A Very Good Piece
"استقبلت اجهزة الاعلام عناق اياد علاوي ونوري المالكي، منذ أيام بالتغطية المستمرة والتحليل وما قد يكون عليه الواقع السياسي العراقي بعد لحظة التقارب ما بين علاوي ورئيس وزراء حكومة الاحتلال الرابعة. ولم تتطرق اجهزة الاعلام، في غمرة استغراقها في التفاصيل، الى السؤال الاهم وهو عن ماهية الفرق الجوهري بين الرجلين فيما يخص مستقبل العراق المرهون بالمعاهدة الامنية ومعاهدة الاطار الاستراتيجي. هل هناك فرق حقا بينهما وقد رحبا ووقعا، سوية، على المعاهدتين اللتين ستبقيان نيرا حول عنق كل عراقي لسنوات لم تحدد؟ هذا اذا نسينا ان علاوي هو الذي ساهم في أبشع مذبحة بشرية استخدمت فيها الاسلحة المحرمة دوليا في الفلوجة، بينما ساهم المالكي في ترسيخ الطائفية الى حد تهجير الملايين وتقسيم بغداد الى ما يزيد على الاربعين قطاعا طائفيا، محولا العاصمة الى سجن مقسم الى ردهات محاطة بجدران الكونكريت المسلح و1400 نقطة تفتيش ثابتة ومتحركة؟ وكأن الاثنين في حالة سباق مع الكيان الصهيوني لاثبات من هو المؤهل اكثر للفوز بلقب جزار الشعوب. ان ما يبدو من صراع بين المستخدمين المحليين هو صراع حول الحصص والضمانات بالحصانة من الملاحقات القانونية المترتبة على الجرائم والسرقات، وسجل كل منهم يفيض بها وموثق لدى المحتل لابتزازهم، في اللحظات المناسبة سياسيا. ولم يحدث، حتى الآن، ان دار الصراع حول برنامج عملي أو وطني، سواء بينهم من جهة او بينهم وبين ادارة الاحتلال من جهة اخرى.
ان تشدق علاوي والمالكي بالوطنية لا يعدو كونه، ازاء مآسي الواقع الحياتي وآخرها قتل المتظاهرين احتجاجا على انقطاع الكهرباء، رطانة لغوية يجيدها المتعاونون مع المستعمر بحكم التدريب اليومي على مدى سنوات الاحتلال السبع. كما باتوا يجيدون لعب ادوار الحرص على مستقبل العراق ووحدته وسيادته بينما وصلت امريكا وايران الى حد اختراق احشاء العراق بعد ان مزقت حدوده. ولا ننسى، هنا، القصف الايراني والتركي المستمر على الحدود ايضا.
بالمقابل، تواصل امريكا انسحابها العسكري التدريجي وبيع معداتها التي ستكلفها اموالا طائلة لنقلها الى امريكا او افغانستان، الى العراقيين، لتكرس بقاءها باشكال ستطبق من خلالها مفاهيم 'القوة الناعمة'، و'الالمام بثقافة البلد المضيف'. ولفهم معنى 'انسحاب القوات الامريكية' وفق المعاهدة الامنية وحسب تطبيل ادارة اوباما ومستخدميه العراقيين من الضروري قراءة خطاب الجنرال اوديرنو، الحاكم العسكري الامريكي للعراق، في 4 حزيران/يونيو من العام الحالي حيث تحدث بالتفصيل عمن وماذا سيبقى ومن هو صاحب القرار الحقيقي في العراق. يخبرنا اوديرنو (تمت ترقيته الى افغانستان للاستفادة من نجاحاته في العراق) عن ابقاء 50 ألف عسكري أمريكي 'غير مقاتل' كمستشارين ومدربين وداعمين للقوات العراقية البالغ عددها 250 ألف جندي وما يزيد على نصف مليون من الشرطة (هل تتذكرون الضجة حول ضخامة الجيش العراقي السابق ووجوب التخلص من عدده 'الهائل'؟)، بالاضافة الى 65 ألف متعاقد. ويزف اوديرنو الى العراق وعموم المنطقة اخبارا سارة حين يتحدث عن تخفيض عدد القواعد العسكرية من 126 الى 94. من بينها قواعد تعتبر من بين الاكبر في العالم، وثلاث قواعد جوية محصنة كالقلاع القروسطية، وهي: قاعدة بلد التي تعتبر الاكثر ازدحاما في العالم بعد مطار هيثرو. وتبلغ مساحتها 15 ميلا مربعا، وتضم 20 الف جندي. وقاعدة علي (طليل) الجوية، جنوب الناصرية ومساحتها 30 كيلومترا مربعا، وقاعدة الأسد، على مبعدة 120 ميلا غرب بغداد. بالاضافة الى قاعدة النصر، قرب مطار بغداد الدولي، وتضم 14 ألف جندي. وقاعدة ماريز في الموصل ورينيجيد قرب كركوك. وهي موزعة ضمن استراتيجية تتيح للقوات الامريكية التدخل السريع والمباشر. كما يجب الا ننسى ان السفارة الامريكية، في المنطقة الخضراء، ببغداد، التي تبلغ مساحتها اربعة اضعاف مساحة البنتاغون، هي بحد ذاتها قاعدة عسكرية. وتتواجد، في العراق، أكثر من 150 شركة أمنية اجنبية، تعمل بمنتهى الحرية في طول البلاد وعرضها، لم تسجل منها سوى نحو 25 شركة فقط، بحسب الوكيل الاقدم لوزارة الداخلية عدنان هادي الاسدي، في تصريح خاص لـ'الصباح' في 24 كانون الاول/ديسمبر 2009.
وستكون هناك على مدى 300 ميل الفاصلة بين 'المناطق المتنازع عليها' بين اقليم كردستان والموصل وكركوك، ما يطلق عليه اسم 'مواقع ثابتة' لوضع حد لتأجج 'النزاعات العرقية'، حسب التبرير الامريكي. ما الذي ستفعله كل هذه القوات بانواعها ومسمياتها وهل ستقتصر مهامها على ابداء المشورة للسياسيين العراقيين؟ يأتينا رد اوديرنو قائلا: 'اننا سندرب ونقدم الاستشارة ونواصل الاعمار ونعمل مع منظمات الامم المتحدة ونواصل العمليات المشتركة ضد الارهاب، أي سنفعل بعد ايلول/سبتمبر (تاريخ الانسحاب) ما نفعله الآن'. وتدل ملامح المستقبل المخيف بان 'العراق الجديد'، سيكون فضلا عن اخضاعه للسيطرة العسكرية وفرق 'الاعمار' التابعة للجيش الامريكي ومنظمات 'المجتمع المدني' بتمويلها الامريكي، سيوفر مساحة اكبر للعمليات الخاصة، تحت ذريعة 'محاربة الارهاب'. اذ يؤكد رقيب العمليات كورمييه اورايز الذي تم نقل فرقته الى العراق في 14 حزيران/ يونيو الماضي، بان مهمة فرقته لن تتغير بل وسيتوجب عليها القيام بمهام اضافية خاصة، اذ قال: 'سوف توفر أيضا قوات للرد السريع ... مع تقديم الدعم لوحدات العمليات الخاصة في جميع أنحاء العراق... ان مهمتنا لم تتغير حقا'.
وماذا عن تسليح الجيش العراقي بالطائرات مثلا؟ يقول اوديرنو بان 'ان الحكومة العراقية قدمت طلبا وسننظر فيه... علينا الحصول على موافقات، قد يستغرق الامر سنوات'. وكيف ستتعامل امريكا اذا ماحدث وتعرض العراق الى هجمات كبيرة؟ يقول اوديرنو: 'لدينا 50 الف جندي أمريكي وثلاثة ارباع مليون من القوات الامنية العراقية، ثم ان مركز وقوات القيادة المركزية ( سنتكوم) ليس بعيدا'.
ان الادارة الامريكية التي وجهت اليها المقاومة العراقية ضربة موجعة فشلت في تحقيق استراتيجيتها التوسعية في المنطقة وجعل العراق نموذجا يحتذى به في بقية الدول العربية والاسلامية. كما فشلت في تصفية المقاومة، وفي خلق قاعدة إجتماعية مأمونة لها تتيح لها السيطرة على مصدر الطاقة بالاضافة الى أزماتها الخانقة، الاقتصادية وغير الاقتصادية، وورطتها في أفغانستان. غير ان فشلها في مختلف الجوانب لايعني ان الانتصار والانسحاب الكلي لقواتها ومرتزقتها سيتم غدا، بل انه سيستغرق زمنا طويلا خاصة مع تواجد مستخدمي الاحتلال المخلصين الذين نمت مصالحهم السلطوية والذاتية مع تواجد الاحتلال ومع تزايد كفاءاتهم في التضليل والادعاء والفساد وتزييف الحقائق، وتوقيعهم (كما فعل علاوي والمالكي) عقود بيع الوطن لحماية انفسهم ومصالحهم.
ان ترحيب بعض المواطنين باية مبادرة كانت للتخلص من المآسي اليومية، مسألة طبيعية. فالكل متعب والكل يأمل بالوصول الى بر الامان، وكانت المشاركة في الانتخابات القشة التي حاول البعض التمسك بها طمعا في انقاذ ما يمكن انقاذه، الا ان نتائجها وصراع ساسة الاحتلال وتناثر رشاش قتالهم على المواطنين الابرياء يؤكد بان اختيار اهون الشرور لا يغني ولا يسمن. وان العملية السياسية اصبحت كالوباء بلا علاج. وان قيام حكومة وطنية تمثل ابناء الشعب جميعا، وتحفظ سيادة العراق المستقل، وكرامة المواطن وعزة نفسه، يتطلب ما هو أكثر من مجرد فعل التمني والقبول بالسيئ تفاديا للاسوأ. انه يتطلب استمرارية النضال ضد الاستعمار بكافة السبل الممكنة وخلق المبادرات الجديدة المستهدفة له بعد تغيره من مرحلة الاحتلال العسكري المباشر الى الاستعماري الجديد، المشرعن بمعاهدات طويلة الأمد، المستهدفة لبنية المجتمع وهويته والمتحكمة بموارده.
"
ان تشدق علاوي والمالكي بالوطنية لا يعدو كونه، ازاء مآسي الواقع الحياتي وآخرها قتل المتظاهرين احتجاجا على انقطاع الكهرباء، رطانة لغوية يجيدها المتعاونون مع المستعمر بحكم التدريب اليومي على مدى سنوات الاحتلال السبع. كما باتوا يجيدون لعب ادوار الحرص على مستقبل العراق ووحدته وسيادته بينما وصلت امريكا وايران الى حد اختراق احشاء العراق بعد ان مزقت حدوده. ولا ننسى، هنا، القصف الايراني والتركي المستمر على الحدود ايضا.
بالمقابل، تواصل امريكا انسحابها العسكري التدريجي وبيع معداتها التي ستكلفها اموالا طائلة لنقلها الى امريكا او افغانستان، الى العراقيين، لتكرس بقاءها باشكال ستطبق من خلالها مفاهيم 'القوة الناعمة'، و'الالمام بثقافة البلد المضيف'. ولفهم معنى 'انسحاب القوات الامريكية' وفق المعاهدة الامنية وحسب تطبيل ادارة اوباما ومستخدميه العراقيين من الضروري قراءة خطاب الجنرال اوديرنو، الحاكم العسكري الامريكي للعراق، في 4 حزيران/يونيو من العام الحالي حيث تحدث بالتفصيل عمن وماذا سيبقى ومن هو صاحب القرار الحقيقي في العراق. يخبرنا اوديرنو (تمت ترقيته الى افغانستان للاستفادة من نجاحاته في العراق) عن ابقاء 50 ألف عسكري أمريكي 'غير مقاتل' كمستشارين ومدربين وداعمين للقوات العراقية البالغ عددها 250 ألف جندي وما يزيد على نصف مليون من الشرطة (هل تتذكرون الضجة حول ضخامة الجيش العراقي السابق ووجوب التخلص من عدده 'الهائل'؟)، بالاضافة الى 65 ألف متعاقد. ويزف اوديرنو الى العراق وعموم المنطقة اخبارا سارة حين يتحدث عن تخفيض عدد القواعد العسكرية من 126 الى 94. من بينها قواعد تعتبر من بين الاكبر في العالم، وثلاث قواعد جوية محصنة كالقلاع القروسطية، وهي: قاعدة بلد التي تعتبر الاكثر ازدحاما في العالم بعد مطار هيثرو. وتبلغ مساحتها 15 ميلا مربعا، وتضم 20 الف جندي. وقاعدة علي (طليل) الجوية، جنوب الناصرية ومساحتها 30 كيلومترا مربعا، وقاعدة الأسد، على مبعدة 120 ميلا غرب بغداد. بالاضافة الى قاعدة النصر، قرب مطار بغداد الدولي، وتضم 14 ألف جندي. وقاعدة ماريز في الموصل ورينيجيد قرب كركوك. وهي موزعة ضمن استراتيجية تتيح للقوات الامريكية التدخل السريع والمباشر. كما يجب الا ننسى ان السفارة الامريكية، في المنطقة الخضراء، ببغداد، التي تبلغ مساحتها اربعة اضعاف مساحة البنتاغون، هي بحد ذاتها قاعدة عسكرية. وتتواجد، في العراق، أكثر من 150 شركة أمنية اجنبية، تعمل بمنتهى الحرية في طول البلاد وعرضها، لم تسجل منها سوى نحو 25 شركة فقط، بحسب الوكيل الاقدم لوزارة الداخلية عدنان هادي الاسدي، في تصريح خاص لـ'الصباح' في 24 كانون الاول/ديسمبر 2009.
وستكون هناك على مدى 300 ميل الفاصلة بين 'المناطق المتنازع عليها' بين اقليم كردستان والموصل وكركوك، ما يطلق عليه اسم 'مواقع ثابتة' لوضع حد لتأجج 'النزاعات العرقية'، حسب التبرير الامريكي. ما الذي ستفعله كل هذه القوات بانواعها ومسمياتها وهل ستقتصر مهامها على ابداء المشورة للسياسيين العراقيين؟ يأتينا رد اوديرنو قائلا: 'اننا سندرب ونقدم الاستشارة ونواصل الاعمار ونعمل مع منظمات الامم المتحدة ونواصل العمليات المشتركة ضد الارهاب، أي سنفعل بعد ايلول/سبتمبر (تاريخ الانسحاب) ما نفعله الآن'. وتدل ملامح المستقبل المخيف بان 'العراق الجديد'، سيكون فضلا عن اخضاعه للسيطرة العسكرية وفرق 'الاعمار' التابعة للجيش الامريكي ومنظمات 'المجتمع المدني' بتمويلها الامريكي، سيوفر مساحة اكبر للعمليات الخاصة، تحت ذريعة 'محاربة الارهاب'. اذ يؤكد رقيب العمليات كورمييه اورايز الذي تم نقل فرقته الى العراق في 14 حزيران/ يونيو الماضي، بان مهمة فرقته لن تتغير بل وسيتوجب عليها القيام بمهام اضافية خاصة، اذ قال: 'سوف توفر أيضا قوات للرد السريع ... مع تقديم الدعم لوحدات العمليات الخاصة في جميع أنحاء العراق... ان مهمتنا لم تتغير حقا'.
وماذا عن تسليح الجيش العراقي بالطائرات مثلا؟ يقول اوديرنو بان 'ان الحكومة العراقية قدمت طلبا وسننظر فيه... علينا الحصول على موافقات، قد يستغرق الامر سنوات'. وكيف ستتعامل امريكا اذا ماحدث وتعرض العراق الى هجمات كبيرة؟ يقول اوديرنو: 'لدينا 50 الف جندي أمريكي وثلاثة ارباع مليون من القوات الامنية العراقية، ثم ان مركز وقوات القيادة المركزية ( سنتكوم) ليس بعيدا'.
ان الادارة الامريكية التي وجهت اليها المقاومة العراقية ضربة موجعة فشلت في تحقيق استراتيجيتها التوسعية في المنطقة وجعل العراق نموذجا يحتذى به في بقية الدول العربية والاسلامية. كما فشلت في تصفية المقاومة، وفي خلق قاعدة إجتماعية مأمونة لها تتيح لها السيطرة على مصدر الطاقة بالاضافة الى أزماتها الخانقة، الاقتصادية وغير الاقتصادية، وورطتها في أفغانستان. غير ان فشلها في مختلف الجوانب لايعني ان الانتصار والانسحاب الكلي لقواتها ومرتزقتها سيتم غدا، بل انه سيستغرق زمنا طويلا خاصة مع تواجد مستخدمي الاحتلال المخلصين الذين نمت مصالحهم السلطوية والذاتية مع تواجد الاحتلال ومع تزايد كفاءاتهم في التضليل والادعاء والفساد وتزييف الحقائق، وتوقيعهم (كما فعل علاوي والمالكي) عقود بيع الوطن لحماية انفسهم ومصالحهم.
ان ترحيب بعض المواطنين باية مبادرة كانت للتخلص من المآسي اليومية، مسألة طبيعية. فالكل متعب والكل يأمل بالوصول الى بر الامان، وكانت المشاركة في الانتخابات القشة التي حاول البعض التمسك بها طمعا في انقاذ ما يمكن انقاذه، الا ان نتائجها وصراع ساسة الاحتلال وتناثر رشاش قتالهم على المواطنين الابرياء يؤكد بان اختيار اهون الشرور لا يغني ولا يسمن. وان العملية السياسية اصبحت كالوباء بلا علاج. وان قيام حكومة وطنية تمثل ابناء الشعب جميعا، وتحفظ سيادة العراق المستقل، وكرامة المواطن وعزة نفسه، يتطلب ما هو أكثر من مجرد فعل التمني والقبول بالسيئ تفاديا للاسوأ. انه يتطلب استمرارية النضال ضد الاستعمار بكافة السبل الممكنة وخلق المبادرات الجديدة المستهدفة له بعد تغيره من مرحلة الاحتلال العسكري المباشر الى الاستعماري الجديد، المشرعن بمعاهدات طويلة الأمد، المستهدفة لبنية المجتمع وهويته والمتحكمة بموارده.
"
No comments:
Post a Comment