A Good Piece in Arabic
ياسر الزعاترة
".....
من هنا تبدو مهمة قوى المقاومة والممانعة بالغة الصعوبة للرد على إستراتيجية أوباما، لأن المطلوب قبل الرد هو العمل على إقناع الجماهير بأن الرجل لم يغادر المواقع الأميركية التقليدية من صراعاتنا، وأن بلاده لن تخلع ثوبها الإمبريالي، فضلا عن ضرورة النظر إلى فعل يديه وليس إلى مدحه للمسلمين وابتساماته في وجوههم.
بعد هذا الجهد الضروري تأتي عملية المواجهة مع مخطط الرجل الرامي إلى دفع الأنظمة العربية إلى مساعدته للخروج من المستنقعات التي تتخبط فيها بلاده، ومن ثم استدراجنا إلى مواقف تضر بقضايانا الرئيسة.
....
من المؤكد أن التعددية القطبية في المشهد الدولي هي الوضع الأفضل لخدمة قضايا أمتنا، ومعها سائر المستضعفين في الأرض، وليس من مصلحتنا أبدا مساعدة أميركا على استعادة قوتها ونفوذها من جديد بعدما أخذت في التراجع التدريجي بسبب المغامرات التي ورطها فيها جورج بوش، بل لعل من الأفضل لنا ولقضايانا أن نساعد على المزيد من تراخي القبضة الأميركية على المشهد الدولي، أكان بتكريس فشلها هنا وهناك، أم بفتح مجالات للتعاون مع القوى الكبرى الصاعدة مثل روسيا والصين والبرازيل ودول أميركا اللاتينية.
من الواضح أن أوباما يريدنا أن نحقق له الهدفين معا، فهو يريد منا مساعدته في حل معضلاته المتفاقمة، في ذات الوقت الذي يريدنا أن نبقى أسرى العلاقة مع بلاده بعيدا عن فتح مجالات تعاون مع القوى الكبرى المنافسة، والتي تسعى بدورها إلى دور ونفوذ في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
في مواجهة إستراتيجية أوباما، ثمة عنوانان رئيسان على قوى المقاومة والممانعة التوقف عندهما، أولهما ذلك المتعلق بموقف واشنطن من الأنظمة العربية، إذ من الواضح أن الصفقة التي حكمت العلاقة بين تلك الأنظمة وبين الولايات المتحدة في مرحلة بوش الثانية ستبقى قائمة، أعني عدم الضغط عليها في مجال الديمقراطية والإصلاح مقابل الدفع من جيب قضايا الأمة الكبيرة في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال والسودان.
وفي حين تبدو قضية الإصلاح بالغة الأهمية بالنسبة لقوى الأمة الحية، فإن المطلوب هو تصعيد النضال السلمي داخل كل قطر من أجل دفع عجلة الإصلاح، بل التغيير الجذري إن أمكن ذلك، لا سيما بعد أن ثبت أن ديمقراطية الديكور القائمة لا تأتي بإصلاح حقيقي مهما رفع رقم "كوتا المعارضة" في مجالس النواب، ومن الضروري أيضا فضح الصفقة المذكورة للجماهير حتى تكون على بينة من أمرها.
العنوان الكبير الثاني هو المتعلق بقضايا الأمة الرئيسة، وأولها قضية فلسطين، وهنا يمكن القول إن مخطط أوباما للتسوية يستحق المواجهة، ولا ينبغي الركون إلى مقولات تشدد نتنياهو، وقد قال أوباما نفسه في لقاء صحفي عقب خطاب القاهرة إن هذا الأخير أقدر على صناعة السلام من قوى اليسار، لا سيما أن ما سيُعرض عليه سيكون مغريا إلى حد كبير، وسيحظى على الأرجح بغالبية في الداخل إذا انضم كاديما إلى الائتلاف الحاكم، كما سيحظى بدعم من قادة كبار في اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة.
عندما يتحدث أوباما عن حل الدولتين ينسى المهللون أنه طرح بوش وشارون، أما وقف الاستيطان فهو نداء زعماء أميركا منذ عقود لقادة الدولة العبرية بلا جدوى، لكن خطاب القاهرة استبطن من جهة أخرى مطلب تغيير المبادرة العربية، حين قال إنها ليست كافية، ما يعني شطب حق العودة والتطبيع المبكر، فكيف حين نعلم أن رئيس السلطة قد وافق عمليا على معظم النقاط الإشكالية في التسوية (شطب حق العودة، بقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة تحت بند تبادل الأراضي، السيادة المنقوصة)، والنتيجة أن التسوية ليست مستبعدة إذا وافق نتنياهو على منح السلطة حصة بسيطة في القدس الشرقية تقام عليها عاصمة الدولة، وبترتيبات طرف ثالث للمقدسات الإسلامية كما ذهب أحد وزراء السلطة.
مثل هذا الحل هو تصفية للقضية الفلسطينية، لأن دولته الفلسطينية العتيدة بائسة أيما بؤس، وقد تؤدي إلى رحيل الكثير من السكان نحو الأردن الذي يؤوي أغلبية اللاجئين، فضلا عن ترتيبات لا يمكن استبعادها لإلحاق الضفة الغربية به، لكن انتظاره يفعل ذات الشيء أيضا، فهو يعني كما ذهب أوباما "نبذ العنف" والاستمرار في تنفيذ البند الأول من خريطة الطريق، أي شطب المقاومة بالكامل وتكريس الدولة المؤقتة القائمة، بصرف النظر عن المدى الزمني الذي ستستغرقه المفاوضات.
لا بد من مواجهة صارمة لمثل هذا الحل، الأمر الذي لن ينجح من دون توافق قوى المقاومة، ومن ضمنها قطاعات من فتح على رفض ديمقراطية السلطة، بل حتى وجودها إذا اقتضى الأمر، ورفع شعار المقاومة حتى دحر الاحتلال دون قيد أو شرط عن الضفة الغربية، مع إدارة بالتوافق لقطاع غزة كقاعدة شبه محررة للمقاومة، وتجييش دعم شعبي عربي وإسلامي، مع ما تيسر من دعم رسمي لهذا المسار.
....
القضية الأخرى البالغة الأهمية هي قضية المواجهة مع إيران، وهنا يجدر التنبه إلى أن خطاب أوباما حيالها لم يأت بجديد، فهو يمد يدا ناعمة، لكن المطلوب هو ذاته (شطب الخيار النووي، ووقف دعم قوى المقاومة)، ولذلك ينبغي التصدي لمقولة الخطر الإيراني الذي يتقدم على خطر المشروع الصهيوني الأميركي، ليس لأنه محض تزوير على الأمة، حتى لو صح أن لإيران طموحاتها التي يمكن التصدي لها عربيا بطرق مختلفة، أو عبر تفاهم مع طهران على الملفات الإشكالية بين الطرفين، بل أيضا لأن أي هجمة عسكرية على إيران لن تكون في صالح الأمة، لا سيما إذا مضى البعض في لعبة الحشد المذهبي تحضيرا لتلك الهجمة.
...."
ياسر الزعاترة
".....
من هنا تبدو مهمة قوى المقاومة والممانعة بالغة الصعوبة للرد على إستراتيجية أوباما، لأن المطلوب قبل الرد هو العمل على إقناع الجماهير بأن الرجل لم يغادر المواقع الأميركية التقليدية من صراعاتنا، وأن بلاده لن تخلع ثوبها الإمبريالي، فضلا عن ضرورة النظر إلى فعل يديه وليس إلى مدحه للمسلمين وابتساماته في وجوههم.
بعد هذا الجهد الضروري تأتي عملية المواجهة مع مخطط الرجل الرامي إلى دفع الأنظمة العربية إلى مساعدته للخروج من المستنقعات التي تتخبط فيها بلاده، ومن ثم استدراجنا إلى مواقف تضر بقضايانا الرئيسة.
....
من المؤكد أن التعددية القطبية في المشهد الدولي هي الوضع الأفضل لخدمة قضايا أمتنا، ومعها سائر المستضعفين في الأرض، وليس من مصلحتنا أبدا مساعدة أميركا على استعادة قوتها ونفوذها من جديد بعدما أخذت في التراجع التدريجي بسبب المغامرات التي ورطها فيها جورج بوش، بل لعل من الأفضل لنا ولقضايانا أن نساعد على المزيد من تراخي القبضة الأميركية على المشهد الدولي، أكان بتكريس فشلها هنا وهناك، أم بفتح مجالات للتعاون مع القوى الكبرى الصاعدة مثل روسيا والصين والبرازيل ودول أميركا اللاتينية.
من الواضح أن أوباما يريدنا أن نحقق له الهدفين معا، فهو يريد منا مساعدته في حل معضلاته المتفاقمة، في ذات الوقت الذي يريدنا أن نبقى أسرى العلاقة مع بلاده بعيدا عن فتح مجالات تعاون مع القوى الكبرى المنافسة، والتي تسعى بدورها إلى دور ونفوذ في هذه المنطقة الحيوية من العالم.
في مواجهة إستراتيجية أوباما، ثمة عنوانان رئيسان على قوى المقاومة والممانعة التوقف عندهما، أولهما ذلك المتعلق بموقف واشنطن من الأنظمة العربية، إذ من الواضح أن الصفقة التي حكمت العلاقة بين تلك الأنظمة وبين الولايات المتحدة في مرحلة بوش الثانية ستبقى قائمة، أعني عدم الضغط عليها في مجال الديمقراطية والإصلاح مقابل الدفع من جيب قضايا الأمة الكبيرة في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال والسودان.
وفي حين تبدو قضية الإصلاح بالغة الأهمية بالنسبة لقوى الأمة الحية، فإن المطلوب هو تصعيد النضال السلمي داخل كل قطر من أجل دفع عجلة الإصلاح، بل التغيير الجذري إن أمكن ذلك، لا سيما بعد أن ثبت أن ديمقراطية الديكور القائمة لا تأتي بإصلاح حقيقي مهما رفع رقم "كوتا المعارضة" في مجالس النواب، ومن الضروري أيضا فضح الصفقة المذكورة للجماهير حتى تكون على بينة من أمرها.
العنوان الكبير الثاني هو المتعلق بقضايا الأمة الرئيسة، وأولها قضية فلسطين، وهنا يمكن القول إن مخطط أوباما للتسوية يستحق المواجهة، ولا ينبغي الركون إلى مقولات تشدد نتنياهو، وقد قال أوباما نفسه في لقاء صحفي عقب خطاب القاهرة إن هذا الأخير أقدر على صناعة السلام من قوى اليسار، لا سيما أن ما سيُعرض عليه سيكون مغريا إلى حد كبير، وسيحظى على الأرجح بغالبية في الداخل إذا انضم كاديما إلى الائتلاف الحاكم، كما سيحظى بدعم من قادة كبار في اللوبي الصهيوني داخل الولايات المتحدة.
عندما يتحدث أوباما عن حل الدولتين ينسى المهللون أنه طرح بوش وشارون، أما وقف الاستيطان فهو نداء زعماء أميركا منذ عقود لقادة الدولة العبرية بلا جدوى، لكن خطاب القاهرة استبطن من جهة أخرى مطلب تغيير المبادرة العربية، حين قال إنها ليست كافية، ما يعني شطب حق العودة والتطبيع المبكر، فكيف حين نعلم أن رئيس السلطة قد وافق عمليا على معظم النقاط الإشكالية في التسوية (شطب حق العودة، بقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة تحت بند تبادل الأراضي، السيادة المنقوصة)، والنتيجة أن التسوية ليست مستبعدة إذا وافق نتنياهو على منح السلطة حصة بسيطة في القدس الشرقية تقام عليها عاصمة الدولة، وبترتيبات طرف ثالث للمقدسات الإسلامية كما ذهب أحد وزراء السلطة.
مثل هذا الحل هو تصفية للقضية الفلسطينية، لأن دولته الفلسطينية العتيدة بائسة أيما بؤس، وقد تؤدي إلى رحيل الكثير من السكان نحو الأردن الذي يؤوي أغلبية اللاجئين، فضلا عن ترتيبات لا يمكن استبعادها لإلحاق الضفة الغربية به، لكن انتظاره يفعل ذات الشيء أيضا، فهو يعني كما ذهب أوباما "نبذ العنف" والاستمرار في تنفيذ البند الأول من خريطة الطريق، أي شطب المقاومة بالكامل وتكريس الدولة المؤقتة القائمة، بصرف النظر عن المدى الزمني الذي ستستغرقه المفاوضات.
لا بد من مواجهة صارمة لمثل هذا الحل، الأمر الذي لن ينجح من دون توافق قوى المقاومة، ومن ضمنها قطاعات من فتح على رفض ديمقراطية السلطة، بل حتى وجودها إذا اقتضى الأمر، ورفع شعار المقاومة حتى دحر الاحتلال دون قيد أو شرط عن الضفة الغربية، مع إدارة بالتوافق لقطاع غزة كقاعدة شبه محررة للمقاومة، وتجييش دعم شعبي عربي وإسلامي، مع ما تيسر من دعم رسمي لهذا المسار.
....
القضية الأخرى البالغة الأهمية هي قضية المواجهة مع إيران، وهنا يجدر التنبه إلى أن خطاب أوباما حيالها لم يأت بجديد، فهو يمد يدا ناعمة، لكن المطلوب هو ذاته (شطب الخيار النووي، ووقف دعم قوى المقاومة)، ولذلك ينبغي التصدي لمقولة الخطر الإيراني الذي يتقدم على خطر المشروع الصهيوني الأميركي، ليس لأنه محض تزوير على الأمة، حتى لو صح أن لإيران طموحاتها التي يمكن التصدي لها عربيا بطرق مختلفة، أو عبر تفاهم مع طهران على الملفات الإشكالية بين الطرفين، بل أيضا لأن أي هجمة عسكرية على إيران لن تكون في صالح الأمة، لا سيما إذا مضى البعض في لعبة الحشد المذهبي تحضيرا لتلك الهجمة.
...."
No comments:
Post a Comment