Saturday, July 12, 2008

الاتحاد المتوسطي: ترويض للعرب


الاتحاد المتوسطي: ترويض للعرب

عبد الباري عطوان

A Good Analysis by Abdelbari Atwan (Al-Quds Al-Arabi)

".....
الحوار بين شعوب المتوسط وزعاماتهم كان في غالب الاحيان بالسيف والرمح والمنجنيق، وظل الحال كذلك حت منتصف القرن الماضي، حين خضع كل الجنوب والشرق للاستعمار الفرنسي والبريطاني والايطالي، واليوم تطل في الأفق محاولة لتغيير الأدوات لتحقيق الاهداف نفسها بطريقة تبدو حضارية في ظاهرها.
نيكولا ساركوزي رئيس فرنسا يريد اليوم بدعوته لزعماء خمس وثلاثين دولة وضع اسس تكتل سياسي اقتصادي جديد بزعامته تحت عنوان (الاتحاد من اجل المتوسط)، يقول ان الهدف الرئيسي من ورائه تعزيز العلاقات بين هذه الدول وفق رؤية جديدة، ولكن الاجندات الخفية، وغير المعلنة، تتلخص في الرغبة في تعزيز زعامة فرنسا في اوروبا، واستعادة دورها القديم في المحيط المتوسطي العربي والاسلامي، وشمال افريقيا خاصة، ودمج اسرائيل بطريقة غير مباشرة مع جيرانها، بتشريع وجودها، وتطبيع علاقاتها مع من يتردد في التطبيع من الدول العربية المتوسطية، وهي قليلة عل اي حال.
ساركوزي يريد ان يعزز دور بلاده الاقليمي الاوروبي والعالمي بالالتفات جنوبا، حيث المستعمرات الفرنسية القديمة، بالطريقة نفسها التي عززت فيها انجيلا ميركل زعيمة المانيا دورها ومكانتها الاوروبيين بالالتفات شرقا، ال دول اوروبا الشرقية، وفتح ابواب الاتحاد الاوروبي امامها.
الدول العربية، والمغاربية منها عل وجه الخصوص، التي فشلت فشلا ذريعا في تأطير نفسها في تكتل اقليمي يرع مصالح شعوبها، ويقرب في ما بينها، كانت الأسرع في تلبية دعوة العم الفرنسي للمشاركة في الاتحاد المتوسطي، لجني بعض المنافع، وتأكيدا لعقدة متأصلة اسمها ضعف المستعمر (بفتح الميم) امام المستعمر (بكسر الميم).
....
نتمن عل هذه الدول التي يهرع زعماؤها ال باريس اليوم للمشاركة في عرس ساركوزي المتوسطي ان تطلع عل التجربة التركية، وتستوعب دروسها. فتركيا نزعت الحجاب وحفت الشوارب واللح، وألغت الحدود الاسلامية بما في ذلك عقوبة الاعدام، واقامت مؤسسات ديمقراطية حقة، وحققت تقدما اقتصاديا افضل من كثير من اقتصاديات الدول الاوروبية، ومع ذلك ما زالت تستجدي عضويتها في الاتحاد الاوروبي، وهي التي انضمت ال حلف الناتو مبكرا عندما كانت معظم دول اوروبا الشرقية التي انضمت حديثا ال النادي الاوروبي اعضاء في حلف وارسو المضاد وشريكا اصيلا في الحرب الباردة.
ومن المفارقة ان ساركوزي، ومن قبله ميتران وشيراك وديستان هم من ابرز المعارضين لعضوية تركيا في الاتحاد الاوروبي، واليوم يريد ساركوزي اكثرهم حماسة في معارضته، اغلاق الباب تماما في وجهها، من خلال فتح نافذة الاتحاد المتوسطي.
.....
من المؤسف ان كل هذه الاوراق القوية في يد الدول العربية والاسلامية المتوسطية فشلت في وضع ساركوزي وقادة اوروبا الآخرين امام الخيار بينها وبين الدولة العبرية، بل ان قادتها يذهبون صاغرين ال باريس اليوم، وسيجلسون عل الطاولة نفسها مع شمعون بيريز رئيس الدولة العبرية، وايهود اولمرت رئيس وزرائها، ولن نستغرب اذا ما تبادلوا المصافحات والابتسامات معهما.
....
ففي الوقت الذي يحتفل فيه ساركوزي بتدشين وليده المتوسطي الجديد، يتذكر اللبنانيون هذه الأيام، ومعهم العرب جميعا، الذكر الثانية للعدوان الاسرائيلي عل بلادهم، ويزورون قبور ضحاياهم الذين مزقتهم القنابل والصواريخ الاسرائيلية.
....
اما هذا الانضمام غير المشروط، بل والمرحب به فهو مرفوض ويشكل عارا عل الدولة الداعية والزعماء المدعوين.
الكارثة الاكبر، التي لا يعي معظم الزعماء العرب المشاركين في احتفالات اليومين القادمين، حجم خطورتها، ستتمثل في ان يفيقوا ذات يوم وقد اصبحت اسرائيل رئيسة هذه المنظومة الجديدة. فالرئاسة دورية وثنائية، رئيس اوروبي وآخر عربي، وهذا يعني ان حق اسرائيل في الرئاسة قانوني وشرعي حسب النظام التأسيسي، فماذا سيفعل السادة الزعماء ابتداء من الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مرورا بالرئيس حسني مبارك وانتهاء بالرئيس بشار الاسد؟ مع تمنياتنا بالصحة وطول العمر لهم جميعا دون اي استثناء. "

No comments: