هرولة فلسطينية اردنية بحاجة للجم
"تشهد المنطقة العربية حراكا سياسيا نشطا هذه الايام محوره القاهرة. فقد عرج العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز علي شرم الشيخ في ختام جولته الاوروبية التي شملت بريطانيا وايطاليا والمانيا وتركيا، والتقي الرئيس حسني مبارك، وبعد اقل من يوم من مغادرته حل العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس في المنتجع المصري نفسه ضيفين علي الرئيس مبارك في زيارة مفاجئة.
هناك تفسيران اساسيان لمثل هذا الحراك من حيث اهميته واهدافه وتوقيته، الاول يتعلق بمؤتمر انابوليس للسلام الذي دعت الادارة الامريكية لعقده في الخريف، لحل القضية الفلسطينية، والثاني له صلة مباشرة بالخلاف المصري ـ الاسرائيلي من ناحية، والمصري ـ الفلسطيني من ناحية ثانية، ونحن نتحدث هنا عن الشق المتعلق بسلطة الرئيس محمود عباس في رام الله علي وجه الخصوص.
فاللافت ان محورا سعوديا مصريا بات يتبلور في مواجهة محور فلسطيني ـ اردني فيما يتعلق بمؤتمر السلام. فالجانبان السعودي والمصري ابديا تحفظات علي هذا المؤتمر والاهداف التي تكمن خلف انعقاده بهذه الطريقة المتعجلة. ابرزها ضرورة التحضير الجيد، وبحث قضايا الوضع النهائي، وتوفير فرص النجاح الاساسية لتجنب فشل، قد تكون عواقبه وخيمة للغاية علي المنطقة بأسرها.
في مقابل هذه التحفظات المصرية ـ السعودية هناك هرولة اردنية ـ فلسطينية نحو المشاركة في مؤتمر السلام، ودون الحد الادني من التشاور مع الاطراف العربية الاخري. وبات واضحا ان الرئيس عباس يميل الي التنسيق الكامل مع الاردن والاسرائيليين والامريكان، ودون اي اعتبار للاطراف العربية الاخري. وعبر رياض منصور مندوب فلسطين في الامم المتحدة عن هذا التوجه الجديد لسلطة عباس عندما تشاور مع الطرف الاوروبي حول مشاريع قرارات كان سيتقدم بها الي الجمعية العامة للامم المتحدة ودون اي تنسيق او تشاور مع زملائه مندوبي الدول العربية، وبلغ غضب هؤلاء ذروته عندما قال لهم السيد منصور ان موافقة الاوروبيين ودعمهم اهم بالنسبة اليه من دعم الدول العربية. ولا يمكن ان يجرؤ السيد منصور مندوب فلسطين علي اتخاذ موقف كهذا دون تلقيه توجيهات صارمة من الرئيس عباس نفسه. ودون ان تكون هذه التوجيهات في اطار سياسة رسمية للسلطة الفلسطينية.
الرئيس عباس بدأ يستند ايضا علي علاقاته المتنامية مع الطرفين الامريكي والاسرائيلي ايضا، واعتمادها كبديل عن علاقاته مع الدول العربية، خاصة ان مصر امتعضت من تصلبه تجاه اي حوار مع حركة حماس بعد سيطرتها علي قطاع غزة في حزيران (يونيو) الماضي، لان هذا التصلب جاء استجابة لاملاءات امريكية ـ اسرائيلية.
الامر المؤكد ان العاهل الاردني وزميله الفلسطيني استشعرا خطر هذا العتب، ان لم يكن الغضب المصري، فقررا القيام بهذه الزيارة الخاطفة لوقف التدهور في علاقاتهما مع مصر التي بدأت تتحدث بصوت عال عن رغبتها في استعادتها لدورها، والحفاظ علي امنها القومي الذي تشكل فلسطين، وغزة علي وجه التحديد، جزءا اساسيا منه.
ومن غرائب الصدف ان توقيت الزيارة جاء بعد الاهانة التي تعرض لها الوفد الفلسطيني المفاوض بقيادة احمد قريع (ابو العلاء) امام احد المعابر الاسرائيلية في الضفة الغربية، وهم في طريقهم الي القدس المحتلة لملاقاة السيدة تسيبي ليفني وزيرة خارجية الدولة العبرية، حيث تعرض الوفد للايقاف لمدة نصف ساعة من قبل جندي اسرائيلي عامل اعضاءه بطريقة استفزازية تنطوي علي الكثير من الاحتقار، مما دفعهم الي العودة من حيث اتوا غاضبين.
المحور السعودي ـ المصري يستطيع، بما يملك من امكانيات ضخمة، وقف هذه الهرولة الاردنية ـ الفلسطينية، والاصرار علي توفير ضمانات لانجاح مؤتمر الخريف في حال انعقاده، لان انعقاد المؤتمر وفق الشروط والاملاءات الاسرائيلية ـ الامريكية يشكل تفريطا بالحقوق العربية المشروعة، خاصة ان هناك في الطرف الفلسطيني من هو مستعد للتنازل عن ثوابت اساسية تحت ذرائع الواقعية وكسب الطرف الامريكي الذي يملك معظم اوراق اللعبة.
المأمول ان يركز الرئيس المصري في لقاءاته مع ضيفيه علي كيفية ترميم البيت الفلسطيني، واعادة اللحمة الي الضفة وغزة، كمنطلق لترتيب البيت العربي وفق اسس الحد الادني لتقليص الخسائر اذا لم يتأت منع الضرر. وهو ضرر ناتج عن سياسة امريكية متهورة، وانهيار عربي بلا قاع"
No comments:
Post a Comment