وائل قنديل
اجتمع وزراء الخارجية العرب للحشد ضد "داعش" فوجدها محمود عباس "رئيس سلطة رام الله" فرصة للتحريض ضد المقاومة الفلسطينية.
لم يكن الموضوع الفلسطيني مطروحاً على جدول الأعمال، غير أن رئيس السلطة وجدها مناسبة للنيل من المقاومة"حماس" في غمار مهرجان المزايدة في تقديم مسوغات الالتحاق بالحلف الأميركي الجديد للحرب على "الإرهاب"
أن يكون الاجتماع مخصصاً لما عرفه المجتمعون بـ"إرهاب الدولة الإسلامية" فيزج أحدهم على هامشه، وربما في قلبه، بالمقاومة في أتون المناكفات، ويضعها في جملة واحدة مع الإرهاب، فتلك علامة أخرى على نكبة النخب الحاكمة في الوطن العربي. أما أن يكون "مقترف" هذه المزاوجة هو رئيس السلطة الفلسطينية، فتلك تخوم ما بعد النكبة.
في بدايات العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في غزة كان منطق عباس ومنطوقه أقرب لمفردات رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، ففي الأسبوع الأول من يوليو/تموز الماضي انتقد عباس المقاومة لمزاً حين قال وهو يستقبل وفداً مقدسياً "أنا لا أريد أن انتقد أحداً، لكن وبهذه الطريقة، ما النتيجة؟ أن تضرب صاروخا لا تعرف إلى أين سيذهب وليس له جدوى، ما هي الحصيلة؟" ثم انتقل "الرئيس" للإساءة للمقاومة تصريحاً حين اتهمها في حديث متلفز بالمتاجرة بالحرب والدم.
لاحقاً بعد أن أجابت صواريخ المقاومة على سؤال عباس "ما النتيجة"، وأوجعت العدو الإسرائيلي عسكريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا، قرر الرجل أن يزايد على المقاومة ويقفز فوق قارب الغضب العربي، ويلتحق بالعملية السياسية التي فرضتها إبداعات المقاومة الميدانية.
حتى إذا وضعت الحرب أوزارها، وقبل أن تمر أيام قلائل على التوصل لاتفاق تهدئة حفظ للمقاومة كبرياءها وحافظ على صمودها المنتصر، عاد أبو مازن سيرته الأولى، ليتبنى المنطق الإسرائيلي في تحميل المقاومة مسئولية الدماء بقوله: "إنها كان من الممكن ان توفر 2000 من الشهداء الفلسطينيين لو أنها قبلت المبادرة".
وكأن الرجل لم يتحمل حالة الاصطفاف الفلسطيني الرائعة لأكثر من أسبوع، فانطلقت تصريحاته ومقابلاته تنسف هذه الوضعية التي تفاءل بها الجميع، فعل ذلك بالتزامن مع تصريحات نتنياهو التي يقول فيها بحسم إن "على السلطة الفلسطينية-فتح-ان تختار إما حماس أو تختار السلام مع إسرائيل".
وهذا التصريح من رئيس الوزراء الصهيوني يصلح مفتاحا لتفكيك وتحليل حركة عباس الارتدادية المفاجئة أول أمس، حيث يعلن عباس عقب لقائه برئيس مصر الانقلابية في القاهرة انقلابه الواضح على المقاومة مهدداً بإنهاء الشراكة والتوافق مع "حماس".
لقد سبق لعباس في أيام ياسر عرفات الأخيرة أن أقدم على مثل هذا النزق السياسي، حين تفرغ للتحريض على الرئاسة الفلسطينية بحجة أنها تنازعه في صلاحياته كرئيس للحكومة تنفيذا لإرادة أميركية-إسرائيلية واضحة وقاطعة آنذاك، وكان ذلك أشبه بحالة "تمرد انقلابية" حتى كان الرحيل الدرامي المفجع لعرفات والذي لم يزل محاطاً بالغموض والأسرار.
ومن عجب أن السيد عباس فعل مع الحكومة الفلسطينية المنتخبة، ما كان يشكو منه حين كان يرأس الحكومة قبل رحيل عرفات، وشيئا فشيئا أخذ يفتعل المشاكل ويتصنع العراقيل أمام حكومة حماس لتجريدها من صلاحياتها، حتى كان الانقلاب الكامل على ما جاءت به الانتخابات.
إن اتهام "أبو مازن" لحماس بمحاولة الانقلاب على سلطة رام الله هو شيء أقرب للنكتة، ذلك أن "المقاطعة" حيث يستقر الرئيس لا تبعد عن الوجود العسكري الإسرائيلي سوى مسيرة خمس دقائق، فإذا كان الإسرائيليون والأميركيون لم يقبلوا بحكومة حمساوية منتخبة في غزة، فكيف يقبلون بحكومة انقلاب لها في الضفة؟
No comments:
Post a Comment