أسامة أبو ارشيد
Link
"بدلاً من أن تأتينا (الولايات المتحدة) بـصفقة العصر أتتنا بصفعة العصر"، هكذا لخص الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، القدس عاصمة لدولة إسرائيل، ونية إدارته نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إليها. ولم يتوقف عباس عند ذلك الحد، إذ اعتبر، في كلمته أمام قمة منظمة التعاون الإسلامي الطارئة، في إسطنبول، يوم الأربعاء الماضي، أنه لم يعد من المقبول "أن يكون للولايات المتحدة دور في العملية السياسية بعد الآن، فهي منحازة لإسرائيل، وغير أهل لقيادة عملية السلام". بل ذهب إلى أبعد من ذلك بالقول: إن استمرار إسرائيل في انتهاكاتها، خصوصا في القدس المحتلة، "يجعلنا في حلّ من الاتفاقيات الموقّعة معها، بما فيها اتفاق أوسلو"، مضيفا: "لا يمكن أن نبقى سلطة بدون سُلطة". وطالب عباس دول العالم "بمراجعة قرار اعترافها بإسرائيل بعد خروقاتها لجميع القرارات والاتفاقيات الدولية"، لافتًا إلى أن "الاعتراف الدولي بدولة إسرائيل منذ عام 1947 باطل".
المفردات السياسية السابقة التي استخدمها عباس غير معهودة من قبل في خطابه السياسي، فهو قد بنى سمعته وإرثه السياسيين، بل وحتى مستقبله السياسي، على تحقيق "السلام" مع إٍسرائيل. ولطالما تلقى الرجل تقريظا إسرائيليا وأميركيا بأنه القائد القادر على تحقيق "السلام" فلسطينيا، على عكس الزعيم الراحل، ياسر عرفات، الذي اتهم، أميركيا وإسرائيليا، بالمراوغة. ولكن من الواضح الآن، أنه حتى عباس، الذي لا يؤمن بالكفاح المسلح، ولا حتى بالمقاومة الشعبية، ولا يرى بديلا غير المفاوضات و"السلام" مع إسرائيل.. من الواضح أنه يعلن رسميا وصوله إلى نهاية طريق المغامرات السياسية الطائشة، من دون أن يعني ذلك، من أسف، أنه سيتخلى عن هذا الطريق فعلياً، حتى ولو أراد، فهو قد فرّغ كل الخيارات الأخرى من محتواها، وربط مستقبله السياسي ومستقبل السلطة الفلسطينية بها.
ثمّة بعد آخر في خلفية مشهد تصعيد عباس غير المعهود مع إسرائيل والولايات المتحدة، والتي وصلت إلى حدّ الامتناع عن لقاء نائب الرئيس الأميركي، مايك بينس، في زيارته المرتقبة
تقود النقطة السابقة إلى السؤال المركزي لهذا المقال، وهو ما إذا كانت القيادة الرسمية الفلسطينية قادرة، أو حتى راغبة، في تحدّي الضغوط الأميركية والإسرائيلية، بل وحتى بعض العربية، للعودة إلى طاولة المفاوضات ضمن إطار قواعد اللعبة الجديدة؟ موضوعيا، يصعب تخيل هذا السيناريو، خصوصا، وكما سبق القول، أن القيادة الرسمية الفلسطينية، وفي مقدمتها عباس، كسرت كل قوائم الخيارات الأخرى المتاحة فلسطينيا. وبهذا يكون التحدّي المركزي لهذه القيادة، متمثلا في صياغة مشروع وطني فلسطيني توافقي، يوظف الرفض العربي
إذا كانت سرقة القدس، وتحطيم أوهام حَلِّ الدولتين، غير قادرين على توحيد شعث الفلسطينيين، فماذا يا ترى يمكنه توحيدهم؟ سيقول بعضهم، ربما الدم، ولكن حتى الدم لم يأت بالوحدة الفلسطينية - الفلسطينية المنشودة. ألم تسحق غزة ثلاث مرات ما بين 2009-2014، ولم ينته الانقسام؟ ربما لم يبق أمام الفلسطينيين إلا تغيير قواعد اللعبة، كما غيرت إسرائيل والولايات المتحدة قواعد اللعبة. آن الأوان أن يعود الخيار إلى الشعب، ليختار قيادة جديدة تمثل طموحاته ونضالاته وتطلعاته.. قيادة تستمد شرعيتها من الشعب الفلسطيني، لا من التوازنات التنظيمية والإقليمية والدولية.. قيادة متحرّرة من عُقَدِ إلغاء الخيارات الفلسطينية الأخرى واحتقارها، والنظر فيها كلها، على أرضية واحدة، هي أرضية المصالح الفلسطينية الجَمَعِيَّةِ، لا مصالح أطراف وشخصيات بعينها مستفيدة من ارتباطها بالاحتلال، وتخشى فقدان امتيازاتها. بغير ذلك، لربما تصدق حسابات الأميركيين، وتعود القيادة الرسمية التي لا تحظى بشرعيةٍ شعبيةٍ إلى طاولة التنازلات، فمن كانت شعبيته نابعة من الاحتلال والتوازنات الإقليمية والدولية، سيبقى رهينة لتلك الحسابات، وبهذا يكون "التَحَلُّلَ من أوسلو"، كما هدّد عباس، مجرد رصاص فارغ، اللهم أن يقول الشعب الفلسطيني كلمة أخرى.
No comments:
Post a Comment