Wednesday, April 29, 2009

عزمي بشارة يكتب: حدود التدهور


Another Great Analysis (in Arabic)

By Azmi Bishara

"لم تتضح بعد حدود مسار التدهور القائم بشأن فلسطين، فالنظام الرسمي العربي الذي أكد منذ العام 1974 على مقولة "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" لكي يحرر نفسه باسم الأمة من مهمة محاربة إسرائيل، بدأ مسيرة الفصل هذه بأن المقاومة شأن الفلسطينيين الذي يجب دعمه عربيا.
.....
فقد كانت العقيدة الرسمية السائدة في المؤسسة الحاكمة الإسرائيلية (دعك من قطعان المستوطنين الهستيريين!!) هي احتلال الأرض لمبادلتها بالاعتراف والسلام على أساس قبول إسرائيل في المنطقة. ولذلك فإن استرجاع الأرض التي احتلت عام 1967 مقابل السلام هو انتصار لإسرائيل واعتراف بالهزيمة. وهو أكثر من ذلك مأسسة لتلك الهزيمة.

لقد تمت مأسسة وأدلجة الهزيمة بالادعاء بأن الدول أنجزت استعادة أرضها المحتلة عام 1967، وأن ما تبقى هو قضية الفلسطينيين.. ولا بد أن يرافق هذا التنصل تنصلا من الجامع الذي يفرض المعركة وهو الانتماء للوطن العربي المهدد وإلى أمة واحدة. لا بد أن يرافقها التأكيد على الدولة القطرية و"س أولا"، أو "ص أولا"... وهي تعبيرات عن انتصار إسرائيلي آخر أعمق، فقد ادعت الأخيرة دائما أنه لا توجد أمة عربية بل أمم وشعوب وقبائل، وأن الأمة الوحيدة في هذا الصراع هي الأمة اليهودية. صدق أو لا تصدق!!
ثم تبين أن المقاومة تشكل عقبة أمام "عملية السلام" أو أمام العلاقات المنفردة مع إسرائيل، أو تؤدي إلى توريط في نزاعات لا تنتهي معها، فتحولت هذه الدول إلى منع المقاومة أو حتى محاربة المقاومة. لقد وصل هذا النوع من التفكير إلى "لا نريد أن نحارب، ولا نريدكم أن تقاوموا". فمنعت المقاومة بداية من الانطلاق من الدول العربية المحيطة بإسرائيل الواحدة تلو الأخرى. وتبين في الحرب الأخيرة على غزة أن هذا التفكير يقود إلى منع المقاومة داخل الأراضي العربية المحتلة عام 1967 نفسها. ولا يكتفي بمنعها من الدول المحيطة بإسرائيل، التي كانت تسمى دول المواجهة.
....
وتروج منذ مدة تفسيرات مقلوبة لمفهوم "الحق" الذي تناضل الشعوب من أجله في نفس هذه الأوساط. فحق العودة، برأيهم حق، ولكن ليس ضروريا أن يمارس، بل وذهبوا لحد المطالبة بالاعتراف بالحق نظريا دون السماح بممارسته، فكيف يكون الحق بالعودة دون السماح بالعودة؟!
.....
الدول العربية التي دعمت حربا على إيران طيلة ثماني سنوات وسقط فيها مئات الآلاف أعلنت أنها لا تريد محاربة إسرائيل. ولم تعاود طرح هذا السؤال: لماذا لا تريد الدول العربية محاربة إسرائيل؟ هل فعلا إسرائيل دولة لا تحارب؟ هنالك امتناع عن مناقشة هذا الموقف وكأنه مسلمة، وهو ليس بمسلمة.

لم تكترث نفس الأنظمة لمقتل مئات الآلاف في حرب ضارية مع إيران استمرت ثمانية أعوام (وهي الحرب الكبيرة الحقيقية الوحيدة التي خاضها العرب في القرن العشرين، وتليها حرب أكتوبر بالحجم والشدة). ولم تتهم هذه الدول المبادرة إلى هذه الحرب بالتسبب بكارثة وبالتوريط والتدمير. ولكنها تعد سقوط المئات شهداء نتيجة لعدوان إسرائيلي "إبادة شعب"، وتنشر الرعب والخوف من إسرائيل وتتهم المقاومة بالمسؤولية عن الدمار.
....
أثبتت هذه السياسات أنها غير قادرة على تحقيق إنجازات في المفاوضات، لقد وصل هذا التفكير إلى مفترق طرق: لا حرب، ولا مقاومة، ولا إنجازات في المفاوضات باتجاه حل عادل. هنا تصبح عملية السلام هدفا قائما بذاته... لأنه لا عودة منها إلى الحرب ولا تقدم منها إلى حلول عادلة.
.....
راهنة: في هذه الأثناء أخذ الشعب الفلسطيني رهينة الحوار الدخلي وشروط الرباعية والمفاوضات، لقد جرى بقدرة الحصار بعد العدوان ربط إعادة الإعمار في القطاع مع نجاح الحوار. وربط نجاح الحوار بقبول حماس لشروط الرباعية.

طبعا لن نثير هنا السؤال لماذا سارت حماس نحو هذا الفخ بعد الحرب؟ ولماذا أصبح يمشي كالديك كل من كان أثناء العدوان خجلا مطأطأ الرأس؟ ليس هذا هو المكان لطرح هذه التساؤلات، فقد كان الضغط بعد العدوان شديدا ناهيك بسحر استجداء الوحدة من قبل من كان يرفض حتى محاورة حماس دون شروط. وقد ضاعت بوصلة المقاومة لفترة. إن أخطر ما يمكن أن يجري للمقاومة هو دخولها في مسار الاعتراف بها دوليا وعربيا، ودفع ثمن هذا الاعتراف. لدى المواطن الفلسطيني شعور أنه حضر هذا الفيلم.

ولا بأس. ما جرى جرى. ولكن المقاومة سايرت، ودفعت ثمنا، وأفاد المحرجون أثناء العدوان من هذه المسايرة بعده. ولكن المهمة انتهت. اتضحت شروط نجاح الحوار ورفع الحصار التي يتمسك بها المحور الرافض للمقاومة.. إنها نفس شروط الرباعية. وسوف يستمر الحوار لفترة طويلة والحصار مفروض ومستمر ومنع إعادة البناء أيضا.

وقد آن الأوان أن يقَال ما يفهم: إن شرط الاستمرار بالحوار هو السماح بإعادة الإعمار. ولا يمكن أن يقبل الاستمرار بالربط المعاكس، فمقولة إن النجاح بالحوار وقبول شروط الرباعية هو شرط رفع الحصار وإعادة الإعمار هي مقولة تنفيذ النصر لإسرائيل من العدوان. ويجب بأسرع وقت ممكن أن يقال العكس، رفع الحصار والسماح بإعادة الإعمار هو شرط الاستمرار بهذه العملية التي لا تنتهي، فلماذا يجب أن يأخذ هذا الشعب رهينة العدوان ورهينة شروط الرباعية بعد صموده في الحرب؟

هكذا تقلب الطاولة، وليس بتبريرات مثل شرعية الرئيس وغيرها من التبريرات، بل لسبب مصيري متعلق بمصلحة الشعب الفلسطيني ومصلحة المقاومة
"

No comments: