Sunday, May 10, 2015

القلمون السورية في اللعبة الجيوسياسية الكبرى

إلياس حنا

باحث متخصص في الشؤون العسكرية
إلياس حنا
Link

لكل منطقة في سوريا طابعها وأهميتها التكتيكة والإستراتيجية، وقد يمكن القول الآن إن سوريا أصبحت سوريتين، تقع الأولى غرب الخط الرئيسي "أم 5" (M5) والممتد من درعا جنوبا وحتى حلب شمالا مرورا بالعاصمة دمشق. أما الثانية، فهي تشكل المنطقة التي تقع غرب هذا الطريق الدولي، وصولا حتى البحر.
وقد يمكن القول إن كل المعارك بين النظام والمعارضة، تدور تقريبا على خط التماس هذا الذي يفصل بين شرق سوريا وغربها.
من هنا، يُعتبر أن كل اختراق لهذا الخط الفاصل -خاصة من قبل المعارضة- وكأنه نقطة تحول في مسار الحرب. فالمعارضة قد أسقطت شمالا كلا من إدلب وجسر الشغور، أما جنوبا فقد أسقطت درعا وبُصرى الشام والقنيطرة ومعبر نصيب على الحدود الأردنية، هذا عدا الخرق في محيط دمشق المباشر والذي تمثل في المعارك الطاحنة داخل مخيم اليرموك.
إذن، السلسلة مترابطة، لكن تراكمات النجاح العسكري التكتيكي والمحدود للمعارضة، لم يتحول حتى الآن إلى نجاح على المستويات الإستراتيجية، الأمر الذي قد يغير موازين القوى في الداخل السوري، والذي سيكون له تداعيات جيوسياسية كبرى في الإقليم، تبدأ من الشام وحتى عدن، مرورا ببغداد. باختصار قد يكون سقوط النظام في سوريا، نقطة تحول مفصلية سترسم حتما نظاما إقليميا جديدا، وعلى حساب مصالح إيران حكما.
في هذه الصورة الكبرى، تتمثل أهمية منطقة القلمون في الأبعاد التالية:
- تقع المنطقة غرب الـ"أم5" (M5)، وهذا يعني أنها في عمق منطقة نفوذ النظام.
- هي في خلفية العاصمة حيث مركز ثقل النظام السياسي.
- تشكل هذه المنطقة أيضا الخاصرة الطرية لحزب الله اللبناني، فهي ممره إلى سوريا، وهي مركز ثقل شيعي مؤيد له، فإذا سقطت في يد المعارضة، فسوف تُسد الطريق أمامه بالاتجاه السوري، هذا مع العلم أنه لا يمكن للحزب الانطلاق من شمال لبنان إلى سوريا لعدة أسباب، منها: أن الشمال ذا غالبية سنية غير مؤيدة له، ولا يتوفر في الشمال بُنى تحتية تستوعب حركية حزب الله العسكرية.
- إذا سيطرت المعارضة على هذه المنطقة، فهذا يعني سقوط العاصمة دمشق، كما سقوط النظام.
- سقوط العاصمة يعني، انقطاع التواصل بين العاصمة والساحل السوري، الأمر الذي سيُحرر الكثير من قوى المعارضة للتفرغ لحرب ساحلية ضد معقل النظام الأخير.
النجاح المفاجئ للمعارضة
ولكن لماذا هذا النجاح المفاجئ للمعارضة؟ هناك في الواقع عدة أسباب منها:
- التعب العسكري لقوى النظام بعد أربع سنوات من الحرب المتواصلة ودون توقف.
- الامتداد الأقصى لقوى النظام التي تقاتل على جبهة تبلغ حوالي خمسمائة كيلومتر.
- أيضا، قد يكون للانشغال الإيراني في العراق تأثير مهم على الساحة السورية.
- وحدة القيادة عند المعارضة بعد توحدها تحت اسم "جيش الفتح".
- والأهم في هذه المعادلة، هو موقف كل من قطر والسعودية كما تركيا، تجاه دعم المعارضة ضد النظام السوري.
- وأخيرا، قد يكون تأثير السلاح المُضاد للدروع الذي بدأت المعارضة تستعمله "تاو" (Tow) مهما في حرمان مدرعات النظام من الحركية والمناورة. حتى إن البعض شبه هذا التأثير بتأثير السلاح الأميركي المُضاد للطائرات "ستينغر" (Stinger) الذي استعمله المجاهدون في أفغانستان ضد السوفيات. فماذا لو حصلت المعارضة السورية على السلاحين؟

في دينامية اللعبة
من الضروري والحيوي أن يكون للنظام رد عسكري، يُحقق فيه نجاحا لاسترداد زمام المبادرة ورفع المعنويات. من هنا جاء نزول الرئيس السوري مؤخرا إلى الشارع لطمأنة الناس، كما الإعلان عن حشد عسكري في الشمال. لذلك نرى أن صورة المعارك القادمة ستكون على الشكل التالي، أو بالأحرى الخطة العسكرية:
* طرد المعارضة من داخل مُخيم اليرموك في محيط العاصمة.
* العمل على استرداد جسر الشغور وإذا أمكن مدينة إدلب، مع الاعتراف بصعوبة هذا الأمر، نظرا لما يتطلبه من جهد عسكري ولوجستي، وهذا ليس متوفرا لدى النظام حاليا، لكن في الحد الأدنى وقف دينامية الزحف المعارض، حتى لو عبر التدمير بواسطة البراميل المتفجرة وغيرها من الأسلحة والذخائر المتوفرة لدى النظام.
* العمل على:
- السيطرة على منطقة الزبداني، الأمر الذي سيؤدي إلى غلق وسد الممر الذي يصل جنوب سوريا بالزبداني كما منطقة القلمون صعودا إلى عرسال وغيرها من القرى، من هنا تأتي المعارك الأخيرة الاستباقية من قبل الطرفين خاصة في عسال الورد ومحيطها.
- تثبيت منطقة عازلة حول جنوب العاصمة ترتكز على مثلث: القنيطرة، درعا، ومنطقة السويداء، وإذا أمكن ضم السويداء كلها إلى هذه المنطقة نظرا لثقلها الدرزي. إن عمق هذه المنطقة هو بين التمدد والانحسار.

