وائل قنديل
هل هي الصدفة التي تجعل إدارة باراك أوباما تختار يوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول موعداً للحملة الأميركية "العشرية" الجديدة ضد "عدو" سابق التجهيز؟ لقد تحولت "الحرب على الإرهاب" إلى مهرجان عالمي أميركي يأتي كل عشر سنوات، يقام كل مرة في منطقة الشرق الأوسط، دون غيرها، ويتحمل نفقاته الباهظة بعض الدول العربية، بينما يجد فيه بعضها الآخر فرصة ربحية ثمينة، خصوصا تلك الأنظمة العاطلة، إلا عن ممارسة إرهاب الدولة ضد شعوبها. لم يختلف أداء باراك حسين أوباما، عن سابقيه جورج بوش الأب، ثم بيل كلينتون، وجورج بوش الإبن، في الحفل الافتتاحي لكرنفال "الحرب على الإرهاب" كلهم يرتدون العمامة ويطيلون اللحى ويمسكون بالمسبحة ويرددون كلاما مكررا عن حبهم للدين الإسلامي العظيم، الذي هو في مرمى خطر داهم منبته القوى والحركات الإسلامية المتطرفة. يحلو لهم دائما الجمع بين لقبي "ساكن البيت الأبيض" و"أمير المؤمنين" الذي يعد العدة ويسير الجيوش دفاعا عن الإسلام المعتدل السمح، وتكون النتيجة عادة تدمير واحدة من كبرى عواصم العالم الإسلامي. ولا يزال التاريخ يقف حائرا مثلا أمام تلك الرغبات المجنونة في حربي الخليج الأولى والثانية لتدمير عاصمة بلاد الرافدين بغداد، واستهداف تاريخها بنوعيات فتاكة من القنابل المشعة، بينما كان المعلن استهدافه هو إسقاط صدام حسين ونظامه. دائما يتحدثون عن حماية حضارة العالم وتحضرِه من أخطار التطرف، لكنهم يستهدفون الحضارات قبل استهداف التطرف، ولعل هذا ما دفع وزير دفاع فرنسا في حرب "تحرير الكويت/تدمير العراق" في بداية تسعينيات القرن الماضي لاستقالة مدوية احتجاجا على بربرية النظام العالمي الجديد في إبادة واحدة من أراضي الحضارة. كان شوفنمان في ذلك الوقت يرى صدام حسين مثل شجرة تخفي وراءها غابة، والغابة بالطبع كانت إحكام السيطرة على مصادر النفط في المنطقة والهيمنة على حركته، بحيث لم يكن استئصال الشجرة-الضارة من وجهة نظر الغرب المتحضر-هو الغاية، بل كان سبيلا لغاية أكبر، أو صيد أثمن. ولما لم تسقط الشجرة بشكل كامل في المحاولة الأولى، كانت المحاولة الثانية بعد ما يربو على عشر سنوات، فكان غزو العراق وتقطيع أوصاله شتاء العام 2003 لتسقط المنطقة على نحو تام تحت الهيمنة الأميركية، وكان مثيرا للأسى ذلك التوحش الأميركي في الانتقام من تاريخ العراق وجغرافيته. والآن تأتي "داعش" أو "الدولة الإسلامية" لتلعب دور الشجرة، التي تختفي وراءها الغابة الكثيفة، بما يكفي لاختباء "دواعش" أخرى كثيرة من جرائمها وإرهابها. وليس مفاجئا لأحد أن نظام السيسي كان سباقا في إعلان تطوعه في التحالف الجديد، كما لا ينبغي أن تنبت علامات التعجب في وجه أحد حين يرى بشار الأسد يقول "إن الحرب على داعش ستصنع المصالحة الوطنية في سورية". ويصلح "الجهاد الأميركي ضد داعش" أيضا لصناعة فضيحة حضارية تلتصق بإدارة تستعد للانسحاب من المسرح، تاركة للإدارة القادمة مساحات لتقديم نفسها للمنطقة في صورة المعتذر عن "خطأ التقديرات" كمحاولة لتدليل الجريمة لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة من جديد، وليس هناك مانع هنا من أن تشتعل الميديا بأحاديث عن أخطاء وخطايا الإدارة الراحلة. سينعم "الأسد" الآن بدفء التنسيق الإجباري مع قيادة قوات التحالف، وسيتسلق السيسي النخلة ذاتها التي تسلقها مبارك في حربين ضد العراق، هابطا بكثير من البلح "إسقاط ديونٍ واستمرار المعونة وخلافه"، وستتمايل إسرائيل طربا بتطور الحديث من "الحرب على داعش" إلى "استهداف كل الحركات المتطرفة" وسيهنأ أبو مازن برغد الإقامة الرئاسية في المقاطعة. كل "داعش" وأنتم طيبون!
No comments:
Post a Comment