إن هذا الشعور المرضي ( بفتح الميم والرّاء ) بالتفوق من جهة ، والرغبة اللاحقة في حماية إسرائيل ودعمها ، من جهة أخرى ، قد أعمى بصر وبصيرة الكثير من حكام ، دول الشمال المتطورة ، وجعلهم لايخجلون من ممارستهم إخفاء الحقائق ( الكذب ) حتى عن شعوبهم ، كما رأينا في موضوع أسلحة الدمار الشامل ، التي برر بها كل من بوش وبلير وغيرهما من القادة الأوربيين احتلالهم للعراق عام 2003 ، والتي أصبح الجميع الآن يعرف حقيقة عدم وجودها .
إن مما يؤلم ويؤسف له في هذا الموضوع ، أن قوى ومجموعات متعددة من كل من اليسار واليمين الأوروبي والأمريكي قد وقفت إلى جانب أنظمتها في تمرير تلك الأكذوبة الحمراء . بل إنها ماتزال حتى اليوم تساند حكوماتها فيما يتعلق بتاييد ودعم الكيان الصهيوني ، على حساب حق ستة ملايين فلسطيني أو أكثر يعيشون في الشتات بعيداً عن وطنهم وبيوتهم التي أجبروا على تركها بقوة السلاح .
إن وعي ، ولاوعي مواطني الدول الغربية ( السندان ) ، بات ــ مع الأسف ــ مسكونا اليوم ، بجملة من الأضاليل التي غرستها في عقولهم وقلوبهم الفئات الراسمالية ( الديموقراطية ) الحاكمة ، والتي أبرزها :
ــ عدم رؤيتهم لحق الشعب الفلسطيني ، في رؤيتهم الثابتة في أن إسرائيل دوماً على حق ، وأن خصومها
دوماً على باطل ،
ــ عدم رؤيتهم " ازدواجية المعايير " في سلوك حكوماتهم ، ( مع الديموقراطية هنا ومع الديكتاتورية هناك /
نعم للديموقراطية التي تأتي بأ تباعنا ، ولا للديموقراطية التي تأتي بخصومنا !!) ،
ــ عدم رؤيتهم البعد الإمبريالي المصلحي في في دفاع حكوماتهم عن بعض الأقليات الاجتماعية في بعض
البلدان ، على قاعدة " كلمة حق يراد بها باطل " ،
ــ عدم توقفهم عند الممارسات الوحشية والدموية التي يمارسها الموالون لإسرائيل من الحكام العرب ، كما
هي الحال في " سورية الأسد !! " منذ اندلاع ثورة الحرية والديموقراطية في آذار 2011 .
3.
في هذا المناخ السياسي والاعلامي الرمادي الملتبس ، وذي الوجهين ، تجد الثورة السورية ، والمعارضة السورية نفسيهما بين فكّي كماشة الداخل والخارج ، المطرقة والسندان ، أي عملياً الاستبدادين : الداخلي والخارجي .
إن المستوى العالي ، من التكتيك المنظم والمدروس بدقة وعناية ، بين النظام الوراثي الموالي لإسرائيل والغرب في دمشق من جهة ، وكلاًّ من الدول الغربية ( أوروبا وأمريكا ) وأتباعهما من المنحازين إلى إسرائيل في العالم من جهة أخرى ، قد أربك المعارضة السورية ، والثورة السورية ، بحيث أخذت تختلط لدى العناصر الميدانية فيهما ، وخاصة عناصر الداخل ، المواقف التكتيكية مع المواقف الاستراتيجية ، وبالتالي المواقف النظرية والإعلامية مع المواقف العملية الملموسة لهذه الدول ( الديموقراطية !) ، ولا سيما بعد أن بلغت حصيلة الشهداء في سورية قرابة العشرة آلاف شهيد ، إضافة إلى مئات ألوف الجرحى ، والمعوقين والمفقودين ، وأيضاً المعتقلين الذين تم تعذيب المئات منهم بطرق وحشية بلغت حدّ الموت !! ، أي أنه لم يعد ممكناً ولا مجدياً بالنسبة إليهم الإستمرار في النظر إلى الأمور نظرة إحصائية محايدة ، بل إن لسان حالهم بات ( اللي بوكل العصي مو مثل اللي بعدها // من يتلقى الضربات ليس كمن يقتصر دوره في إحصائها ) .
4.
إن المنازلة الإعلامية / الكلامية ، بين نظام عائلة الأسد وحماته ، وبين إسرائيل وحماتها ، لاتعدو بنظرنا أن تكون نوعاً من " التكتيك " السياسي الذي يمارسه الطرفان ، لإخفاء البعد الاستراتيجي لعلاقتهما الحقيقية. تلك
العلاقة التي فضحها ويفضحها :
ــ سكوت النظام السوري على احتلال إسرائيل لهضبة الجولان منذ عام 1967 وحتى اليوم ،
ــ اشتراك حافظ الأسد في الحلف الثلاثيني عام 1991 ( عاصفة الصحراء الأمريكية ) ضد العراق الشقيق ،
ــ إعلان حافظ الأسد في مجلس الشعب السوري قبيل انعقد مؤتمر مدريد في 30 أكتوبر 1991 أن خيار
السلام مع " إسرائيل" أصبح هو الخيار السوري الاستراتيجي ، وغلّفه بشعار " الأرض مقابل السلام "
ولما كانت الأرض المعنية هنا هي هضبة الجولان ، فإن حافظ الأسد يكون بذلك قد تخلى عملياً ورسمياً عن
القضية الفلسطينية ،
ــ الموقف الرمادي الحرباوي والتدليسي من الاحتلال الأمريكي ـ الإيراني للعراق عام 2003 ، ومن حكومة
المالكي ، حكومة المحاصصة الطائفية القابعة في المنطقة الخضراء .
إن هذه العلاقة بين الاستبدادين الداخلي ( عائلة الأسد وحماتها) ، والخارجي ( أمريكا وأتباعها ) وبمستوييها الإثنين : التكتيكي والاستراتيجي ، هو مايجسد بالنسبة لكل من الثورة السورية والمعارضة السورية مادعوناه
بالمطرقة والسندان ، أو بفكي الكماشة اللذين يحاولان احتواء ثورة آذار 2011 المجيدة ، ولكن الكاتب ، انطلاقاً من ثقته بأن النصرلابدّ أن يكون حليف الشعوب والمستضعفين ، مهما طال الزمن وعظمت التضحيات ، يكاد يرى بأم العين والقلب ، الانهيار القريب للنظام الديكتاتوري العائلي في دمشق ، نظام بشار الأسد وعائلته ، وقيام النظام الوطني الديموقراطي التعددي والتداولي على أنقاضه ، وعندها ستعود علاقات الوئام والمحبة بين الجميع ، وئام ومحبة لايفسدهما الاختلاف بين الرأي والرأي الآخر بين أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة .
No comments:
Post a Comment