شهدت مناطق عدّة من شمال سورية مواجهاتٍ عنيفة بين فصائل إسلاميّة وكتائب من الجيش الحرّ من جهة، وتنظيم دولة الإسلام في العراق والشام "داعش" من جهةٍ أخرى. حصل ذلك إثر تجهّز "داعش" لاقتحام مدينة الأتارب ومعبر باب الهوى في ريف حلب الغربي؛ وهما منطقتان تسيطر عليهما المعارضة منذ أكثر من عام، الأمر الذي دفع فصائل منضوية في جيش المجاهدين إلى مهاجمة مقارّ داعش (3 كانون الثاني / يناير 2014) في الأتارب، وفي الأحياء الغربية لمدينة حلب. ولم تمض ساعات حتى أعلنت جبهة ثوّار سورية مشاركتها؛ فاقتحمت غالبية مقارّ "داعش" في ريف إدلب. وشاركت فصائل من الجبهة الإسلامية، فحاصرت مقرّ داعش الرئيس في محافظة إدلب (بلدة الدانا)، واشتبكت معه في ريف حلب الشمالي والغربي، والرقّة. ونتيجة لذلك، انسحب مقاتلو "داعش" إلى الرقّة وأعادوا تجمّعهم هناك، وقاموا بهجوم مضادّ استخدموا فيه السيارات المفخّخة والعمليات الانتحارية؛ لإعادة السيطرة على المناطق التي فقدوها. وكان التنظيم أصدر بيانًا يوم 4 كانون الثاني / يناير 2014 أمهل فيه الفصائل التي تحاربه 24 ساعة لإيقاف الهجمات ضدّه، ورفع الحواجز أمام حركة مقاتليه، وإطلاق جميع أسراه، وهدّد بالتصعيد والانسحاب من جبهات القتال مع النظام في حلب (الشيخ سعيد، والنقارين).
المعركة المؤجّلة
لم تكن الحركات الجهادية مهتمّة بالثورة السوريّة في مرحلة الاحتجاجات السلميّة، كونها تعتمد برأيهم "تقليد ومواءمة" الثورات العربيّة الأخرى في أسلوبها وأهدافها الديمقراطية، وهو ما لا يتوافق مع أفكار الجهاديين وأهدافهم. لكن انتقال الثورة إلى مرحلة العسكرة شجّع هذه الحركات على المشاركة في القتال تحت مبرّرات دينية وفقهية، مثل "دفع الصائل". وقد ساهم عنف النظام وميليشياته، وغياب إجراءات دولية رادعة ضدّه، في غضّ الطرف شعبيًّا عن مشروعه الخاص، والذي لا يتقاطع مع أهداف الثورة إلا في عداء النظام، فانتقلت هذه الحركات من طرف غير مرغوب في مشاركته بداية الثورة، إلى فاعل مرحّب به في قتال النظام.
تعود بداية الصدام بين الجهاديّين وفصائل المعارضة إلى شهر نيسان / أبريل 2013؛ فبعد أن أعلن زعيم تنظيم دولة العراق الإسلامية أبو بكر البغدادي في 9 نيسان/ أبريل 2013 اندماج فصيله والنصرة في جسم واحد سمّاه "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، انضمّ غالبية المقاتلين الأجانب (المهاجرون) إلى التنظيم الجديد، و"بايعوه" أميرًا عليهم، وهاجموا مقارّ "جبهة النصرة" في حلب وإدلب والرقّة، واستولوا عليها بالقوة. ومنذ ذلك الحين، بدأ "داعش" الاستيلاء على المناطق "المحرّرة" بقوّة السلاح. وأجبر الكتائب الصغيرة والعشائر والأهالي في المناطق التي يحتلّها على بيعة أميره البغدادي. وفرض عليهم الاحتكام إلى محاكمه الشرعية، والتعلّم في كتاتيبه ومدارسه. وارتكب جرائم قتل وإعدام كثيرة، بذرائع عدة. وقيّد مقاتلوه حياة المدنيين؛ فأجبروا النساء على ارتداء الحجاب والنقاب، ومنعوا الاختلاط، وأغلقوا المسارح والمعارض الفنّية، وهاجموا الأديرة، وحوّلوا الكنائس إلى مقارّ لهم، ومنعوا رفع علم الثورة، وقتلوا النشطاء والإعلاميين واعتقلوهم بذريعة العمالة للائتلاف الوطني "العميل" بدوره لأميركا.
بعد هدوء بعض الجبهات المفتوحة مع النظام مؤخّرًا، تفرّغ مقاتلو "داعش" تفرّغًا شبه كامل لمحاربة كتائب المعارضة بذريعة "الكفر"، و"الردّة"، و"تشيكل صحوات"، و"التعاون مع الأميركان "... وغير ذلك؛ فهاجموا الكثير من المقارّ، واغتالوا الكثير من القيادات؛ وساهم ذلك في زيادة حالة الاحتقان الشعبي ضدّ "داعش"، ما دفع الروابط والهيئات الإسلامية السورية إلى إصدار بيان في 22 كانون الأوّل / ديسمبر 2013 اتّهمت فيه "داعش" بتعمّد افتعال الخلافات مع فصائل المعارضة، ودعته إلى عدم التدخّل في شؤون السوريين، والكفّ عمّا وصفته بالتصرّفات التي تدعو إلى الفتنة والشرّ[1]. وفي بيان أصدره في 1 كانون الثاني / يناير 2014، وصف الائتلاف الوطني المعارض تنظيم "داعش" بـ "الإرهابي". ولفت إلى أنّ علاقة عضوية تربطه مع النظام السوري، وأنّ "سيل دماء السوريين على يد هذا التنظيم رفع الشكّ نهائيًّا عن طبيعته الإرهابية والمعادية للثورة"[2].
على أهمّيتها، لم تمثّل المعطيات السابقة دافعًا رئيسًا للمواجهة المسلّحة مع "داعش"؛ فالكتائب الصغرى (الأكثر تعرّضًا لاعتداءات "داعش") لم تكن قادرة على ذلك بحكم اختلال موازين القوى، ونهج القتال الذي يتبعه التنظيم (المفخّخات، والعمليات الانتحاريّة)، ما جعلها لا تردّ على انتهاكاته. أمّا الفصائل الكبرى كالجبهة الإسلاميّة، فعلى الرغم من اعتداءات "داعش" المتكررة، فقد رفضت الصدام المسلّح، وفضّلت اللجوء إلى وسائلَ أخرى لحلّ الخلافات؛ كالتحكيم الشرعي. لكن الأمور أخذت منحى الصدام المسلّح عندما بدأ "داعش" يتجهّز لاقتحام بلدة الأتارب رئة الإمداد الوحيدة المتبقّية من تركيا عبر معبر باب الهوى بالنسبة إلى فصائل المعارضة؛ فسيطرةُ "داعش" على هاتين النقطتين (الأتارب، ومعبر باب الهوى) تعني تحكّمه تحكّمًا كاملًا في جميع خطوط الإمداد في ريف حلب الغربي والشمالي والشرقي، بخاصة بعد أن فرض سيطرته على مدينة أعزاز الحدودية مع تركيا وعدد كبير من قرى ريف حلب الشمالي، وعلى مدينة الباب في ريف حلب الشرقي (انظر الخريطة). انطلاقًا من ذلك، سارعت الكتائب المتضرّرة (جيش المجاهدين) إلى الدخول في مواجهة مسلّحة ضدّ "داعش" ضمن بلدة الأتارب ومحيطها، سرعان ما توسّعت إلى باقي المناطق.
خريطة طرق الإمداد الرئيسة والمعابر الحدودية لمدينة حلب
- الخطوط الحمراء: طرق الإمداد الرئيسة لمدينة حلب (الباب شرقًا، أعزاز شمالًا، الأتارب وباب الهوى غربًا).
- النقاط الخضراء: المعابر الحدودية (باب السلامة شمالًا، وباب الهوى غربًا).
|
المآلات المحتملة
تعدّ المواجهة مع "داعش" حدثًا مفصليًّا ونقطة تحوّل مهمّة في مسار الصراع الجاري في سورية؛ إذ دحضت الادّعاءات التي تربط التنظيم بالثورة السوريّة وتعدّه مِن فصائل المعارضة، وتعاملت معه بوصفه عدوًّا مثلما تتعامل مع النظام، ومع حزب الله، والميليشيات العراقيّة والطائفية الأخرى. وعلى الرغم من أنّ المواجهة الحاصلة ستكون خطوة على طريق طرد "داعش" من سورية، فمن المبكر توقّع هزيمة التنظيم واندثاره في المدى المنظور لأسبابٍ عدة منها:
1. قوّة التنظيم: تكمن في أسلوبه القتالي ومستوى إجرامه؛ بمعنى أنّ عناصره المغيبة فكريًّا، والمعزولة اجتماعيًّا عن محيطها لا تتورّع عن أيّ فعل في سبيل ما تراه حماية "الخلافة" و"بيعة الأمير". وعليه، فإنّ كلّ "خروج" عنها يعدّ "كفر" يجب قتاله بالأسلوب المتّبع والمفضّل، وهو السيارات المفخّخة والعمليات الانتحاريّة؛ فمنذ بدء المواجهات مع مقاتلي المعارضة، نفّذ التنظيم أكثر من 16 هجومًا انتحاريًّا أو مفخّخًا، وأعدم مئات الأسرى في حلب، وإدلب، والرقّة، من ضمنهم 100 مقاتل من حركة أحرار الشام الإسلاميّة أُعدموا ودُفنوا في مقبرة جماعيّة. وقد وصل به الأمر حدّ إعدام أمير "جبهة النصرة" في الرقّة، "أبو سعد الحضرمي"، بتهمة الردّة[3]. هذه القسوة تجعل كثيرًا من الكتائب الصغرى تخشى الصدام مع التنظيم، وتتّخذ موقفًا محايدًا ممّا يجري. يضاف إلى ذلك أنّ مقارّ التنظيم تنتشر على رقعة جغرافيّة كبيرة تمتدّ من البوكمال شرقًا إلى ريف اللاذقيّة غربًا؛ ما يعني قدرته على إعادة تنظيم قواه المنسحبة من مناطق المواجهات، والاستيلاء على قرى جديدة لإقامة مقارّه فيها، ومن ثمّ التجهّز للهجمات المضادّة في المناطق التي خسرها.
2. تباين حسابات الفصائل المشاركة: تختلف هذه الحسابات بحسب موقع كلّ فصيل وقوّته وتوجّهاته السياسية والفكرية؛ ففي حين مثّل "لواء التوحيد" و"جيش الإسلام" الفصائل الأكثر حماسة ضمن الجبهة الإسلامية لمقاتلة "داعش" بوصفه خطرًا يجب استئصاله كونه يتمدّد ويتوسّع في المناطق الخاضعة لهما، فضّلت فصائل أخرى في الجبهة ولا سيّما "حركة أحرار الشام" (وهي من أكثر الفصائل تضرّرًا وأذى من "داعش")، و"لواء الحق" و"ألوية صقور الشام" عدم الانجرار إلى مواجهة شاملة وطويلة مع "داعش"؛ إذ رأت أنّ القتال الجاري "فتنة" المستفيد الأوّل منها هو نظام الأسد. وتنظر هذه الفصائل إلى الخلافات مع "داعش" من منظور ضيّق، فهي لا تمانع في وجوده ونشاطه، بل لديها تحفّظ على أسلوبه وسلوكه كونه لا يرى نفسه فصيلًا فحسب، بل يعلن نفسه "دولة" على الآخرين الانضمام إليها، ومبايعة أميرها، والاحتكام إلى محاكمها. تأسيسًا على ذلك، سعى بعض قادة "الجبهة الإسلامية" إلى تقديم مبادرة للوساطة نصّت على: وقف إطلاق النار، ورفع الحواجز، وإطلاق الأسرى، وعدم الاعتداء على المقاتلين الأجانب (المهاجرون)، وإنشاء محكمة شرعية مستقلة وقضاة مستقلّين[4].
من جهتها، رأت "جبهة النصرة" أنّ المواجهة الحاليّة تحدّ من مساعي "داعش" الدائمة لإضعافها، واجتذاب منتسبيها وتصفية قياداتها. ولعلّ أهمّ ثمار المواجهة الحاصلة بالنسبة إلى النصرة هي تمكّنها من استعادة كثير من مقارّها التي خسرتها لداعش إثر إعلان الدولة في شهر نيسان / أبريل 2013. لكن في المقابل، لم تعلن النصرة صراحةً مشاركتها في القتال ضدّ "داعش"؛ خشية أن يرفع التنظيم العالمي لقاعدة الجهاد وزعيمه أيمن الظواهري، الغطاء عنها، ما يؤدّي إلى فقدان ما تعدّه "الحماية" و"الشرعية" أمام محاولات "داعش" "ابتلاعها"[5]، بخاصة أنّ كثيرًا من المنظّرين الجهاديين اصطفّوا إلى جانب البغدادي غداة إعلانه "الدولة"[6]. لكن في الوقت نفسه، رأت "النصرة" أنّ "سياسة الدولة الخاطئة" ساهمت في إشعال الصراع وإذكائه، ما يبرّر انضمامها لجهود إضعاف داعش، ووقف تمدّده، بل ربّما يسهم في انسحابه من سورية تطبيقًا لتحكيم الظواهري، وعودة "المهاجرين" إلى صفوفها[7]، أو بقائه فصيلًا عسكريًّا وتخلّيه عن مساعي فرض نفسه وبيعته مرجعية جهادية على الجميع.
أمّا جبهة ثوّار سورية التي برزت خلال المواجهات الأخيرة قوّةً عسكرية منظّمة توازي الفصائل الإسلامية الكبرى لجهة العدد والعتاد، فقد أخذت على عاتقها قتال "داعش" وطرده من معظم قرى ريف إدلب، وريف حماة الشمالي، والسيطرة على معظم مقارّه، على الرغم من الملاحظات على قائدها جمال معروف؛ ذلك أنّ مقاتليها (كتائب وألوية شهداء سورية سابقًا) الذين كان لهم دورٌ كبير في قتال النظام خلال عام 2012، تراخَوا بعد خروج النظام من مناطقهم في ريف إدلب على الرغم من الدعم الكبير الذي يصلهم من الخارج، ما جعل بقية الفصائل - بخاصة الإسلامية - ترتاب في معروف ومقاتليه، وتعدّهم مشروع "صحوات" مدعومة سعوديًّا وغربيًّا، ولا سيّما أنّ الإعلان عن تأسيس "جبهة ثوّار سورية" (10 كانون الأول / ديسمبر 2013) جاء بعد أسبوعين من تأسيس "الجبهة الإسلامية" (22 تشرين الثاني / نوفمبر 2013).
بغضّ النظر عن مدى صحّة الادّعاءات السابقة، أصبحت "جبهة ثوّار سورية" من أهمّ الفاعلين في الشمال. وحرص قائدها على تحديد مهامّها بــ "قتال النظام والقاعدة" في رسالة إلى القوى االمتوجّسة من نفوذ الجهاديين في الشمال السوري؛ سعيًا وراء تلقّي الدعم والمساندة وملء الفراغ بعد خروج رئيس هيئة الأركان سليم إدريس من المنطقة، إثر مهاجمة "الجبهة الإسلامية" مقارّ الأركان المشتركة في منطقة باب الهوى في شهر كانون الأوّل / ديسمبر 2013. وجدت هذه الرسالة استجابة سريعة من الائتلاف الوطني والحكومة الموقّتة وداعميها الإقليميين؛ إذ كشف معروف أنّ جبهة ثوّار سورية والألوية التابعة لها "ستكون النواة الأولى لتشكيل الجيش الوطني الحرّ"، والذي تنحصر مهامّه في" قتال نظام بشار الأسد والتنظيمات الأصولية"[8].
أمّا جيش المجاهدين، فقد تشكّل في 2 كانون الثاني / يناير 2014؛ أي قبل يومٍ واحد من بدء المواجهة مع "داعش"[9]. لكن، وعلى الرغم من التطابق الكبير في الطروحات والأهداف، وعلى الرغم من كونها تعمل في الحيّز الجغرافي نفسه وضمن غرفة عمليات مشتركة، لم تنضمّ الفصائل المشكّلة لجيش المجاهدين إلى "الجبهة الإسلامية"؛ ما يعني أنّه قد يكون جسمًا إسلاميًّا موازيًا ومنافسًا للجبهة في الشمال وبمهمّة محدّدة هي قتال "داعش". ضمن هذا الإطار، أعلن الجيش الحرب على "داعش" حتى "يحلّ نفسه أو ينخرط في صفوف التشكيلات العسكرية الأخرى"[10]. وتمكّن مقاتلو جيش المجاهدين من طرد "داعش" من معظم قرى ريف حلب الغربي، والأحياء الغربية في مدينة حلب بما فيها مستشفى العيون مقرّ "داعش" الرئيس في المدينة.
3. موقف النظام: عزّز ظهور "داعش" على هامش الثورة وتمدّده في شمال سورية وشرقها على حساب فصائل المعارضة الأخرى، موقف النظام الذي أخذ مع اقتراب موعد انعقاد مؤتمر جنيف (2) يؤكّد أكثر أنّ معركته هي في مواجهة تنظيمات جهادية متطرفة، معظم منتسبيها من غير السوريين. ولأنّ حضور "داعش" وسلوكه يخدمان روايته ومواقفه داخل سورية وخارجها، تجنّب النظام الدخول في أيّ مواجهة قد تضعف التنظيم. بل على العكس، قام النظام بمساعدته في وجه فصائل المعارضة التي اجتمعت على قتاله وإخراجه من سورية. ومهّد له الطريق في بعض الحالات؛ إذ قام طيرانه بقصف الفصائل التي كانت تدافع عن مدينة الباب الواقعة شمال حلب، والتي كان يحاصرها "داعش"، ما سهّل استيلاءَه عليها. وبناءً عليه، ثمّة قناعة بأنّ "داعش" وإن كان يعبّر عن مزاج متطرّف مرَضي ومهووس، وعن عطب حقيقي خلّفه الاستبداد في المجتمعات العربية، قد تكون أجهزة مخابرات النظام وحلفائه اخترقته فعلًا. وبالنتيجة، إذا كان "داعش" يخدم أجندة النظام سواء بقصدٍ أو بغير قصد، فإنّ مصلحة النظام تقتضي استمراره وعدم انهياره أمام اجتماع فصائل المعارضة السوريّة على التخلّص منه ومن ممارساته.
خاتمة
يمكن القول إنّ المعركة مع "داعش" قد انطلقت، وسوف تتطوّر وتتّسع، حتى تستعيد الثورة السوريّة نفسها. لقد كشفت هذه المعركة - وإن كان متوقّعًا أن تكون طويلة وصعبة - حجم قوّة "داعش" العسكريّة المحدودة؛ بعكس ما كان يروج في أوساط الجهاديين، وفي دوائر الإعلام الغربي. وبدَا واضحًا أنّ قوّة "داعش" تكمن في مستوى إجرامه، وخوف المجتمع منه، وفي هذا قدّم "داعش" نموذجًا منفرًا لكثير من شرائح المجتمع السوري في ما يتعلّق بطروحاته عن الدولة الإسلامية، وتحكيم الشرع بالقوّة والإكراه.
وكشفت المواجهات من زاويةٍ أخرى حجم تلاقي المصالح بين "داعش" والنظام، بخاصة عندما هدّد "داعش" ونفّذ تهديداته بإخلاء مناطقه للنظام؛ كما حصل في حيّ النقارين في حلب. ولا يمكن لمراقبٍ أن تفوته ملاحظة حجم الإرباك الذي تسبّب فيه اجتماع فصائل المعارضة السوريّة على قتال "داعش" وإخراجه؛ فقد كان النظام مرتاحًا لتضاعف نفوذ الجهاديين، لأنّ ذلك يعزّز من جهة روايته عن الثورة منذ البداية بأنّها "مؤامرة سلفية إرهابية" تستهدف "علمانيّته وتسامحه"، ومن جهة أخرى أضعف ذلك قدرته على توظيف مسألة الجهاديين، لإعادة تأهيل نفسه دوليًّا بوصفه طرفًا معترفًا به في "مكافحة الإرهاب".
أمّا اجتماع فصائل المعارضة لأوّل مرة منذ عسكرة الثورة على قتال "داعش"، فيُعدّ فرصةً لبناء جسمٍ عسكري موحّد يكون نواةً لجيشٍ وطني يمثّل الثورة وأهدافها، ويضمّ الفصائل العسكرية بمختلف توجّهاتها الفكرية والسياسية، بعد أن يكون هناك موقف واضح وصريح جرى اتّخاذه من التنظيمات التي أضرّت بالثورة سياسيًّا وعسكريًّا.
[1] الهيئات والروابط االتي وقّعت البيان: هيئة الشام الإسلامية، ورابطة العلماء السوريين، وعلماء ودعاة الثورة، والهيئة الشرعية في حلب، ورابطة خطباء الشام، وجمعية علماء الكرد في سوريا، والملتقى الإسلامي السوري، وهيئة العلماء الأحرار. انظر: "الهيئات الإسلامية بسوريا: سلوك ’داعش‘ يدعو للفتنة والشر"،العربية نت، 22/12/2013، على الرابط:
http://goo.gl/m9Ok4P
[5] نتيجة تردّد الظواهري في التعليق على القتال الدائر في سورية وعدم انتقاد "داعش"، وجّه القيادي في تنظيم القاعدة أبو خالد السوري في تسجيل صوتي منسوب إليه نُشر على شبكة الإنترنت 14/1/2014 نقدًا لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، مؤكدًا أنّ ما حدث من "قتل للمسلمين على يد تنظيم الدولة" سببه تأخّر الظواهري في الإنكار عليهم والتبرّؤ منهم ومن أفعالهم، مضيفًا أنّ إسباغه الشرعية على تنظيم الدولة "أساء ويسيء إلى الجهاد وإلى التنظيم". للاطّلاع على كلمة "أبو خالد السوري" على موقع يوتيوب، 14/1/2014، على الرابط:
يجدر الإشارة إلى أنّ الظواهري كان قد كلّف "أبو خالد السوري" بالتحكيم بين النصرة والدولة لفضّ الدمج. انظر: "الظواهري يلغي دمج ’جهاديّي‘ سوريا والعراق"، الجزيرة نت، 9/6/2013، على الرابط:
[6] من أبرز من أيّد إعلان الدولة: أبو سعد العاملي، وأبو الحسن الأزدي، وأبو همام بكر الأثري، وأبو سفيان السلمي تركي البنعلي، وأبو المنذر الشنقيطي، وأبو محمد الأزدي، وأبو يوسف البشير، وغيرهم. للمزيد من التفاصيل، انظر: حسن أبو هنية، "الدولة الإسلامية في العراق والشام.. تتمرّد على القاعدة (2)"، عربي21، 5/1/2014، على الرابط:
No comments:
Post a Comment