Saturday, August 25, 2012

يقدم قراءة ماركسية عربية للثورة السورية: جلبير الأشقر: الحرب الأهلية لا تعني حربا طائفية ومواقف اليسار خطب في الصحراء


A GOOD INTERVIEW WITH GILBERT ACHCAR

يقدم قراءة ماركسية عربية للثورة السورية: جلبير الأشقر: الحرب الأهلية لا تعني حربا طائفية ومواقف اليسار خطب في الصحراء

عدي الزعبي

"لندن 'القدس العربي' في هذه المقابلة، التي نخصصها للثورة السورية، يقدّم البروفيسور في 'معهد الدراسات الشرقية و الإفريقية' في جامعة لندن، جلبير الأشقر، قراءته كماركسي عربي للثورة السورية. حيث يرى أن كل من يعتبر نفسه يسارياً، لا يجوز إلا أن يكون إلى جانب الشعب السوري في نضاله ضد الاستبداد. و يؤكد أن المقاومة الشعبية باتت السبيل الوحيد إلى انتصار الثورة السورية.
يخشى بعض اليساريين من أسلمة الثورة السورية، مما دفع بهم إلى معاداتها في بعض الأحيان، أو إلى عدم الوقوف إلى جانبها. ما هو برأيك كماركسي الموقف الذي يجب اتخاذه من الثورة السورية؟
بالطبع، كل من يؤمن بالديمقراطية، و الديمقراطية تقتضي العلمنة بشكل بديهي، يخشى من وصول قوى دينية أصولية تستمد مرجعياتها من نصوص مقدّسة، وليس من سلطة الشعب. نخشى أن تتحول الانتفاضة العربية الكبرى، التي علقنا عليها آمالا كبيرة، إلى ردة رجعية. و هناك نموذج تاريخي لذلك، هو الثورة الإيرانية التي بدأت كثورة ديمقراطية، ولكنها تحولت إلى دولة أصولية. وهذه الخشية طبيعية لمن يؤمن بالديمقراطية. أضف إلى ذلك ان القوى الأكثر استعداداً لتولي السلطة في هذه المرحلة هي القوى الدينية، بعد غياب وتغييب القوى القومية و اليسارية. ولكن أنا متفائل، بالرغم من كل ما نشهده. حيث هناك فارق ضخم بين وصول الخميني للسلطة، وبين وصول الإسلاميين إليها في الانتفاضة العربية. فالخميني كان زعيم الثورة الإيرانية، وقائداً فعلياً لها، وهذا لا ينطبق على الحركات الإسلامية. فهي لم تحرك الثورات العربية، بل التحقت بها. كما أن وصولها للسلطة يترافق مع شيوع الروح النقدية في أقصى درجاتها لدى الشعب عموماً والشباب خصوصاً كما نرى في كل من تونس ومصر.
من ناحية ثانية، نحن لسنا أمام ثورة مكتملة، بل أمام سيرورة ثورية طويلة الأمد، قد تدوم سنوات عديدة، تحركها تناقضات سياسية اجتماعية - اقتصادية متمثلة في عوائق التنمية الأساسية. هذه العوائق مرتبطة بطبيعة النظام السياسي - الاجتماعي القائم، وليس بقشرة الفساد فحسب التي يشير إليها الجميع. والحال أن الحركات الإسلامية ليس لديها برنامج جدي لتغيير ذلك، بل يبدو واضحاً من برامجها أنها تعتنق النيوليبرالية شأنها في ذلك شأن الأنظمة القائمة أو الساقطة. ولهذا السبب ستستمر السيرورة إلى حين الوصول إلى حل لهذا التناقض.
هل نستطيع تقديم قراءة طبقية للثورة السورية؟
إذا كنت تقصد قراءة الثورة السورية على أنها صراع طبقات صافٍ كالصراع بين العمال و البرجوازية، فلا. المعركة في سوريا هي ضد استبداد وراثي. والحراك يجمع عمالا وفلاحين وبرجوازيين صغارا وحتى أطيافا من البرجوازية. الثورة السورية ثورة ديمقراطية بالدرجة الأولى في مرحلتها الراهنة، في إطار من زخم يحركه التناقض الاقتصادي - الاجتماعي الذي ذكرته. أما حل ذلك التناقض في المدى البعيد فلا يتم إلا بإسقاط التركيبة الطبقية القائمة، واعتماد سياسات تنموية محورها الدولة لكن في إطار شعبي ديمقراطي وليس دكتاتورياً كما كان في الستينات.