في خصوصية هذه الحرب
بالتأكيد هي ليست حربا تقليدية بين جيشين نظاميين، بل هي على شاكلة حرب العصابات، أي لا معركة فاصلة وطاحنة.
هدف المعارضة السورية هو استنزاف كل من الجيش السوري النظامي كما حزب الله، لذلك يبدو التكتيك الأهم لهذه المجموعات هو في انتقاء نقاط الضعف للعدو، ضربها والانكفاء استعدادا للمرحلة المقبلة.
إن طبيعة المنطقة الجغرافية والطبوغرافية، لا تسمح إلا بمثل هذا النوع من الحروب، لذلك لا يمكن لأي فريق السيطرة الكاملة على هذه المنطقة، والبقاء فيها ومنع الآخر من الدخول إليها. بكلام آخر، لا نصر مُطلقا لأي من الفريقين.
لذلك تدور الحرب في هذه المرحلة على المستوى التكتيكي البحت، أي العمل على السيطرة على:
- خطوط المواصلات والتموين، التموين بالعدد، وبالسلاح والذخيرة وكل ما يُساعد جهود المعركة.
- محاولة السيطرة على كل المعابر بين لبنان وسوريا، خاصة في منطقة الزبداني.
وبسبب صعوبة الطبوغرافيا، فإن المعارك الحالية تدور في البُعد الطبوغرافي بامتياز، أي محاولة سيطرة حزب الله والجيش السوري النظامي على كل التلال المشرفة على الجهة السورية، ومحاولة ربطها مع بعضها البعض ضمن منظومة عملاتية مُحكمة. معارك عسال الورد نموذج لذلك، محاولة ربطها بعمق حزب الله في بريتال مثلا.
لبنان وحرب القلمون
أين لبنان الرسمي، كما الجيش اللبناني مما يجري في القلمون؟
كما هو معروف، فإن لبنان الرسمي -كما الشعبي- هو في حالة انقسام عمودية وحادة. هذا مع العلم أن لبنان الرسمي، يقاتل اليوم نفس المجموعات التي يقاتلها حزب الله تقريبا، لكن الفارق هو أن حرب لبنان الرسمية على الإرهاب تحدث داخل لبنان وليس على المسرح السوري كما حال حزب الله.
هذا الأمر يأخذنا إلى الاستنتاج أن "روزنامة" حزب الله الإقليمية هي أهم من "الروزنامة" المحلية، كما أن هناك ازدواجية ووضعا هجينا للحزب. فهو في لبنان عندما تتقاطع مصالحه مع الإقليم، وهو في سوريا عندما تدعو الحاجة الجيوسياسية الإقليمية لذلك.
في هذا الإطار ولمعرفة وضع الجيش اللبناني في المعركة المُرتقبة، علينا أولا أن نعود إلى السبب الإقليمي المذكور أعلاه، والذي ساعد المعارضة السورية المسلحة على تحقيق نجاحاتها، والمُتمثل بدور المثلث الإقليمي -تركيا، المملكة العربية السعودية كما قطر- لتكون الدينامية على الشكل التالي:
- هذه الدول الثلاث تريد الاستقرار في لبنان، وهي تساعده، خاصة قطر والمملكة التي وهبت الجيش اللبناني أربعة مليارات دولار لتسليحه.
- كذلك الأمر، تريد الولايات المتحدة الأميركية استقرار لبنان كما ديمومة الجيش اللبناني كمؤسسة وطنية ضامنة للجميع.
- وإذا كانت هذه الدول تساعد المعارضة السورية ضد النظام السوري، وتساعد الجيش اللبناني في نفس الوقت، فإن المنطق يقول بعدم السماح لهذه المجموعات في الحد الأدنى التعرض للجيش اللبناني إلا عرَضا، وتحت ظروف قاهرة.
من هنا قد يقتصر دور الجيش اللبناني على الأمور التالية:
- حماية قرى الحدود المتاخمة لمنطقة القلمون حتى ريف حمص.
-منع انتقال المعارك إلى الداخل اللبناني، كما حماية وحداته.
- لكن الأكيد هو أن الجيش لن يذهب إلى القلمون لخوض حرب فيها، هو ليس قادرا عليها، وليس مسموحا له داخليا في نفس الوقت، عبّر عن هذا الأمر قائد الجيش العماد قهوجي.
إذن في الختام، ستدور المعارك في منطقة القلمون فقط لاستنزاف حزب الله كما قوى النظام، لأن الحزب لا يستطيع تحمل فترات استنزاف طويلة، لا بشريا ولا سياسيا ولا اجتماعيا، لكن الأكيد أن الحديث عن معركة ربيع فاصلة ونهائية هو أمر خاطئ، لأن طبيعة وخصائص هذا النوع من الحروب أن لها دينامية مختلفة غير خطية.

No comments: