Thursday, December 20, 2007
معايدة لمحمود رضا عبّاس
بقلم: د. إبراهيم حمّامي
"فخامة وسيادة وعظمة محمود عبّاس
رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية
رئيس دولة فلسطين
رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
القائد الأعلى للقوات المسلحة الفلسطينية
وغيرها من المناصب والصفات والألقاب!
بمناسبة عيد الأضحى المبارك، عيد التضحية والفداء، أتقدم لفخامتك وسيادتك وعظمتك بالشكر على تضحيتك الكبرى والعظيمة بشعب فلسطين هذا العام، فأي تضحية أكبر من هذه التضحية وأي فداء أعظم، وأنتم ترون دماء الشعب يسيل أنهارا؟ وأي وفاء للشعب الذي انتخبك رئيساً له (483.039 من أصل 11 مليون فلسطيني) أكثر من إيثاره على نفسك بالذبح وسفك الدماء؟
إن جهودك الجبارة يا فخامة وسيادة وعظمة محمود رضا عبّاس عبّاس في كسر الحصار، ورفع المعاناة، وتخفيف القيود عن شعبنا، لا تخفى إلا عن غافل أو متغافل، فقد شخصت ومعك الجوقة إياها أساس المشكلة، وحددت المسؤولية، وقررت أن خلاص أبناء الشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة، أو من أسماهم رئيس حكومتك "الغزيون"، لا يكون إلا بضربهم ومعاقبتهم، وتشديد الخناق عليهم، فشاركتك وحرضت على قطع الكهرباء، ووقف إمدادات الوقود، وأوقفت الرواتب إلا لمن جلس مستريحاً في بيته، وتوسلت من أجل شعبك أن لا يُفتح معبر رفح، حتى لا يكون انتصاراً للطامعين في ملكك الوافر وسلطانك العظيم.
إن تلك الجهود المضنية والجبارة التي تبذلها بعيداً عن أهلك وبيتك، متجولاً في حل وترحال حول العالم، من بلد إلى بلد، ومن عاصمة لأخرى، للتأكيد على مواقفك المبدئية الثابتة، وتمسكك بالمفاوضات خيارا استراتيجيا وحيدا مهما كانت التضحيات، تلك الجهود تستدعي التوقف عندها، فمن غيرك يعانق ويقبل ويجتمع ويلتقي مع قتلة شعبه، من أجل شعبه! ومن لها غيرك يا من تصر على أن الحوار هو الطريق الوحيد مع شركاء السلام؟، حتى وان كانت أياديهم تقطر دماً من أبناء شعبنا، وصدق ربيبك ذو الوجه الأصفر عندما وصفك بالقائد العظيم المبدع، وأيما إبداع!
إن هذا الإصرار البطولي على محاورة شركاء السلام -من الأعداء!- يثبت أنك من نوع خاص، لم يسبقك إليه أحد، وأنك تملك من المشاعر ما يصعب وصفه، فعشرات الشهداء، ومئات الجرحى، وآلاف الأسرى، وعشرات الآلاف من الوحدات الاستيطانية، لا تحرك في شعورك ذرة، ولا تفت من عضدك، بل هي في نظرك قرابين عيد الأضحى التي تتقرب وتتعبد بها، من أجل السلام وعملية السلام وخطط السلام، وعلى قاعدة يا جبل ما يهزك لا ريح ولا دماء ولا شهداء.
في ذات الوقت لا يسعنا إلا أن نذكر مواقفك الصلبة والحاسمة والواضحة وضوح الشمس، تجاه من يعارض فخامتك وسيادتك وعظمتك، ومن يعارض سياساتك وتوجهاتك السلمية المبدعة، ومن يحاول إهانة ومقاومة شركائك من خلال مقاومة "عبثية" و"حقيرة"، ويتمسكون بثوابت وحقوق تحت شعارات واهية عفا عليها الزمان، مواقفك تلك غير القابلة للزعزعة أو الزحزحة: لا حوار ولا لقاء ولا تفاهم معهم، لاءات عظيمة لقائد مبدع عظيم، يرددها ليل نهار من اخترتهم من ناطقين رسميين، ولا بأس من أي يأخذوا زمام المبادرة فيضيفوا ما تيسر من شروط أخرى.
إنك يا فخامة وسيادة وعظمة محمود رضا عبّاس عبّاس لا تدخر جهداً لإثبات النوايا الصادقة تجاه شركاء السلام سابقاً ولاحقاً، ومنذ العام 1968 عندما بدأت أول اتصالات معهم إيماناً منك وبشكل مبكر بأهمية الحوارات، لكنك أيضاً لا تألو جهداً في رفض الحوار مع من لا يقبل فكرك النيّر المستنير، وإبداعاتك المتميزة.
بمواقفك الرائعة تلك تثبت يوماً بعد يوم أنك تستحق الألقاب والصفات والمناصب، وتثبت أنك الأجدر على تحمل المسؤولية، كيف لا وقد استطعت في فترة وجيزة من عهدك الميمون أن تصدر شهادة الوفاة للانتفاضة التي عجزت ترسانة المحتل عن وقفها، وفرضت الأمن والأمان كما وعدت في برنامجك الانتخابي، وأصبح واقعاً ملموساً نعيشه ولا يمكن أن نستبدله بكنوز الأرض، وبغض النظر عن استمرار الاغتيالات والاجتياحات والاعتقالات والإرهاب اليومي المنظم من قبل الاحتلال، فهذا شأن خاص بهم حتى وإن كنا من يدفع ثمنه، فما يهمنا هو التزامنا الثابت الذي لا يتزعزع بحفظ الأمن – لا يهم أي أمن سواء كان أمن المستوطنات أو غيرها - لسحب الذرائع من المحتل، حتى وان كان لا يحتاج لذرائع، لأن أخلاقنا تفرض علينا أن نُضرب ولا نصرخ، وأن نُقتل ولا يسمع لنا صوت، وأن نُعذّب ونعض على الشفاه من الألم، ما يهم هو المبدأ.
إنك اليوم تؤكد أن أرض فلسطين هي مهد الأديان والحضارات: تقدم دماء شعب فلسطين في عيد الأضحى الإسلامي تأسياً بسيدنا إبراهيم عليه السلام، وتطبق رسالة المسيح عليه السلام وتزيد، فتقبل أن تصفع على خديك مراراً وتكراراً من شريكك في السلام بعد مهرجان أنابوليس، حيث قرر أن يبني المزيد من المستوطنات، واعتبر القدس خارج الحوار والتفاوض، ورفض حق العودة، وقال أن المفاوضات ستأخذ عشرات السنين، وتوجه رسالة محبة لأتباع الديانة اليهودية بقبولك مبدأ يهودية "اسرائيل"، ما أفخمك يا فخامة!
بهذه المناسبة، مناسبة عيد الأضحى المبارك، وفي ظل الدم الفلسطيني المسفوك قرباناً على مذبح السلام، إرضاء وولاء لأولياء الأمر والنعمة ممن أنعموا علينا بعيدية العيد من باريس، وأرسلوها بسرعة البرق عبر الصواريخ الموجهة في غزة، أتقدم بأخلص الأماني أن يجمعك الله سبحانه وتعالى مع شركائك في الدنيا والآخرة، وأن يجزيك عن كل قطرة دم سالت وتسيل فداء للسلام الذي اخترته، وأن يجعلك عبرة لمن يليك."
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
No comments:
Post a Comment