مع التخلص من الاستبداد، سوف تظهر الانشقاقات الطبقية في السيرورة الثورية لا محال. أما الآن، فيريد الشعب بكافة مكوناته الطبقية التخلص من الاستبداد. و كل من يعتبر نفسه يسارياً، لا يمكن إلا أن يكون إلى جانب الشعب السوري في نضاله ضد الاستبداد.
كان لك رأي يؤكد على حتمية العسكرة منذ فترة مبكرة. لماذا؟
أنظر إلى مصر و تونس، حيث نجحت ثورات سلمية. جاءت الدعوة لتحركات 25 يناير في مصر تتويجاً لإضرابات عمالية عارمة ولاحتجاجات سياسية خاضتها أطراف كحركة كفاية مع وجود هام في الشارع لقوى المعارضة الدينية المنظمة. فكانت تظاهرات 25 يناير الشرارة التي فجرت برميل البارود، لكن النضالات السابقة هي التي شكلت برميل البارود هذا الموجود سلفاً. أما في سوريا، فالقمع الشديد كان السبب الرئيسي في تأخر وصول الحراك إلى المدن الرئيسية، حيث لم يكن هناك أي تراكم مسبق من إضرابات وتحركات على طراز مصر أو تونس، وليس بسبب موالاة تلك المدن للنظام كما زعم بعض الناس. فسبب تأخر وصول الثورة إلى دمشق وحلب، ليس أهمية قاعدة النظام الاجتماعية في المدينتين بقدر ما هو الانتشار الكثيف لقوى القمع فيهما وغياب تراكم النضالات المسبق. نأتي هنا لموضوع العسكرة.
أنا لا أحبّذ العسكرة ، بل أفضل السيرورات الثورية السلمية. فالعسكرة تؤدي إلى تدمير هائل، وميل إلى الانحطاط في جانب المعارضة، وتهدد الديمقراطية الناشئة، لأن التنظيمات العسكرية غالباً ما تكون لا ديمقراطية. ولكن، ومنذ فترة مبكرة كما أنت ذكرت، نوّهت بأنه لا مفرّ من عسكرة الثورة السورية. مع بدايات تشكل مجموعات الجيش الحر، دعا أعضاء في المجلس الوطني لتدخل عسكري خارجي مباشر يتيح التحكم بالعسكرة، وهي دعوة خطيرة أعارضها، في حين دعا آخرون، خصوصاً في هيئة التنسيق، إلى حصر الحراك بالنضال السلمي مع إدانة للعسكرة. وقد كان كلا الرأيين ينم عن قصور استراتيجي في نظري. فالنظام السوري يختلف اختلافاً جذرياً عن مصر وتونس. في سوريا وقبلها في ليبيا يوجد ارتباط عضوي بين المؤسسة العسكرية والعائلة الحاكمة. أما في مصر وتونس فمبارك وبن علي هما إبنا المؤسسة العسكرية وليسا أربابها. إعادة تركيب الدولة، وبالأخص قواها المسلحة، من قبل القذافي وحافظ الأسد، جعلت إسقاط النظامين سلمياً وهماً خالصاً. فحافظ الأسد أعاد بناء القوى المسلحة السورية على أسس طائفية معروفة. وقولنا هذا ليس إدانة لطائفة معينة، بل فضح لطائفية النظام. والمطلوب ليس استبدال طائفية بأخرى، بل إعادة بناء الدولة على أسس لا طائفية.
لا يمكن المراهنة على تخلي وحدات النخبة العسكرية عن الطاغية في بلدان كسوريا وليبيا. ولا يمكن إسقاط النظام سلمياً في مثل هذه البلدان. فالثورات كنضالات التحرير الوطني لا يمكنها جميعاً أن تحرز الانتصار بشكل سلمي. والاستراتيجية لا تُبنى على ما يتمنى المرء، بل على ادراك لطبيعة الدولة. لذا قلت منذ البداية إن إسقاط النظام السوري لن يتم إلا باكفاح المسلح.
أما الدعوة للتدخل الخارجي فهي خطيئة. و قد عددت مخاطرها في مداخلتي في إجتماع المعارضة في ستوكهولم ومقالي المنشور في جريدة الأخبار البيروتية. والحال أن بعض تلك المخاطر قد حدت بالدول الغربية نفسها إلى رفض العسكرة بالأساس. والحكام الغربيون ممتعضون ومتخوفون اليوم من امتداد تنظيم القاعدة في سوريا. وإذا بدأوا يفكرون الآن بالتدخل المباشر، فليس كرمى لعيون الشعب السوري، بل فقط لتخوفهم من أمثال القاعدة. في ليبيا أيضاً، كان سبب تدخلهم خوف مماثل من إنفلات الأمور، ومحاولة للسيطرة على عملية التغيير. وقد فشلت المحاولة.
ثم هناك وهم ثالث في سوريا، أميركي المصدر، يتمثل في محاولة طرح ما سمي بالحل اليمني، كما دعا إليه أوباما وغيره. هذا يعني عقد اتفاق مع عراب الأسد الرئيسي، أي روسيا، كي تزيحه مثلما أزاح العرّاب السعودي علي عبدالله صالح. وهذا وهم. كما ذكرنا سابقاً، أجهزة الدولة المركزية مرتبطة عضوياً بالعائلة الحاكمة في سوريا وبالتركيبة الطائفية، وليس وارداً أن تتخلى عن السلطة بدون أن تُهزم حتى لو جرى تنفيذ مسرحية انسحاب بشار الأسد مثلما تم في اليمن مع علي عبدالله صالح.
الأوهام الثلاثة سببها القصور الاستراتيجي في قراءة الواقع، والفوارق بين سوريا من جهة، ومصر وتونس وحتى اليمن، من جهة أخرى. وقد أدى هذا القصور إلى تقاعس المعارضة السورية عن المبادرة إلى تنظيم العسكرة على أسس سليمة. وفي نهاية المطاف، لن تنجح الديمقراطية في سوريا إلا بكسر جهاز السلطة، أي بتفكيك القوى العسكرية وإعادة تركيبها على أسس مغايرة لا طائفية ولا دكتاتورية.
يرى البعض أن العسكرة سوف تؤدي إلى حرب أهلية. هل دخلت سوريا مرحلة الحرب الأهلية؟
بالطبع، ومنذ أشهر عديدة. لكن الحرب الأهلية لا تعني الحرب الطائفية. الحرب الأهلية هي أي صراع مسلح بين أهل المجتمع الواحد كالحرب الأهلية في إسبانيا الثلاثينات، أو فرنسا بعد ثورة 1789، أو روسيا بعد ثورة 1917. فليست الحروب الأهلية بالضرورة حروباً طائفية أو دينية. لذلك عندما وصفتُ بالحرب الأهلية قبل أكثر من سنة ما سوف يجري لا محال في سوريا، لم أقصد حرباً طائفية، بل كنت أشير إلى حتمية الصدام العسكري الذي بدونه لا سبيل إلى إسقاط النظام السوري.
من ناحية أخرى، فالنظام سعى ويسعى لإشعال حرب طائفية، يساعده بعض القوى الرجعية في المعارضة. فقد رأينا كيف اتهم النظام منذ اليوم الأول جماعات سلفية أو القاعدة بتحريك الثورة. وفي تلك الدعاية رسالة مزدوجة، للأقليات من جهة، وللسنة العاديين الذين يرفضون الوهابية من جهة أخرى، ناهيك بالرسالة الثالثة الموجهة إلى الدول الغربية. في الواقع، كلما طال أمد الصراع، كلما زاد زخم القوى الطائفية. ولا بد لتدارك الانجرار إلى المنطق الطائفي من خلال تبنّي المعارضة لموقف صارم من الدعوات الطائفية. في المقابل، جاءت الدعوة لسلمية الحراك بحجة التحذير من الطائفية، على طريقة بعض اليسار السوري، مترافقة مع الدعوة إلى حوار مع النظام. وكان واضحاً بالأساس أن هذه الدعوات لن تحقق شيئاً. كان ينبغي أن يكون للقوى اليسارية موقف جذري منذ بداية الحراك، أي الدعوة لإسقاط النظام وليس للحوار الموهوم معه. مع احترامي العميق وصداقتي لبعض مناضلي اليسار السوري، إلا ان مواقفهم كانت وما تزال خطباً في الصحراء.
من ناحية أخرى، ألا تؤدي عسكرة الثورة إلى تغييب الطابع الجماهيري السلمي؟
لقد سبق وقلت إن المعضلة الاستراتيجية الرئيسة للثورة السورية هي كيفية الجمع بين الحراك الجماهيري السلمي والكفاح المسلح. فمن غير المعقول، في تركيبة نظام كالنظام السوري، أن يستمر النضال سلمياً إلى الأبد. هذا يعني الدعوة لاستمرار نحر المتظاهرين السلميين كالخراف بشكل يومي. وهذه معضلة كلاسيكية في الثورات الشعبية ضد أنظمة استبدادية لا تتردد في القتل. فيتحتم خلق ذراع مسلحة للثورة تحمي الحراك السلمي، وتمارس حرب عصابات ضد قوى السلطة وشبيحتها. أما الانزلاق إلى حرب طائفية فمن شأنه أن يؤدي إلى إطالة أمد الصراع وتوسيع قاعدة نظام الأسد بدل تضييقها. الحل هو في بناء شبكات مقاومة شعبية تتبنى ميثاقاً ديموقراطياً ينبذ الطائفية وقد رأينا بوادر ذلك. هذا أمر مصيري بالنسبة لمستقبل الثورة والدولة في سوريا.
"

No comments: