Friday, November 11, 2011

عن الممانعة والاعتدال ومشهد المنطقة المركب



A VERY GOOD PIECE

"دعونا نعترف أننا إزاء مشهد مركب تعيشه منطقتنا العربية والشرق الأوسط عموما، وهو يحتمل الخلاف بهذا القدر أو ذاك، وإن اعتمد الأمر على طبيعة النوايا، إذ يتوزع من يأخذون هذا الموقف أو ذاك بين من يجتهدون لما يرونه مصلحة الأمة، ومن يتخذون المواقف لاعتبارات قطرية أو طائفية أو مذهبية أو إقليمية أو حزبية لا صلة لها بالقيم ولا بالمبادئ التي يرفعونها تبريرا لمواقفهم.
.....
باندلاع الثورة السورية أخذ الجدل يحتدم أكثر فأكثر، فالشارع العربي الذي وقف إلى جانب معسكر المقاومة والممانعة رغم محاولات ثنيه عن ذلك عبر إثارة الحساسيات الطائفية، لم يجد بدا من مساندة إخوانه السوريين في تطلعهم للحرية، تماما كما فعل مع إخوانه المصريين والتونسيين واليمنيين والليبيين، لكن انحراف الوضع نحو الخطاب الطائفي كان طبيعيا إلى حد كبير، ليس فقط لأن أصابع السياسة كانت واضحة في سياق الحشد، وبالطبع لأن هناك دولا عربية تبدو معنية بذلك من أجل التخويف من إيران ومن الشيعة حتى يكف مواطنها عن المطالبة بالإصلاح السياسي، وإنما أيضا لأن ردة فعل النظام كانت عنيفة ودموية إلى حد كبير.

طبعا كانت رعونة إيران، وكثير من القوى الشيعية في علاج ملف البحرين واضحة (عبر جعله أولوية كبرى رغم ضعف الحراك الذي لا يخفي عدالة الكثير من مطالبه)، وساهمت بقوة في الحشد المذهبي، والسبب أن عاقلا لا يمكنه التبشير بإمكانية إسقاط النظام في البحرين (بشكل مباشر أو غير مباشر) في ظل المعادلة الخليجية والإقليمية القائمة (دعك من الدولية ووجود الأسطول السادس)، وكان بالإمكان تأجيل هذا الملف لبعض الوقت، أو التعامل معه بمنطق مختلف ريثما تتغير الأوضاع عربيا نحو معادلة مستقرة تعلي من شأن المواطنة والتعددية بعيدا عن الحساسيات المذهبية. واللافت هنا أن جمعية الوفاق التي تقود حركة الاحتجاج الشيعي في البحرين كانت أكثر عقلانية في خطابها من إيران والقوى الشيعية في الخارج.

ومع استمرار الحشد الطائفي جاء الموقف الإيراني المناهض لثورة الشعب السوري، ومعه موقف حزب الله، وتاليا موقف الحكومة العراقية الواقعة تحت هيمنة القوى التابعة لإيران من الناحية العملية ليزيد في أجواء الحشد الطائفي، وليلقي بمقولات المقاومة والممانعة في مؤخرة العقل الجمعي للجماهير، بينما كانت تركيا تسجل اختراقا كبيرا في المنطقة بخطاب أردوغان القوي حيال الكيان الصهيوني بعد قصة سفينة مرمرة، وقد حدث ذلك رغم أننا إزاء دولة عضو في الحلف الأطلسي وتقيم علاقات سياسية وأمنية وعسكرية مع دولة العدو (قطعت الأمنية والعسكرية). وجاء موقف الحكومة التركية من الملف السوري ليزيد في الحضور التركي في الأوساط الشعبية مقابل خسائر كبيرة لإيران وحزب الله وحشد طائفي يتصاعد بالتدريج.

اليوم، وفي مقابل موقف تركي محسوم من النظام السوري، مع تردد عربي وآخر غربي لم يذهب بعيدا في مطاردة النظام، يحضر الموقف الإيراني الداعم له (بلا حدود) بالمال والسلاح، إلى جانب آخر عراقي يقدم المدد اللافت، لاسيما بعد سيطرة الحكومة العراقية على الأجواء، فضلا عن سيطرة حزب الله العملية على الحكومة اللبنانية.

في ضوء ذلك كله لا يشعر نظام الأسد بقرب النهاية، لا سيما أن إستراتيجيته في القتل والاعتقال بالتقسيط، مع الانتشار الكثيف للجيش والأجهزة الأمنية، لا زالت تؤتي أكلها في تخويف الناس والحيلولة دون المسيرات الضخمة (هنا يكمن سر فشل المبادرة العربية لأن توقف آلة القتل سيخرج الناس بالملايين إلى الشوارع ما يدحرج الموقف نحو إسقاط النظام)، فضلا عن حقيقة أن الحشد الطائفي قد منحه تأييد كتلة كبيرة من السكان الخائفين من البديل، بخاصة العلويين والدروز والمسيحيين.

ضمن هذه الأجواء انقسم الناس، ومالت الغالبية الساحقة من الجماهير العربية إلى تأييد الثورة في سوريا رغم وقوفها السابق مع تيار المقاومة والممانعة، ليس فقط بسبب ميلها الفطري لمطالب الحرية والتعددية بعد زمن طويل من القمع، بل أيضا بسبب السمة الطائفية للجزء الأكبر من حالة التأييد للنظام السوري، معطوفا على تأييد أقليات أخرى (مواقف الجنرال عون والبطريرك الماروني مثالا).

هنا أخذ مؤيدو النظام يصرخون بأن محور المقاومة والممانعة في خطر وأنه يتعرض لمؤامرة، فيما رأى الآخرون أن سقوطه سيوفر الأجواء لاستمرار الثورات العربية، وصولا إلى وضع يسيطر فيه المزاج الشعبي المنحاز ضد الإمبريالية الأميركية والغطرسة الصهيونية على المنطقة، الأمر الذي سيغير ميزان الصراع برمته، مستدلين على ذلك بالذعر الذي يجتاح الأوساط الصهيونية، فضلا عن حقيقة أن محور المقاومة لم يكن يتقدم كثيرا في صراعه مع العدو بسبب وجود المحور الآخر، وبسبب حسابات أنظمته الكثيرة والمعقدة.
صحيح أن الوضع الجديد سيحتاج بعض الوقت حتى يتبلور. وصحيح أن بعض قوى المعارضة المنخرطة في الربيع العربي تمارس بعض الغزل مع أميركا والغرب (لم يعد الموقف الغربي موحدا، كما لم تعد أميركا بقوتها القديمة)، لكن الثورات العربية لن تفرز في نهاية المطاف غير قوىً تطلب ود الشارع الذي يثق المخلصون ببوصلته الصائبة في رفض الإملاءات الخارجية، والأهم بتصديه للعدوان الأجنبي، خاصة الصهيوني على الأمة.

المعادلة هي إذن بين من يثقون بأن الجماهير التي فجرت هذه الثورات بروحية المقاومة التي استلهمتها من فلسطين والعراق ولبنان، لن تكون في معسكر غير معسكر الوحدة والمقاومة للغطرسة الخارجية، ولن تسمح بسرقة ربيعها مهما كان الثمن، وبين الفريق الآخر الذي يثق في نظام بشار الأسد الدكتاتوري الفاسد ومؤيديه على أسس طائفية، ومعهم الحالمون بالتمدد والنفوذ كما هو حال إيران، ويعد هم الأكثرين حرصا على فلسطين وقضايا الأمة، ومن هؤلاء فريق تعشش فيه روح المؤامرة ويرى أن أميركا هي رب الكون الذي يحركه كيف يشاء.

نحن مع الفريق الأول من دون تردد، وبالطبع لأن نثق بالروح الجمعية للأمة أكثر من أي نظام مهما كان، كما نثق بقدرة الشعوب على الفعل وإفشال مخططات الأعداء، ولكل بعد ذلك أن يختار معسكره ويحدد موقفه في ظل اختلاط المواقف وارتباك الرؤى وتعقيدات المشهد
."

No comments: