادية، وأي هجمات اخري علي اهداف اسرائيلية، ولكن الطرف الاسرائيلي لم يلتزم وواصل عمليات الاغتيال لقادة الجهاد الاسلامي الميدانيين في الضفة والقطاع.
القيادة السياسية لحركة حماس تقف حاليا امام خيارين صعبين للغاية، الاول ان تتدخل بالقوة لمنع فصائل المقاومة الاخري مثل الجهاد وكتائب شهداء الاقصي (فتح) وألوية الناصر صلاح الدين، والجيش الاسلامي، من اطلاق صواريخ للحيلولة دون انهيار اتفاق التهدئة، والحفاظ علي علاقاتها مع مصر، او التنصل من هذا الاتفاق كليا لان اسرائيل لم تلتزم به اساسا من خلال اقدامها علي توغلات واغتيالات استفزازية في الضفة الغربية لاستهداف فصائل المقاومة وعناصرها.
الوساطة المصرية سقطــــت بمجرد التزام القـــــيادة المصــــرية بربط مسألة فتح معبر رفح بالافـــــراج عن الجـــندي الاسرائيــلي جلعاد شليط، وجاءت عملية الاغتيالات الاسرائيلية الاخيرة في نابلس لتطلق عليها رصاصة الرحمة ، ولعل سقوط هذه الوساطة هو نعمة لحركة حماس وانقاذ لها من اتفاق أضر بصورتها، دون ان تحقق من ورائه اي مكاسب حقيقية علي الارض.
فاسرائيل كانت دائما تقول انها مستعدة لوقف غاراتها وتوغلاتها، بل وحصارها للقطاع اذا توقفت الصواريخ، اي ان الامر لا يحتاج الي وساطة، وجولات مكوكية للواء عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية.
حماس حركة مقاومة، واطلاق الصواريخ هو احد ابرز ادوات مقاومتها، ولا يجب التنازل عن هذه الورقة الا في اطار اتفاق متكامل، برفع كلي للحصار، وفتح جميع المعابر دون اي استثناء، ووقف المجازر الاسرائيلية جميعا في الضفة والقطاع. وطالما ان هذه الشروط لم تتحقق الا جزئيا، وبشكل منقوص، فإن انهيار اتفاق التهدئة هذا هو مسألة وقت وتوقيت، خاصة ان الجناح العسكري في الحركة لم يكن مرتاحا له في الأساس."
No comments:
Post a Comment