ميشيل كيلو
5 أكتوبر 2014
لم يتخذ باراك أوباما، طوال نحو أربعة أعوام، أي موقف جدي ضد مستبدٍّ، سحق شعبه بقدر غير مسبوق من العنف، بعد أن رفض مطالبته بإصلاحات متدرجة ومحدودة، يقودها المستبد نفسه. واليوم، وبعد أن تعهد بتحقيق هدفين في سورية، السعي إلى حل سياسي يستند إلى قوة المعارضة، والانتقال الديمقراطي بضمانات دولية، وبعد أن بدا كمن يريد إنهاء نكبة السوريين، ها هو أوباما يدلي بتصريحٍ نسف كل ما تعهد به، يقول "إن الحرب ضد داعش أبدى من إسقاط النظام".
سيصعق هذا التصريح السوريين جميعهم، لكونه يكشف أوباما سياسياً متناقض الخيارات، سويعاتي الآراء، يتحدث بخفة عن أشياء خطيرة، تحول خياراته الخاطئة دون اتخاذه قرارات صائبة، يتنكر، اليوم، لوعود البارحة في مسألة خطيرة كالحرب التي كان يرفضها رفضاً مطلقاً، وها هو يخوضها بحسابات وأولويات خاطئة، لن تفضي إلى أي حل، وستطيل أمد القتل في ظل عنف دولي ومحلي أعمى.
يتجاهل أوباما، أو يجهل الترابط بين النظام الأسدي والإرهاب، أو يقلل من أهميته. ويعتبر "داعش" ظاهرة قائمة بذاتها، تتغذّى من موارد تمتحها من هويتها وحدها، ويظن أن صعودها يبدل مواقف جميع الفاعلين السياسيين والعسكريين، لمصلحة النظام الذي يتوهم أن خطورته تراجعت، بالمقارنة مع خطورة "داعش"، وأن ضربه لا يجوز أن يكون بين أولوياته.
لا داعي للقول إن أوباما على خطأ في ما يعتقد ويفعل، فقد لعب النظام أخطر الأدوار في إنتاج الإرهاب وتصنيعه واستعماله، الداعشي وغير الداعشي، بشهادة تاريخ نصف قرن، والواقع السوري وإقرار وزير خارجية واشنطن، جون كيري، وسيجعله التركيز على "داعش" الجهة الإرهابية الأقوى، وربما الوحيدة، في سورية، وسيجنبه مقاسمتها العقاب، مع أنه نسق معها تنسيقاً تكاملياً مكشوفاً طوال العام الفائت، وقاتل بالتعاون معها بقية فصائل المعارضة، وخصوصاً الجيش الحر، قوة الاعتدال الرئيسة في سورية التي ستصير أشد ضعفاً حيال جيش السلطة الذي ستمكنه استراتيجية أوباما من التقاط أنفاسه، وإعادة تنظيم قدراته، بعد أن بلغت الحضيض في الآونة الأخيرة. لا عجب في أن الأسد يؤيد هذا النمط من الحرب ضد الإرهاب، ويكثف هجماته ضد معاقل الجيش الحر حول دمشق، وضد الشعب في جميع مناطق سورية، وينفذ غارات جوية تعطي الانطباع بوجود تنسيق مع التحالف، تتم في مواقع قريبة من التي تقصفها طائراته.
على الجانب السياسي، تتعارض أولويات أوباما المعلنة مع خطة جنيف للحل السوري، القائمة على إزاحة الأسد وتشكيل "هيئة حاكمة انتقالية"، تنجز التحول الديمقراطي، برضا المعارضة ومن ينضم إليها من النظام. هذه الخطة تتطلب إقناع هؤلاء بأن نظام الأسد مهزوم لا محالة، وإنه لا نجاة لهم بغير تخليهم عنه، والتعاون مع المعارضة، فما عدا مما بدا حتى يتخلى أوباما عن هذه الخطة وأولوياتها، ويقرر تركيز الحرب على الإرهاب، متجاهلاً أنها ستجعل إسقاط النظام أمراً متزايد الصعوبة، وأن الشعب السوري سيكابد المزيد من القتل والدمار، في ظل حرب ستستمر فترة طويلة، حددها البيت الأبيض بسنوات عديدة، لن يواجه الأسد خلالها أية مخاطر، بينما سيتعرض الجيش الحر لهجمات متصاعدة من جيش السلطة، وسيقتل سوريون لا حصر لعددهم.
بهذه الحسابات الخاطئة التي تخرج النظام من الحرب ضد الإرهاب، لا ينتظر أوباما أن نؤيد حربه ضد الإرهاب، وأن نرفض القتال ضدها كإرهابيين.
No comments:
Post a Comment