المفاجأة السورية
عبد الباري عطوان
"الاعلان المفاجيء الذي صدر يوم امس في كل من دمشق وتل ابيب حول انخراط حكومتي العاصمتين في مباحثات سلام غير مباشرة بوساطة تركية يشكل انعكاسا صادقا لحالة الغموض في بعض جوانب السياسات السورية التي تستعصي علي الفهم، فهمنا نحن علي الاقل.
فالحكومة السورية، ظلت علي مدي السنوات الخمس الماضية تطرح نفسها علي انها زعيمة دول الممانعة في المنطقة العربية، وتقف في المعسكر المقابل لمشاريع الهيمنة الامريكية ـ الاسرائيلية، وتحتضن فصائل المقاومة الفلسطينية، وتنسج تحالفا استراتيجيا مع ايران العمود الفقري لمحور الشر وفق التصنيف الامريكي، ولذلك فان السؤال الذي يطرح نفسه حاليا هو عن اسباب هذا التحول السياسي السوري المفاجيء وما اذا كان تحولا جديا استراتيجيا، ام انه من قبيل التكتيك وشراء الوقت؟
.....
ولا نعرف ما اذا كان المسؤولون السوريون الذين يشجعون هذه المفاوضات، ويتحمسون لتطويرها لكي تنتقل الي العلن، وعقد لقاءات مباشرة، قد اضطلعوا علي تفاصيل التجربة التفاوضية الفلسطينية، وخيبات الأمل التي اصابت سلطة رام الله من جراء تعثرها، حتي يستخلصوا الدروس والعبر قبل الوقوع في المصيدة نفسها، وهم الذين بنوا شرعية وجودهم علي التميز والتشدد في التمسك بالثوابت العربية بشكل عام، والسورية بشكل خاص.
فالسيد محمود عباس رئيس السلطة عقد اكثر من سبعة عشر لقاء مباشرا، ومعظمها مغلق، مع اولمرت في القدس المحتلة، كما زارت السيدة كوندوليزا رايس وزيرة خارجية الولايات المتحدة الراعية لهذه المفاوضات المنطقة اكثر من اربع عشرة مرة في الاشهر العشرين الماضية، ومع ذلك لم يحدث اي تقدم حقيقي في اي من القضايا المطروحة،
......
الأرجح ان الطرفين، السوري والاسرائيلي، يريدان شراء الوقت، وتخفيف الضغوط التي تمارس عليهما. فالطرف السوري يريد كسر عزلته العربية والدولية عبر البوابة الاسرائيلية، ويحاول التقرب من خلالها الي واشنطن، لامتصاص سموم الادارة الحالية المعادية تماما للنظام السوري، وهذا ما يفسر المرونة التي ابداها تجاه حوارات الدوحة، ومساهمته بفاعلية في انجاح الوساطة القطرية، واقناع وفد المعارضة بالقبول بالاتفاق
.....
يظل هناك من يجادل بان الحكومة السورية ايضا ضعيفة، وظلت طوال الاعوام الثلاثة الماضية ترسل الاشارات والمبعوثين الي اسرائيل طلبا للتفاوض، وبلغ هذا الضعف ذروته عندما أغارت الطائرات الاسرائيلية علي ما يعتقد انها منشأة نووية قرب مدينة دير الزور في الشمال الشرقي، ونجحت في تدميرها دون ان يعترضها احد، تلاها نجاح الاستخبارات الاسرائيلية، حسب الرواية السورية، في اغتيال الراحل عماد مغنية قائد الجناح العسكري للمقاومة الاسلامية اللبنانية (حزب الله) في قلب مدينة دمشق، وفي منطقة تعتبر الاكثر تحصينا فيها.
.....
وسواء كان الخيار السوري التفاوضي من موقع ضعف او قوة، فإنه خيار ينطوي علي مقامرة، ربما تأتي بنتائج عكسية تماما. فدخول سورية في مفاوضات مباشرة غير مضمونة النتائج سيحرمها من ورقة قوية طالما استخدمتها بنجاح في وجه معارضيها، خاصة في لبنان، وهي ورقة الممانعة والتمسك بالثوابت القومية، واتهام الآخرين، بالتالي، بالتفريط بهذه الثوابت.
....
وحتي لو افترضنا ان الحكومة الاسرائيلية الحالية مستعدة، ثم بعد ذلك قادرة علي توقيع اتفاق سلام مع سورية يعيد اليها هضبة الجولان، فانها ستطالب بطرد الفصائل الفلسطينية وقياداتها المقيمة في دمشق، والتخلي بالكامل عن اي تحالف او دعم لحزب الله في لبنان، وفصم عري التحالف كليا مع ايران، والانخراط في عملية تطبيع ساخن مع الدولة العبرية، لأن التطبيع البارد مع مصر لن يتكرر حسب التصريحات الاسرائيلية، واخيرا القبول بالهضبة منزوعة السلاح، ووجود قوات وأجهزة مراقبة امريكية او دولية.
هذا المقابل سيعني اعادة صياغة كاملة لسورية وتاريخها وسياساتها وتحالفاتها، ونسفا كاملا لسنوات من الخطاب الاعلامي والتربية السياسية. وهي عملية تغيير جذري وليست عملية تغيير تجميلية سطحية، ليس فقط للنظام الحاكم، وانما للبنية التحتية البشرية والاجتماعية والعقلية السورية
...."
عبد الباري عطوان
"الاعلان المفاجيء الذي صدر يوم امس في كل من دمشق وتل ابيب حول انخراط حكومتي العاصمتين في مباحثات سلام غير مباشرة بوساطة تركية يشكل انعكاسا صادقا لحالة الغموض في بعض جوانب السياسات السورية التي تستعصي علي الفهم، فهمنا نحن علي الاقل.
فالحكومة السورية، ظلت علي مدي السنوات الخمس الماضية تطرح نفسها علي انها زعيمة دول الممانعة في المنطقة العربية، وتقف في المعسكر المقابل لمشاريع الهيمنة الامريكية ـ الاسرائيلية، وتحتضن فصائل المقاومة الفلسطينية، وتنسج تحالفا استراتيجيا مع ايران العمود الفقري لمحور الشر وفق التصنيف الامريكي، ولذلك فان السؤال الذي يطرح نفسه حاليا هو عن اسباب هذا التحول السياسي السوري المفاجيء وما اذا كان تحولا جديا استراتيجيا، ام انه من قبيل التكتيك وشراء الوقت؟
.....
ولا نعرف ما اذا كان المسؤولون السوريون الذين يشجعون هذه المفاوضات، ويتحمسون لتطويرها لكي تنتقل الي العلن، وعقد لقاءات مباشرة، قد اضطلعوا علي تفاصيل التجربة التفاوضية الفلسطينية، وخيبات الأمل التي اصابت سلطة رام الله من جراء تعثرها، حتي يستخلصوا الدروس والعبر قبل الوقوع في المصيدة نفسها، وهم الذين بنوا شرعية وجودهم علي التميز والتشدد في التمسك بالثوابت العربية بشكل عام، والسورية بشكل خاص.
فالسيد محمود عباس رئيس السلطة عقد اكثر من سبعة عشر لقاء مباشرا، ومعظمها مغلق، مع اولمرت في القدس المحتلة، كما زارت السيدة كوندوليزا رايس وزيرة خارجية الولايات المتحدة الراعية لهذه المفاوضات المنطقة اكثر من اربع عشرة مرة في الاشهر العشرين الماضية، ومع ذلك لم يحدث اي تقدم حقيقي في اي من القضايا المطروحة،
......
الأرجح ان الطرفين، السوري والاسرائيلي، يريدان شراء الوقت، وتخفيف الضغوط التي تمارس عليهما. فالطرف السوري يريد كسر عزلته العربية والدولية عبر البوابة الاسرائيلية، ويحاول التقرب من خلالها الي واشنطن، لامتصاص سموم الادارة الحالية المعادية تماما للنظام السوري، وهذا ما يفسر المرونة التي ابداها تجاه حوارات الدوحة، ومساهمته بفاعلية في انجاح الوساطة القطرية، واقناع وفد المعارضة بالقبول بالاتفاق
.....
يظل هناك من يجادل بان الحكومة السورية ايضا ضعيفة، وظلت طوال الاعوام الثلاثة الماضية ترسل الاشارات والمبعوثين الي اسرائيل طلبا للتفاوض، وبلغ هذا الضعف ذروته عندما أغارت الطائرات الاسرائيلية علي ما يعتقد انها منشأة نووية قرب مدينة دير الزور في الشمال الشرقي، ونجحت في تدميرها دون ان يعترضها احد، تلاها نجاح الاستخبارات الاسرائيلية، حسب الرواية السورية، في اغتيال الراحل عماد مغنية قائد الجناح العسكري للمقاومة الاسلامية اللبنانية (حزب الله) في قلب مدينة دمشق، وفي منطقة تعتبر الاكثر تحصينا فيها.
.....
وسواء كان الخيار السوري التفاوضي من موقع ضعف او قوة، فإنه خيار ينطوي علي مقامرة، ربما تأتي بنتائج عكسية تماما. فدخول سورية في مفاوضات مباشرة غير مضمونة النتائج سيحرمها من ورقة قوية طالما استخدمتها بنجاح في وجه معارضيها، خاصة في لبنان، وهي ورقة الممانعة والتمسك بالثوابت القومية، واتهام الآخرين، بالتالي، بالتفريط بهذه الثوابت.
....
وحتي لو افترضنا ان الحكومة الاسرائيلية الحالية مستعدة، ثم بعد ذلك قادرة علي توقيع اتفاق سلام مع سورية يعيد اليها هضبة الجولان، فانها ستطالب بطرد الفصائل الفلسطينية وقياداتها المقيمة في دمشق، والتخلي بالكامل عن اي تحالف او دعم لحزب الله في لبنان، وفصم عري التحالف كليا مع ايران، والانخراط في عملية تطبيع ساخن مع الدولة العبرية، لأن التطبيع البارد مع مصر لن يتكرر حسب التصريحات الاسرائيلية، واخيرا القبول بالهضبة منزوعة السلاح، ووجود قوات وأجهزة مراقبة امريكية او دولية.
هذا المقابل سيعني اعادة صياغة كاملة لسورية وتاريخها وسياساتها وتحالفاتها، ونسفا كاملا لسنوات من الخطاب الاعلامي والتربية السياسية. وهي عملية تغيير جذري وليست عملية تغيير تجميلية سطحية، ليس فقط للنظام الحاكم، وانما للبنية التحتية البشرية والاجتماعية والعقلية السورية
...."
***
I am deeply suspicious of the Syrian regime; one has to be prepared for the worst from it. All the regime cares about is to stay in power. If you don't believe me just ask Maher Arar.
No comments:
Post a Comment