حسام كنفاني
Link
لم تكن دعوة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، خلال القمة الإسلامية في إسطنبول الأسبوع الماضي، إلى زيارة القدس والأراضي الفلسطينية باعتبارها زيارة للسجين وليست دعماً للسجان، الأولى من نوعها، فقد سبق لأبو مازن أن أطلق مثل هذه الدعوة في مناسبات سابقة، وبالفعل تم التجاوب معها من أكثر من طرف عربي، غير أنها لم تغلق الباب حول الشبهات التطبيعية التي تأتي من هذه الزيارات، خصوصاً أن المستفيد الأساسي منها ليس الفلسطينيين، بل دولة الاحتلال.
قد يكون تعبير زيارة السجين مدغدغاً لمشاعر كثيرين يريدون التضامن مع الفلسطينيين في محنتهم الطويلة، إلا أن التطبيق على أرض الواقع لن يؤدي إلى هذا الغرض بالتأكيد، خصوصاً أن هناك من سيستغله فعلياً للقيام برحلاتٍ تطبيعيةٍ حقيقية إلى إسرائيل. وإذا تجنبنا الخوض في هذا الجانب، وأبقينا على حسن النيات في الزيارات التي يريدها أبو مازن، والتي أضاف عليها الاستثمارات أيضاً، يمكننا أن نطرح تساؤلاً حول كيفية الاستفادة الفلسطينية من هذه الخطوات، وأي مردود يمكن أن يحصل عليه الفلسطينيون من قدوم وفود عربية إلى القدس المحتلة والضفة الغربية تحت أنظار الجيش الإسرائيلي، وبموافقات أمنية من دولة الاحتلال.
هل المقصود من الزيارات أن تؤدّي إلى اعتراف سياسي عربي بالوضع القائم؟ بالتأكيد هذا ما تريده إسرائيل فعلياً، فأي خدمةٍ قد تكون أفضل من قبول عربي بالوضع الاحتلالي للقدس والضفة الغربية، باعتباره وضعاً شبه نهائي، والتصرّف بشكل طبيعي على أساسه عبر الزيارات والاستثمارات وتبادل السفارات. مشهد يزيل القضية الفلسطينية تماماً عن خريطة الاهتمامات الدولية، ولا سيما في حال تم استثماره من سلطات الاحتلال التي ستقدم نفسها حامية لحقوق المسجونين الفلسطينيين، والحريصة على تأمين كل مستلزماتهم، بما فيها زيارة الأهل والأقارب. قد لا يكون هذا هدفاً إسرائيلياً فقط، فبعض الدول العربية تسعى فعلياً إلى تكريس هذا الوضع، وإنْ بأشكال أخرى، كأن تكون داعمةً لتشكيل هيكل فلسطيني تحت مسمى دولة، يسهل تطبيع العلاقات مع إسرائيل بشكل علني ومكشوف، وهو ما بدأنا نراه فعلياً بعد ترويج صفقة القرن وزيارة الوفد البحريني إلى القدس المحتلة في ذروة الهبّة المعترضة على قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إعلان القدس عاصمة لإسرائيل.
وإذا كان هذا الحال في الزيارات، فكيف يمكن أن تكون في الاستثمارات التي يريدها أبو مازن، خصوصاً في القدس المحتلة الخاضعة كلياً للسيطرة الإسرائيلية، والتي ربما لا يستطيع عباس نفسه زيارتها من دون كثير من التنسيق مع قوات الاحتلال. فأي مشروع قد يتم فتحه في الأراضي المحتلة، فإن مردوده الأساسي سيكون لإسرائيل، وليس لغيرها، حتى لو تم في مناطق فلسطينية، وتحت مسمى دعم المقدسيين في التشبث بأرضهم وعدم مغادرتها. فمن المعروف أن أي نشاط تجاري في القدس المحتلة سيكون خاضعاً للسلطات الاقتصادية والضرائبية الإسرائيلية، ويحتاج إلى موافقاتٍ أمنيةٍ إضافة إلى موافقة بلدية القدس الخاضعة لإسرائيل، والتي لن تتوانى عن الموافقة، طالما أنها ستكون المستفيد الأساسي اقتصادياً وسياسياً من هذه المشاريع.
بناءً عليه، فإن زيارة السجين في هذه الحالة ستكون خدمة للسجّان، ولن تؤدي، في النهاية، إلا إلى تغوّله وتكريس الوضع القائم، ليبقى السجين سجيناً والسجان سجاناً، مع فارق أنه معترفٌ به عربياً.
No comments:
Post a Comment