Wednesday, October 21, 2015

مصالح روسيا في سورية

سلامة كيلة

Link

يُظهر الإعلام الروسي أن التدخل العسكري في سورية لا يرتبط بـ "مصالح خاصة"، وأنه يهدف إلى منع سقوط نظام بشار الأسد "الذي يواجه الإرهاب". أي أنه يوضح أن ما تقوم به روسيا هو "مهمة إنسانية" (وربما لوجه الله). لكن رئيس الوزراء والرئيس السابق، ديمتري ميدفيديف، أشار، أخيراً، إلى أن هذا التدخل لم يأتِ لدعم الأسد، بل "حماية للمصالح الروسية" التي قال إنها تتعلق بمحاربة الإرهاب هناك، قبل أن يأتي إلى الأرض الروسية. وهذا ما أعاد تكراره فلاديمير بوتين، حيث باتت لازمة لتبرير التدخل العسكري في سورية، وكأن الأمن القومي الروسي يبرر تدمير سورية بحجة الإرهاب. 

هذا تقليد هزلي لما قاله جورج بوش الابن، حين قرر احتلال كل من أفغانستان والعراق، كما أن مجمل الكلام عن "الحرب على الإرهاب" تقليد للخطاب الأميركي. ولا شك في أن روسيا هي إمبريالية تقليد، وهزلي. لهذا تكرر ما قالته إمبريالية "أعرق"، أي أميركا. وأيضاً لا شك في أن الهدف هو نفسه الذي أرادته أميركا، أي السيطرة والاحتلال. لكن، سيكون الأمر هزلياً كذلك. 
هنا نعود إلى الحديث عن "مصالح روسيا" التي غطاها ميدفيديف بالحرب على الإرهاب، لكنها أبعد من ذلك، وغير ذلك، حيث لا نجد أن الغارات الروسية تطاول الإرهاب (داعش والنصرة، على الأقل كما قررت الأمم المتحدة)، وهي مصالح جوهرية لبلد يحاول أن يلعب دوراً إمبريالياً. 
أولاً، حصلت روسيا مقابل حماية النظام دولياً عبر استخدام الفيتو على مصالح اقتصادية مباشرة، تمثلت في احتكار استغلال النفط (كان بيد شركات أميركية) والغاز (كان سبب الصدام مع فرنسا بعد أن أُعطي لشركة أميركية وكيلها محمد مخلوف)، ثم الغاز المكتشف في البحر المتوسط. وأيضاً مشاريع اقتصادية كبيرة، وقّع عليها نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية حينها، قدري جميل، في شهر أغسطس/آب سنة 2012. وبهذا حصلت روسيا على احتكار اقتصادي كبير، سواء باستغلال النفط والغاز، أو في فرض اعتبار سورية سوقاً لسلعها ومجال استثمار أموالها، إضافة إلى احتكار تصدير السلاح الذي هو ضرورة لروسيا. وهذا احتكار إمبريالي بامتياز، وشروطه لا تختلف عن كل احتكار إمبريالي. 
ثانياً، حصلت روسيا على حق وجود قاعدة بحرية في طرطوس، كانت قد أنشئت بداية ثمانينيات القرن الماضي، لكنها أغلقت نتيجة اعتراض أميركي، وبالتالي، أصبحت القاعدة متاحة للخدمة بعد توسيعها. وكما ظهر أن روسيا فرضت إنشاء قاعدة برية جوية في اللاذقية. وبالتالي، فرضت وجوداً عسكرياً دائماً في سورية، هي بحاجة إليه في ظل الدور العالمي الذي تعتقد أن عليها أن تقوم به. فهذا الوجود العسكري يسمح بتعزيز الوجود العسكري البحري في البحر الأبيض المتوسط، ومحاولة فرض هيمنتها فيه، في سياق سعيها إلى أن تكون "وريثة" أميركا المنسحبة من "الشرق الأوسط"، وبالتالي، السعي لكي تعزز وجودها الاقتصادي السياسي والعسكري في هذه المنطقة. 
بالتالي، إذا كان قد أصبح لروسيا مصالح اقتصادية في سورية، فإن وجودها العسكري يسمح لها بأن تكون سورية مرتكزاً لهيمنة أوسع في "الشرق الأوسط". وهذا ما دفعها إلى "عقد تحالف أمني" مع كل من الأنظمة في إيران والعراق وسورية، بما يؤشر إلى بدء تشكيل تحالف سياسي عسكري تحت هيمنتها. 


هذه هي مصالح روسيا التي فرضت عليها التدخل العسكري في سورية، ومن ثم التحكم في مسار النظام، ومحاولة توسيع ذلك للسيطرة على مجمل المنطقة. إنها مصالح إمبريالية في سياق الميل التوسعي الذي باتت الاحتكارات الروسية بحاجة إليه، لكي تراكم أكثر، وتعزّز قدرتها العالمية في مواجهة الاحتكارات الأخرى. بالتالي، يتضمن تقليد الخطاب الذي يكرره الروس تقليد السياسة الإمبريالية الأميركية في السعي إلى السيطرة والاحتلال. هذا هو قدر كل إمبريالية! لكن الأمر الآن لا يعدو أن يكون هزلياً


No comments: