Thursday, September 18, 2008

سوريا: هل أفطر النظام على "بصلة"!

"هذا إذا صام"
د. عادل سمارة

"إلى أين يتجه قطار النظام في سوريا، ما هي وجهته، ومن الذي يوجهه، مصلحة النخبة الحاكمة وخوفها على وجودها، مصلحة البرجوازية السورية عامة، ضغوطات داخلية، إغواء عربي وإغراء صهيوني، وتهديد أميركي...الخ اسئلة كثيرة كلها محيرة، ولكن اللافت أكثر حتى من الأسئلة هو:
1- التناول المحدود والحذر لما يقوم به النظام في سوريا،
2- عدم تناول الأمر من اصدقاء النظام السوري لأنهم حريصون على العلاقة، وعدم تناوله من قبل ناقدي وأعداء النظام السوري لأنهم يريدون له ان يكمل الغطس!
تفسيرات حسن النية
يؤكد مؤيدو النظام السوري ومن يتعاطفون معه أن كافة محادثاته مع الكيان الصهيوني ليست إلا إشغالا للوقت وكسباً له. وأن هذه المحادثات لن تذهب لما هو ابعد من اختبار النوايا، وأن سوريا تحت ضغط هائل لا يمكنها إلا أن تحاول تنفيس بعض جوانبه.
والحقيقة أن هؤلاء أنفسهم يسيرون على قاعدة "إلتمس لأخيك عذراً" وهي قاعدة لا تنفع للسياسة ومصائر الشعوب. فهم أنفسهم الذين غفروا للنظام السوري مشاركته في تدمير العراق عام 1991 بذريعة أن صدام حسين قدم لأميركا مبررات العدوان على بلاده، على اعتبار أنه اجتاح بلدا تعترف به الأمم المتحدة. هذا وكأن الولايات المتحدة سوف تعدم خلق مبررات لضرب العراق أو غير العراق.
لعل الأمر الأكثر خطورة ووبالاً، أن عدوان 1991، وجه ضربة قاصمة للقومية العربية حيث انخرطت جيوش عدة دول عربية في اذيال جيوش المركز الإمبريالي لتدمير بلد عربي آخر. وكان الدرس المقصود انه لا توجد هناك قومية عربية واحدة ولا أمة واحدة طالما دخلت جيوش الأنظمة العربية "مطهر" المشاركة في العدوان على قطر عربي. وهو دخول يشبه إلى حد بعيد دخول حركة حماس في "مطهر" أوسلو، واستمرار زعمها أنها ضد اوسلو بما هو اعتراف بالكيان الصهيوني. ليس هدفنا هنا هو وضع مسطرة يمشي عليها الآخرون كما الصراط المستقيم، ولكن القضايا الجوهرية والمصيرية عصيةً، لا يمكن إخضاعها للتفسيرات المتعددة. فيما يخص المبدأ هناك تفسير واحد.
ويصبح من نافل القول تذكير هؤلاء أو حتى إرشادهم إلى توفر معلومات ضافية عن قرارات الولايات المتحدة احتلال العراق قبيل 1991 بوقت طويل، وقبيل 2003 بوقت أطول. وهذا يجعل من قبيل السذاجة محاولة إقناع من قرر أن لا يقتنع. أما الحديث عن قرارات الأمم المتحدة، فمن لا يعرف أن هذه القرارات معلقة أوراقها في المراحيض العامة للصهيونية منذ ستة عقود. كما ان الدول التي خلقت الأمم المتحدة استعملت نفس المزاعم بشأن تأديب جورجيا على يد روسيا مع أن الأولى هي المعتدية.
أما وقد مضت على الاستعمار المباشر للوطن العربي قرابة قرنين من الزمن، فإن من لا زال يعتقد أن الاستعمار لا يُقدم على الغزو بدون مبررات يقدمها أهل الوطن، فهذا يعني ان حركة التحرر العربية في غيبوبة، وأنها أعجز عن حمل اسم المهمة المناطة بها. أما يسارها، فلم يفهم بعد ما هو النظام الراسمالي العالمي والذي تعتبر الحرب صناعته الأساس.
تفيد القراءة الطبقية للنظام السوري، الذي بدأ الانفتاح منذ أكثر من عقد من الزمان، وأفسح الطريق للقطاع الخاص كي يمارس الاستغلال، كما لم يقدم النظام اية مرونات للطبقات الشعبية بالمقابل، تفيد هذه المستويات أن النظام في سوريا ذاهب باتجاه مزيد من الخصخصة، وتصفية القطاع العام، وبالتالي تبني سياسات التبعية مقابل الإنتاج، وتفوق الجناح الكمبرادوري في الدولة على البرجوازية القومية الإنتاجية. وهذه إعادة متأخرة ثلاثة عقود على ما "بادرت" للغطس فيه البرجوازية المصرية التي أدى انفتاحها إلى تحول مصر إلى جئة كبرى في المنطقة، بغض النظر عن ثرثرات كثير من الساسة الرسميين بأن مصر كبرى دول المنطقة، "ولا يمكن تجاوزها في اية ترتيبات". والحقيقة، ان عدم التجاوز ناجم عن كون نظام مصر شريكاً في مختلف "طبخات" الخراب في الوطن العربي وخاصة التسوية مع الكيان الصهيوني الإشكنازي.
وبخصوص القراءة القطرية، فحتى وقت قصير، كان النظام السوري ربما الوحيد بين الأنظمة العربية الذي ما زال يردد بعض الشعارات القومية سواء بسبب إيديولوجيا حزب البعث، أو لأنه يعتبر فلسطين جنوب سوريا. لكن محاولة الدخول في مفاوضات مع الكيان الصهيوني، اية مفاوضات وبأي مستوى، ومباشرة أو عبر وسيط كلها تؤشر إلى أن النظام السوري قرر الإنطواء القطري وبالتالي أغمض العينين عن الحقيقة القومية.
لعل الشاهد الأبرز على هذا التوجه هو تحويل العلاقة بين سوريا ولبنان من علاقة البلد الواحد إلى علاقة الدولتين، وبالتالي تبادل السفراء. وقد تكون المفارقة أن هذا التبادل يتم بتوجيهات فرنسية. فالحكم الفرنسي الحالي، جاء رديفا للولايات المتحدة وبديلا لحكومة توني بليرفي الوطن العربي. ولا يغير في الدور الفرنسي وجود مصالح معينة لفرنسا لا تتطابق مع المصالح الأميركية، إنما في الاستراتيجية العامة في المنطقة تتلاقى مصالح النظامين. وعليه، فإن العلاقات الجديدة بين سوريا ولبنان هي متابعة لسايكس-بيكو، ولكن هذه المرة بإشراف بيكو بدون مارك سايكس! وفي حين كان الطرف العربي غائباً في سايكس-بيكو 1916، فإن الطرف العربي حاضر وراضٍ هذه المرة اي بعد قرن كامل من الزمن تقريباً. بعبارة أخرى، بعد قرن من لجوء الاستعمار للتآمر لتشكيل قطريات عربية، تأتي القطريات الآن لتكون القابلة "القانونية" للوليد القطري المسخ! ولتكاثر أميبي سيتلو لا محالة، ولكن إلى حين.
الغبش على قراءة المقاومة
لم يتضح بعد كيف ستتعامل سوريا مع المقاومة العراقية، ومن غير الواضح طبيعة علاقة سوريا بهذه المقاومة. وهل يتم التفاعل الشعبي السوري مع العراق رغم عساكر النظام أم عبر غض الطرف السوري عن الأمر. كما ليست واضحة حدود الضغط الفرنسي لصالح أميركا في هذا الشأن.
لكن ما هو واضح هو على الأقل الضربة المعنوية متجلية في تبادل السفراء بين سوريا وبين العراق المحتل، وهو أمر له آثاره النفسية على الأقل على مقاومة الشعب العربي في العراق.
لا يمكن عزل تبادل السفراء هذا عن التكويع للرضى الأميركي عبر "قِوادة" فرنسية. ولا يمكن رؤية هذا أو قرائته بعيداً عن المحادثات مع الكيان الصهيوني، بمعنى أن هناك ترتيبات موسعة في المنطقة، وأن هذه التحركات تصب في إغلاق فجواتها.
ولن تكون المقاومة في لبنان بعيدة عن هذه التطورات التي إذا ما استمرت، ولا يبدو غير ذلك، فإن المقاومة اللبنانية ستجد نفسها مطالبة بدفع حسابات هائلة، ستكون اصعب عليها من محاربة العدو. ربما يمر سلاح المقاومة، وخاصة حزب الله، بدرجات من الحصار، ستبدا بعدم ضرورته، ومن ثم منع حمله ولاحقا منع اقتنائه. وإذا كانت فرنسا قد جردت سوريا من موقفها القومي، فإن بوسع فرنسا تسليح أعداء المقاومة لاغتيال المقاومة.
ياتي الموقف الخطير من مختلف قوى المقاومة في لبنان وفي العراق وفلسطين ومكاتب المقاومة في سوريا في فترة تبذل الولايات المتحدة جهدا هائلا لاجتثاث مطلق رصاصة في المنطقة لا سيما يعد أن ثبت ان شأفة المقاومة لا تنكسر، وأن بوسع المقاومة تحقيق انتصارات، وهذا أمر يرعب الحكام العرب بنفس القدر الذي يخيف فيه العدو الصهيوني والأميركي. يجب تحطيم المقاومة قبل أن تتصل بمختلف الطبقات الشعبية في الوطن العربي فتكون الكارثة المحققة.
الإحراج الروسي
توقع البعض أن يؤدي الموقف الروسي من العدوان الجورجي إلى رفع سقف بعض الأنظمة العربية. وقد اندرجت زيارة الرئيس السوري إلى موسكو في هذا السياق التفاؤلي. ولكن مسار النظام السوري اتسم بدور مزدوج يبدو أكبر من حجم قوة اقليمية صغيرة. فقد واصل النظام السوري علاقته بفرنسا، والتقاطع مع الوساطة التركية إلى درجة التوضيح بأن توقف المحادثات غير المباشرة مع الكيان الصهيوني جاء بناء على طلب الكيان نفسه، اي ليس بناء على التمنُّع السوري! هذا إلى جانب التواصل مع موسكو في الوقت الذي سخنت فيه العلاقات الباردة بين الغرب وروسيا، وهذا أمر يمكن لدولة ذات وزن ابعد من إقليمي أن تفرضه على علاقاتها الدولية. بكلمة أخرى، هذا موقف يليق بوطن عربي متحد ليكون حاملاً مناسباً له.
حتى الآن، ليس من الواضح أن الأنظمة العربية سوف تستغل الوثبة الروسية. فالتاريخ لا يكرر نفسه هنا. بل لا شيىء يتكرر لأن كل شيىء يتحول. وربما بالعكس، فما نخشاه أن تصطف الأنظمة العربية، باموالها تحديداً إلى جانب سيدها الإمبريالي الخطر على الإنسانية بوضوح ووقاحة.
على المدى القريب جداً وحتى اليومي، يبدو أن التطورات السياسية للنظام السوري تصب في تقديم خدمات للمحافظية الجديدة في اميركا لتُكسبها أصواتاً جديدة. فقد يعتقد بعض العرب والمسلمين الأميركيين، أن سوريا التي تبدو وكأنها تلعب سياسة النِدْ، ستؤثر على الحكم الأميركي المقبل، وبالتالي يبادر هؤلاء للتصويت للجمهوريين.
إن الإسلام السياسي التركي، بما هو إسلام "متأورب" حيث واصل الإسلاميون تقديم "استرحام" القبول في الحضن الأوروبي، فإن تركيا لا بد ستستغل دورها في توريط سوريا في تسوية تشطب القضية الفلسطينية، سوف تستغل ذلك لتحسين صورتها لدى الغرب الراسمالي، وبالتالي يُعيد الإسلاميون لتركيا، في عصر ما بعد السوفييت، دوراً جديداً في حقبة العولمة وعصر روسيا. وإذا كانت سوريا على علاقة قوية بإيران منذ أن تنازعت مع العراق قبل 28 عاماً، فها هي تنفتح على النظام العميل في العراق، وربما تستبدل الفراش الشيعي بفراش سني، أو تلوح بواحدهما للآخر!
بقي أن نختم بحكمة التبعية الاقتصادية، بمعنى أن الدول الصغيرة لا بد تكون تابعة سواء كانت راسمالية أو إشتراكية،وعليه، فليس أمام القطريات العربية التي هي صغيرة الحجم والشأن، إلا أن تكون تابعة طالما هي قطرية من جهة ومتخارجة من جهة ثانية.
ملحق
ماذا قالت سوريا لمن نقدها من العرب:
كتبت صحيفة "الثورة:
" حملت سوريا صليب العرب دون ان يتوانى أشقاء عرب عن صلبنا مرات ومرات... لكن...اعذرونا قليلا،... في ان نسعى لطريق يوصلنا الى حقنا وتحرير وطننا،... لا سيما بعد ان أخرجت ألسنة عربية طويلة لنا ، ولم ينكر الشامتون شماتتهم إذ هم ربحوا بالنكوص بالعهد".
وهل يحق للحرة أن تعيش بنهديها إذا قامت جارتها بذلك؟ وهل حان رمي صليب العرب، لا سيما والعرب جميعاً ما زالوا مصلوبين؟ ثم من هم العرب الذين تتحدث عنهم الثورة؟ أليسوا عرب أميركا؟ أليسوا الكمبرادور؟ هل يمثلون الشعب وهل يحترمهم الشعب؟ بالطبع لا، بل إن هذه الأنظمة تُلحق بكل مواطن عربي اينما ذهب عار مجرد بقائها. وهل التفاوض على الجولان هو تحرير؟ أم أن سوريا تطبَّعت على افتراءات ومزاعم كامب ديفيد وأوسلو. فكثيرا ما ردد أهل التسوية ان إعادة الإنتشار الصهيوني من سيناء هو تحرير ومن مدن الضفة الغربية هو تحرير؟ سوريا تعرف الصحيح!
وأشارت "الثورة" إلى ما أسمته "غدر كامب ديفيد" الذي عقدت فيه مصر معاهدة سلام مع إسرائيل ، واتفاقية اوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين".
ولكن، إذا كان كامب ديفيد غدراً، وهو غدر من الطراز القاتل، فهل يبرر هذا غدراً بالمقابل؟ وإذا كان غدر كامب ديفيد بسوريا، فهل يغدر النظام السوري فلسطين؟
واضافت الثورة: " ان دمشق لا تتدخل في شئون اي من الدول العربية فيما يتدخل العرب في شئونها، وزادت: ببساطة يطلب زعيم ينطق بالحقد والكراهية ولا يخفيهما ، بفتح جبهة الجولان (وهو سيساعدنا) وببساطة أخرى تتجرأ الأقلام لتصف حركتنا اتجاه السلام ...تجاه العلاقات مع دول اخرى .. تجاه العالم.. وكما تريد. ألم ندفع دما لحماية لبنان وتحرير جنوبه، ...فكان سعير العداء الذي لا يتوقف ، والذي يقرأ كما يشاء ويرانا اصل البلاء"(القدس 8-8-2008 ).
بالمفهوم القومي والثوري يجب على كل قطر قومي التوجه أن يتدخل في القطريات الأخريات، لأن القطرية غير شرعية بالطبيعة وبالضرورة وبحكم وجوب توفير مستقبل اشرف. وهذا الشعار يذكرنا بقرار منظمة التحرير عدم التدخل في الشؤون الداخلية للأنظمة العربية، وهو "العدم" الذي كان الهدف منه ان تتحول هذه المنظمة إلى قطرية عربية، وها هي قد تحولت! وليتها لم تتحول. لنا أن نتذكر هنا مزايدات اليسار على اليمين في بدايات سبعينات القرن الماضي. لكن اليسار اصطف مؤدباً إلى جانب اليمين ولم يتدخل حتى في مزظمة التحرير الفلسطينية نفسها، واصبح يَنعت من ينقد المنظمة بأنه "برجوازي صغير" "قصير النفس" تروتسكاوي" "ثقافوي" ...الخ. وها هي سوريا تنقل "الصنعة". هل تسير سوريا حقا في حركة باتجاه السلام؟ من قال أن راسمالية المركز تؤمن بأي سلام؟ هل يُعقل هذا الحديث في الفترة التي ترمي فيها الولايات المتحدة بجيوشها في ستين دولة، وهذا فقط المعروف . وهل يمكن للكيان الصهيوني الإشكنازي أن يعيش في المنطقة بسلام وفي سلام؟
ليس شرطاً أن تفتح سوريا جبهة الجولان، وحتى لو لم تساعد في تحرير جنوب لبنان، لربما كان هناك عذراً. ولكن، ألا أقل من عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني؟ هل اصبح هذا ثمناً يعجز عنه الجميع؟ إذا ظل الحال على هذا المنوال، فإن الكيان سوف يفتح مخافر في كل الوطن العربي بحيث يقوم كل فرد بكتابة نص اعترافه بالكيان الصهيوني، من الذي يبصم إلا الذي بمستوى كتابة "وثيقة الاستقلال الفلسطينية".
قد تكون سوريا آخر برجوازية قومية التوجه التي تسقط ورقة التوت، فلتسقط طالما هي ورقة توت، لأن البشرية تجاوزت العُري الطبيعي يوم الخلق الأول.
ملاحظة1: هل يمكن لجماعة إعلان دمشق أن تقول لنا لماذا قررت تحسين علاقتها مع النظام هذه الأيام!
ملاحظة 2: عزيزتي القارئة وعزيزي القارىء، التالي سؤال استفزازي ولا يخلو من درجة من "القِحة": لو كان كاتب هذه السطور من الذين يعيشون على فائض القيمة والريع النفطي، هل كان سيكتب أو حتى يؤذِّن في الجرَّة؟ هل يفسر هذا سكوت جيوش من المثقفين العرب عن ما يقوم به النظام السوري تجاه القضية القومية، ناهيك عن الوضع الداخلي؟

"

No comments: