جلبير الأشقر
خصصت مجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية غلاف عددها الأخير ومقاله الافتتاحي[I POSTED THAT ON SUNDAY ]لموضوع سياسة إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب إزاء روسيا الرئيس فلاديمير بوتين. ويُظهر الغلاف رأسي الرئيسين متواجهين، ويسوده لونٌ رمادي بحيث تبرز في الصورة بقعتان باللون الوردي، إحداهما شفتا ترامب والثانية علامة شفتين على خدّ بوتين. ويوحي تصميم الغلاف برسمة باتت شهيرة تُظهر الرجلين في قبلة حامية تلتحم فيها شفاههما، وهي بدورها مستوحاة من لوحة شهيرة رُسمت على جدار برلين سنة 1990 وجمعت رئيس ألمانيا الشرقية السابق، إريش هونيكر، ورئيس الاتحاد السوفييتي السابق، ليونيد بريجنيف، في «قبلة أخوية» خلّدتها صورة فوتوغرافية لا تقلّ شهرةً وتزيد عن الرسمة غرابةً لكونها صورة حقيقية.
ومن المرجّح أن يكون أحد مقاصد غلاف المجلة البريطانية العريقة التلميح إلى التعليق الذي ورد في أسفل اللوحة المرسومة على جدار برلين والقائل: «يا إلهي، ساعدني على أن أبقى حياً بعد هذا الحُبّ القاتل». والحال أن افتتاحية المجلة مكرّسة للتحذير من سياسة ترامب المُعلَنة في السعي وراء علاقة صداقة وتعاون مع زميله الروسي، وهو لم ينفكّ يكيل له المديح ويدافع عنه إلى حد جعله يردّ على معلِّق سأله على شبكة تلفزيون «فوكس نيوز» كيف به يحترم بوتين وهذا الأخير «مجرم»، فقال ترامب: «هناك الكثير من المجرمين. وهل تظنّ أن بلدنا بريء؟» وقد أثار هذا الردّ عاصفة من الاحتجاج في الولايات المتحدة وفي الدول الحليفة لها، وعلّقت عليه افتتاحية «ذي إيكونوميست» بالقول «إن إيحاءَ رئيس أمريكي بأن بلده لا يقلّ إجراماً عن روسيا قولٌ لا سابق له وهو خاطئ ويشكّل هديّة لأبواق دعاية موسكو».
والحقيقة أن قول ترامب صحيح تماماً، ولا بدّ لأكبر الكاذبين من أن يصدق بين حين وآخر مثلما تشير عقارب الساعة المتوقّفة إلى الوقت الصحيح مرّتين كل يوم. وليتَ ترامب، بدل حصر الأمر بالإرهابي بوتين الذي ما برح الناس يتساءلون عن سرّ المودّة التي يكنّها له، ليته يطبّق منطِقه في نقد الذات على جميع الذين يتهمهم بتصدير الإرهاب في حين أن بلده حقاً شيخ الإرهابيين، منه انطلقت وتنطلق أفتك العمليات الإرهابية منذ أن غدا أعظم قوة عالمية إثر الحرب العالمية الثانية. فبدل اتهام جميع اللاجئين السوريين بأنهم داعشيون متستّرون واتهام جميع العراقيين واليمنيين الإيرانيين والسودانيين والليبيين والصوماليين والإيرانيين بأنهم إرهابيون مرجّحون، كان أحرى بالرئيس الأمريكي أن يقول ما قاله تعليقاً على بوتين: «وهل تظنّ أن بلدنا بريء؟»
بل ليتَ الرئيس الأمريكي الجديد، الذي جرّه الدفاع عن بوتين إلى الإقرار بأن بلده مجرمٌ هو أيضاً، يذهب بهذا الإقرار إلى خلاصته الضرورية، ألا وهي الاعتراف بالحقيقة الفاقعة أن البلدان السبعة التي اتهمها بتصدير الإرهاب وأراد منع رعاياها من دخول الولايات المتحدة، تعاني جميعاً من مآسٍ هائلة يعود سببها الأول إلى دور واشنطن في صنعها. بل إن السبب التاريخي الأول والرئيسي في توليد الكارثة العربية الراهنة يعود إلى صيانة الولايات المتحدة للأنظمة العربية الرجعية وللأصولية الإسلامية المتطرّفة ولدولة الإرهاب الصهيوني في وجه الأماني القومية التقدّمية التي جسّدها الزعيم الكبير جمال عبد الناصر.
وليت دونالد ترامب يتذكّر أن أم العمليات الإرهابية غير الحكومية (تمييزاً عن الإرهاب الحكومي الذي تتفوّق فيه الولايات المتحدة على سواها)، أي عملية الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، قام بها تنظيمٌ سبق أن تعاون مع أجهزة الولايات المتحدة في الحرب ضد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان. وليت ترامب يتفطّن لكون سلفه جورج دبليو بوش هو الذي فتح باب العراق على مصراعيه أمام تنظيم القاعدة ويتفطّن لكون سلفه الآخر باراك أوباما هو الذي سمح بتدمير سوريا وشعبها بما أفضى إلى نشوء داعش، وهذه الأخيرة كارثة على شعوبنا أكبر بكثير مما هي على الشعب الأمريكي أو أي شعب آخر.
ولو أقرّ دونالد ترامب بكل هذه الحقائق، عوَض اقتصاره على تبرير جرائم زميله بالإجرام فلاديمير بوتين، لأدرك أن واجب الولايات المتحدة الأخلاقي ليس فقط التعويض عمّا تسببت به من قتل ودمار، بل أيضاً إشراع أبوابها أمام كافة طالبي اللجوء القادمين من بلدان منطقتنا المنكوبة.
٭ كاتب وأكاديمي من لبنان
No comments:
Post a Comment