Saturday, May 24, 2008

توجه سوري محفوف بالمخاطر

توجه سوري محفوف بالمخاطر

عبد الباري عطوان

"المفاوضات السرية غير المباشرة التي رعتها تركيا بين مندوبين سوريين واسرائيليين في انقرة بدأت قبل ستة اشهر، اي انها ليست وليدة الساعة، ولكن موضع التساؤل هو اختيار هذا الاسبوع للاعلان عنها في كل من دمشق وانقرة والقدس المحتلة بتنسيق مسبق، والدوافع الكامنة خلف هذا التوجه السوري نحو السلام مع اسرائيل في وقت يعتقد كثيرون ان المنطقة تتجه نحو الحرب، وان الحكومة الاسرائيلية هي الاضعف منذ قيام الدولة العبرية قبل ستين عاما.
.....
الأمر المرجح ان هناك دوافع سورية ملحة، وقوية، بعضها اقتصادي خانق وبعضها الآخر سياسي ذو بعد اقليمي ودولي، دفعت في الاتجاه التفاوضي الحالي، في توقيت يعتقد كثيرون انه غير ملائم، علاوة علي المخاطر التي يمكن ان تترتب عليه، في حال نجاحه او تعثره. ولا بد ان القيادة السورية قد اجرت عملية حسابية دقيقة لكل الاحتمالات هذه، ولا يملك المراقب الا اللجوء الي التكهن ومحاولة القراءة بين سطور التصريحات الرسمية، والتقارير الاخبارية القادمة من دمشق.
ولا شك ان المحكمة الدولية المتعلقة بجريمة اغتيال السيد رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني الأسبق، والمتهم فيها بعض المسؤولين السوريين واللبنانيين، تشكل محور ارتكاز اساسيا في معظم الخطط السياسية والاستراتيجية للنظام في دمشق، لانها يمكن ان تستخدم كورقة لتقويضه، مثلما جري استخدام ذريعة اسلحة الدمار الشامل العراقية لاحتلال العراق وإطاحة نظامه.
.....
اصحاب هذه المدرسة يعتقدون ان البوابة الاسرائيلية يمكن ان تقود بطريقة مباشرة او غير مباشرة الي صفقة مع واشنطن علي غرار الصفقة الليبية، اي حصر الاتهامات في ضابطين كبيرين او اكثر، وابعادها عن رؤوس النظام، حتي لو كانت سورية بريئة من جميع التهم الموجهة اليها، وربما تكون كذلك فعلا، تماما مثلما هو حال ليبيا في ما يتعلق بجريمة لوكربي التي الصقت بها.
واللافت ان السيد احمد قذاف الدم رجل المهام الصعبة ومبعوث الزعيم الليبي معمر القذافي لم يكف طوال العامين الماضيين عن التردد علي دمشق في زيارات شبه مكوكية، وكأنه يقدم لنظرائه السوريين حصيلة التجربة الليبية التفاوضية الصعبة مع الامريكان والانكليز، وكيفية ادارة الأزمة بما يؤدي الي تجنب الاخطاء والوصول الي افضل النتائج
.......
المآخذ علي اصحاب هذه المدرسة كثيرة، ابرزها انها بالاعلان عن المفاوضات مع اسرائيل، اخرجت سورية بالكامل من معسكر الممانعة، وافقدتها الكثير من اوراق القوة التي في يدها حتي قبل ان تبدأ المفاوضات. فاستعدادها الضمني للتجاوب مع الطلبات الاسرائيلية في التخلي عن منظمات المقاومة والخروج من المعسكر الايراني مقابل استعادة الجولان، نقلها الي معسكر المعتدلين عمليا، وهو المعسكر الذي ظلت الأدبيات السورية تعارضه وتنتقده حتي قبل اسبوع، فحتي لو تعثرت المفاوضات، وارادت سورية التراجع عن خطها التفاوضي الحالي، فانه من الصعب عليها اقناع الكثيرين بجديتها هذه المرة، لان مصداقيتها قد تكون تضررت بشكل كبير، واستردادها يحتاج الي جهود كبيرة وإن كانت غير مضمونة النتائج
.....
فاسرائيل تحاول استخدام الورقة السورية لاسباب داخلية، واللعب علي المسارات، والهروب من المسار الفلسطيني بفتح مسار سوري دون اي ضمانات بالنجاح.
ننصح القيادة السورية التي تدرس التجربة الليبية بعناية وتحاول الاستفادة منها، ان توجه الدعوة ايضا الي الرئيس الفلسطيني محمود عباس للاستفادة من تجربته التفاوضية العبثية مع الحكومة الاسرائيلية، لعلها تستفيد منها ايضا."

No comments: