ماجد عبد الهادي
10 أكتوبر 2014
يُلوّح المجتمع الدولي أمام وجوه الفلسطينيين برقم هلامي من ذوي التسعة أصفار، أي المليارات، لإعادة إعمار قطاع غزة، فتتقافز قياداتهم، على اختلاف مشاربهم السياسية، لتفعل ما يثير عجب الإخوة والأصدقاء، كما الأعداء، ويجعلني أحس بأني أشاهد سيركاً سياسياً، تتناوب على حلبته فصائل المقاومة الوطنية، وقوى التسوية السياسية، لتقدم للعالم كل ما قد يدل على ألفتها، وقدرتها على التكيف مع شروط لعبته، وجدارتها، من ثم، بأعطياته غير الكريمة.
فقبل وصول ممثلي الدول المشاركة في ما يسمى "مؤتمر إعمار غزة"، إلى القاهرة، كانت السلطة الفلسطينية بطرفيها اللدودين، قد التزمت تنفيذ الشروط الأولية، المطلوبة منها دولياً وإقليمياً، لتثبت وحدة قرارها، فوافقت حركة حماس مثلاً على تسليم مقاليد الحكم في قطاع غزة لحكومة التوافق، برئاسة رامي الحمد الله، ثم سرعان ما بادرت الأخيرة، بالانتقال، من رام الله إلى هناك، عبر معبر "إيرز" الإسرائيلي، لتعقد أول اجتماعاتها في منزل الرئيس محمود عباس.
ولم يكن ذلك، وسواه، من خطوات التقارب الفلسطيني الفلسطيني، ليثير أي ملاحظة سلبية، لو أنه حدث في ظروف أخرى سابقة، كأن تقدم حركتا حماس وفتح ما قدمتاه من تنازلات، استجابةً لحاجات شعبهما، لا رضوخاً لضغط الاحتياجات المالية، أو أن تعقد حكومة التوافق أول اجتماعها في غزة، رداً على العدوان الإسرائيلي، لا من أجل كعكة في أيدي المروضين الغربيين.
أما وقد حدث ما حدث، هكذا، عنوة، وبالإكراه، فلن يكون سهلاً على الفلسطينيين، إيهام أنفسهم بأن المجتمع الدولي يُريد لهم أن يتجاوزوا، فعلاً، سنوات الانقسام، وأن "الإخوة الأعداء" الذين فرّقهم الصراع على السلطة الناقصة، وجمعهم المال السياسي، سيكون في وسعهم إصلاح ما دمرته إسرائيل من بلادهم.
في القصة، إذن، صفحات ناقصة، أو مخفية، قد تصعب معرفة محتوياتها بدقة. لكن، هناك معطيات عدة، في الواقع الراهن، وفي التاريخ، تكفي لتفضح، مسبقاً، كل حبكتها:
1- على منصة قيادة مؤتمر، أو سيرك "إعادة الإعمار" في القاهرة، سيجلس عتاة الدبلوماسية الغربية والعربية الذين أيّدو، سراً وعلانية، العدوان الإسرائيلي، ولم يفعلوا شيئاً لمنع تدمير، ما يزعمون السعي، الآن، إلى إعادة تعميره.
2- الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، ووزير الخارجية الأميركي، جون كيري، وممثلة السياسة الخارجية الأوروبية، كاترين أشتون، والأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، سيتحدثون تحت عنوان "تحديد التحديات" ما يعني، على الأرجح، مطالبة الفلسطينيين بعروض بهلوانية جديدة، ليثبتوا، مرونتهم السياسية، واستعدادهم للتخلي عن العنف، ضد إسرائيل، في مقابل وعود بمنحهم مساعدات مالية، غير محددة تماماً.
3- تواصل مصر إغلاق معبر رفح الذي يصل قطاع غزة بالعالم، حتى وهي تحتضن مؤتمر إعادة الإعمار، بل إنها منعت مرور مساعدات عربية غير مشروطة لإعادة إعمار ما دمرته الحرب.
4- لم ينس الفلسطينيون بعد وعوداً مالية دولية، رافقت اتفاقات أوسلو عام 1993، وصنعت الوهم، آنذاك، بقرب تحويل غزة إلى هونغ كونغ، أو سنغافورة الشرق الأوسط، ثم ما لبثت أن اندثرت، تحت ركام الحروب الإسرائيلية التي ينقسم العالم إزاءها بين متواطئ ومتخاذل.
5- في تجارب بلدان أخرى، سبق للمجتمع الدولي أن تعهد بدفع مليارات الدولارات، لإعادة إعمار أفغانستان، ومازالت أفغانستان على دمارها.
6- بعد نحو عشرين سنة من إبرام اتفاقيات أوسلو، نجح المال السياسي الغربي، في تحويل القيادة الرسمية الفلسطينية، إلى رهينة تضطر، أحياناً، لتقديم تنازلات سياسية، في مقابل الحصول على مساعدات بخسة، لدفع رواتب موظفيها.
وعود على بدء، لن يطول الوقت، حتى يتضح أن سيرك القاهرة يحاول استخدام المال، لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه الحرب، أي اقتياد حماس إلى الطريق المسدودة التي سلكتها فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية، منذ نحو ثلاثة عقود.
No comments:
Post a Comment