Monday, September 7, 2015

عن التهجير والهجرة: في موجة اللجوء إلى أوروبا

عزمي بشارةLink
اللاجئون السوريون هم، في الواقع، مهجّرون. لقد هُجّروا من مناطق سكناهم، بفعل فاعل، اتّبع سياسة العقوبات الجماعية والقصف والقتل بالجملة، أو هاجروا قسراً من أحياء مأهولة، تحوّلت إلى جبهات قتال، بعد أن تطورت الثورة السورية إلى نوع من الاحتراب الأهلي، نتيجة سياسة العنف المنهجي التي اتبعها النظام بدون سقف، أو خط أحمر يفرضه ما يسمى المجتمع الدولي. وهو أمر نادر الوقوع منذ الحرب العالمية الثانية. وزاد دخول جماعات مسلحة غير ملتزمة بأهداف الثورة السورية، بعد أكثر من عام ونصف من نشوبها، في هجرة أعداد كبيرة أيضاً من السوريين، بسبب قصف النظام المناطق التي حررتها/ احتلتها، أو بسبب ممارسات بعض منها. ويبدو من مراقبة نهج النظام، وسياسة الأرض المحروقة التي يتبعها،
أنه يقوم بسياسة تهجير منهجية، للتخلص من أكبر عدد ممكن من السوريين، ولا سيما أنه اعتمد، أخيراً، معايير جديدة في تحديد الانتماء، فالسوري هو من يدعم النظام، حتى لو جاء من باكستان
؛
أما من يعارض النظام فليس سورياً.
 
 
استمرت مأساة ملايين اللاجئين والمهجّرين السوريين، طوال أربعة أعوام داخل سورية نفسها، وفي تركيا ولبنان والأردن. وهي الدول والمجتمعات التي تحملت العبء الأكبر حتى الآن. والناس عموماً تلجأ من القصف والحرب، وتهرب من القتل والاعتقال إلى المناطق المتاخمة، أو الدول المجاورة، بانتظار استقرار الأوضاع، لكي تعود إلى ديارها.
ما يميز موجة اللاجئين الأخيرة إلى أوروبا هو سأم آلاف اللاجئين السوريين من الانتظار، كلاجئين في الدول الحدودية (مع الفارق بين ظروفهم فيها). راحوا يبحثون عن حلول دائمة لعائلاتهم، ولا سيما أبنائهم، وهو أمر مفهوم بعد انتظار سنوات. إنه ما يميز هذه الهجرة، وهو أيضاً أخطر ما فيها. ليس الحديث، هنا، عن هرب من القصف أو الموت. إنها هجرة من لجأوا من القصف إلى دول أخرى. وهم، الآن، بعد اللجوء، يهاجرون إلى دولٍ يمكن فيها الحديث عن استقرار طويل الأمد. ولا يستغربن أحد إذا قلت إن بعض السوريين غادر حتى دول الخليج التي أتاها لاجئاً/ مهجَّراً، بحثاً عن حياة واستقرار، وربما حتى جنسية جديدة للأبناء، حين سنحت له الفرصة في دول تستوعب مهاجراً يبحث عن مستقر. وأنا أصدق الأب الذي يقول إنه يلجأ إلى أوروبا من أجل أبنائه، فهذه المسؤولية هي التي "تكسر الظهر"، بعربية أهل الشام. 

المميز الثاني أن غالبية هؤلاء ليسوا من المعدمين تماماً، بل من أبناء الطبقات الوسطى ممن خسروا كل شيء، وبقي لديهم بالكاد ما يسدّ لوازم التعرض لابتزاز المهربين، أو لديهم أقارب في الخارج. ويمكن القول إن سورية، في هذه الهجرة، تخسر جزءاً كبيراً من طبقتها الوسطى ومهنييها. من يقيم في تركيا ولبنان والأردن، وحتى دول الخليج العربية سوف يعود إلى سورية، عاجلاً أم آجلاً، أما المهاجرون إلى ألمانيا، فشأنهم مختلف. قد يعود يوماً كبار السن من المهجّرين، أما الأبناء الذين سيدخلون مدرسة ألمانية هذا العام، فهدف اللجوء هذا هو البحث لهم عن مستقبل آخر، بعيداً عن هذه المنطقة، إنه هجرة بالنسبة لهم.
هذا هو الموضوع الأساس، وليس عنصرية القيادة الهنغارية وغيرها من دول شرق أوروبا التي تحتاج إلى معالجة خاصة، ولا حتى موقف القيادتين، الألمانية والنمساوية، الناضج والسويّ والمقدَّر فعلاً. ولكن، لدى الإعلام العربي موهبة خاصة في الابتعاد عن جوهر القضية في أثناء عرض الدراما الإنسانية، وهي دراما حقيقية:
1- الجريمة تقع في سورية وليس في أوروبا. ويجب حل المشكلة في سورية. ولا يجوز أن يعمى نقد المقصر في التضامن عن الجريمة الجارية في سورية.
2- يجب وقف سياسة الترانسفير التي يقوم بها النظام، ويضاف إليه حالياً تنظيم الدولة.
3- ثمة أعداد كبيرة من السوريين ممن يئسوا من الحل، وراحوا يبحثون عن مستقبل للأبناء، بعيداً عن "مكان وقوع الجريمة"، على أنواعها.
4- بموازاة دعم الشعب السوري في صموده، والبحث عن حل للأزمة السورية، لا بد من تهيئة ظروف مناسبة للمهجَّرين السوريين في الدول العربية، بما فيها العيش والعمل وتعليم الأبناء بكرامة. فمصير هؤلاء أن يعودوا إلى سورية. ولكن، لا يجوز أن يعيش الإنسان في ظروف لاجئ في "خيمة" (مجازاً، فقد تكون الخيمة من إسمنت) سنوات.
5- بموازاة إدانة موقف هنغاريا وغيرها ممن يقطعون طريق الناس، يجب أن تبذل الدول العربية، وقوى المعارضة السورية والمنظمات الأهلية السورية والعربية، جهداً لإقناع السوريين بعدم الهجرة. وهذا لا يتم بالوعظ، بل بتهيئة الظروف المناسبة للسوري الذي أعيته النكبات وأتعبه الكلام.

No comments: