Thursday, November 4, 2010

عن أية مصالحة تتحدث حماس؟!

AN EXCELLENT FEATURE ARTICLE


"في ظل هرولة قيادة السلطة ومنظمة التحرير وحركة فتح (محمود عباس وفريقه) نحو مزيد من المواقف التي تثير القهر في أوساط الشعب الفلسطيني، يأتي الحديث المتواصل (يغيب بين حين وآخر) من قبل حماس عن المصالحة، الأمر الذي يثير الكثير من القلق والأسئلة لدى محبيها ومريديها في الشارع الفلسطيني، وربما العربي أيضا.

يحدث ذلك في ظل إدراك سائر المعنيين بالملف الفلسطيني لحقيقة أن مسار السلطة في ظل الوضع الراهن لم ولن يتعدى بأي حال الحفاظ على سلطة أوسلو ومن ثم تقدمها نحو شبه دولة على ما يتركه الجدار من الضفة، مع ترك القضايا الكبرى كجزء من إشكالات نزاع حدودي مع "الجارة" العبرية.

وينهض الإصرار على برنامج التنسيق الأمني وما ينطوي عليه من إساءة للشعب الفلسطيني وعدوان يومي على حركة حماس في الضفة الغربية.. ينهض كشاهد على ذلك، فضلا عن حقيقة أن السلطة لن تغادر مربع الوفاء للبرنامج الذي أنشئت من أجله، وكذلك لشروط المانحين، وقبلها شروط المحتلين الذين يمنحون بطاقات "في.آي.بي" لقادتها، بينما لا يتمكن قائد حمساوي واحد من مغادرة الضفة الغربية.


ليس هذا وحده ما يثير الأسئلة في سلوك حماس السياسي، فهناك إلى جانبه ميوعة الخطاب السياسي التي يلمسها المراقبون من قبل بعض قادتها في مواجهة الوفود الأجنبية التي تواصل رحيلها باتجاه غزة ودمشق، حيث لم يعد مصطلح الهدنة قائما عند الحديث عن قبول دولة في حدود 67، مما يعطي الانطباع بأنها نهاية المطاف، فضلا عن الرسائل الموجهة للإدارة الأميركية، وكذلك مغامرات أحمد يوسف الذي ما زال يقدم نفسه بوصفه المستشار السياسي لرئيس الوزراء، وإلى جانبه ثلة من "الواقعيين" الذين يذكّروننا بهذا النمط من السياسيين في تجربة فتح الطويلة المعروفة. مع العلم بأن من الصعب على هؤلاء أن يتحركوا لولا حصولهم على غطاء من بعض الجهات في الحركة، تحديدا في قطاع غزة (في الضفة هناك ناصر الشاعر الذي يستخدم ذات الخطاب، مع أنه للأمانة أقل ميلا إلى المغامرة وطرح المبادرات من صاحبه في غزة).

أسوأ ما في هذه الممارسة السياسية هو منحها الغطاء لخطاب فتح، حيث لم يتوقف قادتها وأنصارها عن الحديث عن تساويهم مع حماس في حل الدولتين، مع علمهم بالفارق الكبير، ليس فقط لجهة رفض حماس الاعتراف بما تبقى من فلسطين للصهاينة (لم تعد الدولة حلا مرحليا بالنسبة لفتح، إذ عرض عباس إنهاء النزاع والتنازل عن المطالب التاريخية)، بل أيضا لجهة تنازلات عباس المتعلقة بتبادل الأراضي (يعني بقاء المستوطنات الكبيرة)، وشطب حق العودة إلى الأراضي المحتلة عام 48، فضلا عن قبوله العملي بالدولة المؤقتة حتى لو رفضها باللسان (لا يكفون هنا عن الحديث عن ورقة أحمد يوسف الشهيرة التي استنكرتها قيادة حماس).

ولعل الشيء الأسوأ في هذا الجانب هو تجريب المجرب، إذ مرّت فتح بذات التجربة من دون جدوى، ومن العبث أن تستعيدها حماس بذات التفاصيل، مع إدراك العقلاء لحقيقة أن الاعتراف بشروط الرباعية أمر لا بد منه لكي تحصل حماس على "الشرعية الدولية"، مع أن ذلك لن يمنحها الأفضلية على فريق عباس أيضا. وإذا قيل إنها الأكثر تمثيلا للفلسطينيين، فإنها لن تغدو كذلك حين تعترف بالشروط المذكورة، لأن الناس سينفضون من حولها.

من القضايا الإشكالية التي نتابعها ذلك التعامل الناعم مع ما يجري لفرع الحركة في الضفة الغربية، والذي لا يتجاوز الحديث عنه في وسائل إعلام الحركة، مع أنه من النوع الذي يستحق أكثر من ذلك بكثير، هو الذي تجاوز سائر الخطوط الحمراء التي لم يتجرأ عليها العدو نفسه.

في الجانب الآخر من المشهد، ينهض الجهد الكبير الذي يبذله الجهاز العسكري (كتائب القسام) في قطاع غزة من أجل ترتيب الوضع الداخلي على نحو يمكّن الحركة من مواجهة أي عدوان إسرائيلي جديد، إلى جانب مساع لتفعيل العمل العسكري في الضفة أسفرت عن عدد من العمليات المهمة رغم شراسة القمع والتعاون الأمني.

لكن ذلك كله -على روعته وأهميته- يكاد يغيب وسط هجوم الطرف الآخر، وفي ظل أداء سياسي مرتبك وإشكالي بات يؤكد بهذا القدر أو ذاك أن همّ الحركة الأساسي هو الحفاظ على قطاع غزة بصرف النظر عن مصير القضية الذي ترك عمليا لفريق عباس، اللهم باستثناء بيانات وتصريحات لا يلتفت إليها الطرف الآخر الذي يمضي في برنامجه بدعم عربي ودولي، مع غطاء فتحاوي يبدو متوقعا في ظل اختطاف الحركة من قبل الفريق المذكور، وعدم قدرة المعترضين داخلها على فعل شيء، وهم الذين يدركون أن غطاءً عربيا لا يتوفر لهم، فضلا عن وقوعهم أسرى لواقع الاحتلال وواقع السلطة التي تتنفس من خلال الرئة التي يوفرها هو لا غيره.

لقد ثبت عمليا وواقعيا أن الجمع بين المقاومة والسلطة ليس ممكنا، ومن صمموا سلطة أوسلو يدركون ذلك، ولو كانت حماس في الضفة لما كان بوسعها إسناد برنامج المقاومة مع الاحتفاظ بالسلطة، لأن خروج جيش الاحتلال من غزة هو الذي منحها تلك الفرصة، أعني فرصة التمسك ببرنامج المقاومة بقدر ما (لو تواجد الجيش الإسرائيلي داخل القطاع لرأينا قادة حماس الذين يتمسكون بالبرنامج المذكور رهن السجون مثل إخوانهم في الضفة).

في هذا السياق كان مثيرا أن يتحدث أحد قادة الحركة عن عدم الحاجة للمقاومة من قطاع غزة لأنه تحرر. ومع علمنا أن القادة الآخرين لا يقبلون مقولته ويرفضونها، فإن الحقيقة أن القطاع لم يتحرر، ليس فقط لأن جزءًا من أرضه لا يزال تحت الاحتلال (الشريط الحدودي)، بل أيضا لأن بحره وسماءه ومعابره البرية تخضع للاحتلال أيضا، باستثناء معبر رفح الخاضع لسلطات المصرية التي لا تغامر بمخالفة ما يريده الإسرائيليون على هذا الصعيد. صحيح أن فرص المقاومة من القطاع -خلا الصواريخ ذات الكلفة العالية- محدودة، إلا أن كسر هذه المعادلة سيكون ممكنا بين وقت وآخر حين تتوفر الإرادة.

من المؤكد أن قادة الجهاز العسكري لا يتصرفون بروحية ما ذهب إليه القائد إياه، وهم ومعهم الكثير من السياسيين يصلون الليل بالنهار من أجل أن يكون القطاع قاعدة للمقاومة وشوكة في حلوق الغزاة، بدليل هذا القلق اليومي الذي يبديه قادة العدو في مواجهة مساعي مراكمة القوة العسكرية من قبل الحركة.

نفتح قوسا لنشير إلى أن التنظير السياسي الضمني الذي استندت إليه خطة شارون للانسحاب من قطاع غزة هو إخراجه من دائرة الصراع ليغدو مثل الأردن ومصر، وليمتد مشروع الحل الانتقالي إلى الضفة بالتدريج، أولا إلى حدود 28 سبتمبر/أيلول 2000، وثانيا وأخيرا مع بعض التعديلات إلى حدود الجدار، وليغدو المؤقت دائما. وقد تأكد ذلك مباشرة عندما شرع محمد دحلان في طرح نظرية سلاح الشرعية الوحيد وجمع سلاح "المليشيات" الذي لم تعد له حاجة.

وإذا كانت المصالحة مع جماعة السلطة شبه مستحيلة تبعا لرفض حماس التنازل عن القطاع (هي محقة في ذلك دون شك)، وعدم قدرة السلطة على مخالفة الأوامر الأميركية الإسرائيلية المتعلقة بالجهاز الأمني في الضفة من جهة أخرى، فإن المسار الآخر يراوح بين تثبيت الانفصال أو وقوع المستحيل (نجاح المصالحة) الذي يعني الإقرار ببرنامج السلطة أو الدولة تحت الاحتلال في حدود الجدار. وفي الحالتين سنكون إزاء وضع كارثي، والأرجح أن البرنامج الأخير سيمر بسهولة أكبر في حال تثبيت الانفصال (في المدى القريب على الأقل)، وسيكون بوسع مصر التعايش مع دولة القطاع العتيدة كما تعايشت مع النظام السوداني "الأصولي الإخواني" من قبل، وهي تمضي في هذا الاتجاه عبر مساع محمومة لإحداث اختراقات في جسم الحركة في القطاع وتصنيفها بين معتدلين ومتطرفين، مستخدمة مسألة المعبر والدخول والخروج التي تملك مفاتيحها ويحتاجها أهل القطاع جميعا، بما في ذلك قادة الحركة وعائلاتهم.

وسيكون هذا المسار أكثر قابلية للتطبيق إذا وافق الإسرائيليون على المشروع (مشروع الانفصال) ولم يتورطوا في حرب من أجل ضم القطاع إلى تسوية الضفة، لاسيما أنهم لا يخفون قلقهم من سياسة التسلح التي تتبعها الحركة هنا، والتي ستخل -لو في الحد الأدنى- بميزان القوى الذي اعتادوا عليه طوال عقود، الأمر الذي ينطبق بدرجة أكبر على حالة حزب الله في لبنان.

في السياق المذكور تتعالى أصوات في الساحة الإسرائيلية تتحدث عن الانفصال عن قطاع غزة، وقد كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت عن خطة سرية أعدها وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان خلاصتها انفصال ثان عن قطاع غزة، ويعني ذلك فصل القطاع نهائيا عن الضفة وإغلاق كل المعابر معه، والتوقف عن تزويده بالماء والكهرباء، وبالتالي الحصول على شرعية دولية لإنهاء احتلاله.

والخلاصة بحسب كلام ليبرمان هي توقف الدولة العبرية عن تحمل أية مسؤولية عن "القطاع بشكل مطلق، وأن من يريد الدخول إلى غزة فليدخل، وحدودنا ستكون مغلقة بإحكام".

في هذه الأجواء يبدو سؤال المستقبل مطروحا بقوة على الحركة التي عليها أن تؤكد للجميع أنها لم تنشغل بالقطاع عن القضية، وأن المقاومة بالنسبة إليها ليست مجرد شعار، ولن يحدث ذلك من دون برنامج شامل يُطرح على الشعب الفلسطيني، وتحدثنا عنه مرارا، عنوانه إدارة بالتوافق لقطاع غزة، وإعلان مقاومة شاملة حتى دحر الاحتلال دون قيد أو شرط عن الضفة الغربية وقطاع غزة من دون الاعتراف بأي شيء للمحتلين، وليكون مقدمة للتحرير الشامل.

إن برنامجا من هذا النوع سينسخ مرحلة أوسلو بكل مصائبها ويعيد القضية إلى سكتها الصحيحة، وهو سيتوج حماس قائدة فعلية لنضال الشعب الفلسطيني، لاسيما أن رموز الطرف الآخر سيفقدون ما تبقى لهم من مصداقية ومشروعية برفضهم المشروع المذكور وإصرارهم على مسار الاستجداء الذي يراوحون فيه منذ سبع سنوات (مع أن تاريخ بدايته الحقيقية هو سبتمبر/أيلول 1993)، بل ربما قبل ذلك بكثير.

إن رفض حماس المصالحة على قاعدة البرنامج المشار إليه تختلف عن رفضها على قاعدة تفاصيل تتعلق بالأمن والانتخابات، إلى غير ما هنالك من تفاصيل عنوانها الحفاظ على سلطة أوسلو والوفاء لشروطها واستحقاقاتها.

وإذا رفض القوم، فإن التعويل سيبقى قائما على انتفاضة جديدة في الضفة تأتي ردا على ممارسات العدو في القدس والأقصى، إلى جانب الرد على صفقة عباس-فياض القائمة على بيع القضية بالرواتب والاستثمارات (المستفيدون من ذلك هم القلة)، وتحويلها إلى نزاع حدودي يتجاهل القضايا الأهم، وفي مقدمتها القدس واللاجئين، بل وحتى الأرض (السلطة لن تتعدى حدود الجدار).
"

No comments: