Friday, September 11, 2015

المزاودة على اللاجئين

حسام كنفاني

A GOOD COMMENT
المزاودة على اللاجئين
Link

أسوأ ما يمكن أن يُقرأ على مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت هايد بارك مفتوحة لكل ما هبّ ودبّ من أفكار عنصرية وتنظيرية لا يمكن تحملها، هو المزاودة على اللاجئين السوريين الهاربين من جحيم بلادهم إلى جنان أمان موعودة، قد لا تحمل لهم أياً من السكينة نفسها التي كانوا يشعرون بها في بيوتهم وحقولهم وأعمالهم التي تركوها خلفهم. مزاودة من نوع أن هؤلاء هاربون من ساحة المعركة، وعليهم الصمود في مكانهم والدفاع عن أوطانهم، وغيرها من المقولات الخشبية التي لا تزال تحقن بها جماهير ممانعة لاستخدامها لاحقاً وقوداً في محرقة هنا أو هناك، والمحرقة السورية واحدة منها.
الأمور قد لا تتوقف عند الناشطين على مواقع التواصل، بل تصل إلى كتبة محسوبين على النظام السوري، إذ يرى هؤلاء في موجات اللجوء جزءاً من "المؤامرة الكونية" المنسوجة لإسقاط بشار الأسد، مبرئين الأخير من أي تبعات أو مسببات دفعت آلاف السوريين إلى مغادرة منازلهم وقراهم وأعمالهم. فلا براميل تسقط فوق رؤوس المدنيين، ولا غاز كلور يستعمل في ضرب الرجال والنساء والأطفال، ولا معتقلات مكدسة بعشرات الآلاف الذين لا يدرون حتى الآن ما هي التهم الموجهة إليهم.

التكامل بين دعوات الصمود والمؤامرة الكونية مشابه لما كان يُرمى به اللاجئون الفلسطينيون والاتهامات التي تساق ضد بعضهم إلى اليوم بأنهم باعوا أراضيهم للوافدين اليهود. اتهامات تأتي في سياق إبراء الذمم العربية من تبعات النكبة الفلسطينية، والتنظير من أبراج عاجية على الهاربين من المذابح الصهيونية. ويتخذ المنظرون "حق العودة" وسيلة للمزايدة على الفلسطينيين، وسبباً للتنكيل بهم في أراضي لجوئهم العربية، ما يدفعهم إلى البحث عن فرصة للخروج إلى رحاب الحياة، ومع ذلك يبقون ملاحقين بتهم "التخلي عن القضية". 

يتكرر، اليوم، هذا السيناريو نفسه في التعاطي مع النكبة الجديدة المتعلقة بالشعب السوري. منظرون كثر يحمّلون المهجرين قسراً مسؤولية ما ستؤول إليه الأوضاع في سورية. بداية يلومونهم على الخروج من ديارهم وعدم "الصمود". أما المقصود بهذا الصمود، بالنسبة لغالبية هؤلاء المنظرين، فهو في وجه المعارضة السورية التي يرونها العدو الأول، وتالياً داعش. أما الموت بسلاح النظام وحلفائه من حزب الله أو مليشيات عراقية وإيرانية، فهو يندرج من باب التضحية وتأدية الواجب النضالي وخدمة القضية.

وعلى غرار حال اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية، فإن السوريين الذين وصلوا إلى هذه الدول عانوا ويعانون حالات من
التمييز العنصري والتنكيل تحت الكثير من المسميات، منها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي، إذ بات هذا اللاجئ السوري رمزاً للخراب، ما خلق مناخاً طارداً لهؤلاء اللاجئين الذين كانوا يمنون النفس بالبقاء قرب بلادهم على أمل العودة السريعة بعد هدوء الأوضاع.
وللمفارقة، فإن غالبية من يتوجهون اليوم بالحديث إلى اللاجئين يعيشون في دول أوروبية، أو يحملون جوازات أجنبية، وبعضهم نالها في أثناء الحروب التي مرت بها بلاده. والحديث هنا تحديداً عن بعض اللبنانيين والعراقيين الذين ينتقدون موجات اللجوء السوري، رغم أنها على الدرجة نفسها من التشابه مع ما حدث في لبنان أثناء الحرب الأهلية وما بعدها، وما شهدته بلاد الرافدين ما بعد عام 1990، ولاحقاً بعد الغزو في 2003. 

أما ما يثير السخرية أكثر، فهو حال الحسد التي أصبحت تعتري كثيرين تجاه اللاجئين السوريين، وخصوصاً بعد القرارات الأوروبية بفتح أراضيها للاجئين، ما دفع البعض، ومنهم منظرون على اللاجئين، إلى البحث عن جواز سفر سوري، أو شرائه بمبالغ طائلة، للذهاب تحت جناحه إلى أي دولة خارج الوطن العربي. هؤلاء لا يندرجون في خانة "الهاربين من المعركة"، بل الباحثين عن المستقبل، أما السوري فلا مستقبل له، بنظر الممانعين، إلا الموت تحت أنقاض براميل النظام أو بسكاكين داعش.

No comments: