مسيحيون على الصليب
عبد الحليم قنديل
A VERY GOOD COMMENT
By the Egyptian journalist and opposition leader Abdel Halim Qandil
"لا يملك أي مسلم ـ صحيح الدين والضمير ـ ترف التردد في إدانة الاعتداء الوحشي الذي تعرضت له كنيسة 'سيدة النجاة' في بغداد المحتلة، وبعد أيام قليلة من اعتداء متطرفين صهاينة على كنيسة العذراء في القدس المحتلة، ولا قيمة لادعاء ما يسمى تنظيم دولة العراق الإسلامية ـ المقرب من تنظيم القاعدة ـ بارتكاب فعلته دفاعا عن الإسلام، فأمثال هذه التنظيمات المريبة أكبر إساءة للإسلام، وهي تقتل المسلمين والمسيحيين بلا تمييز، ولا يعنيها سوى تخريب الأوطان وتمزيق الأبدان، وجرائمها صنو مباشر لجرائم الاحتلال الأمريكي وحكومات الدمى الموالية من نوع المالكي وأترابه.
نعم، فليست القصة في التعصب للأديان، ولا في ادعاء الفداء للإسلام، وهو من أفعالهم براء، ولا يصح اعتبار منفذي العمليات الإجرامية شهداء أو شبه شهداء، فهؤلاء يقتلون الأحباء لا الأعداء، ولا يفيد عملهم شيئا سوى الحط من مكانة الإسلام، وتنفيذ مخططات العدو الأمريكي ـ الإسرائيلي في تفتيت نسيج المجتمعات العربية، وتحويل الأمة إلى طوائف تحتمي من بعضها البعض خلف المتاريس، وتقتل على الهوية، وتحول بلادنا إلى أطلال تنعق فيها أسراب البوم، وتفتح الباب لطغيان شريعة الغاب لا شريعة الإسلام.
ولا يصح لأحد أن يخلط الأوراق، فكاتب السطور مع كل عمل فدائي أو استشهادي، يتوجه لقصف مواقع العدو الأمريكي أو تجمعات الاستيطان الإسرائيلي، ويفضح ويطارد عملاء العدو الأمريكي الإسرائيلي، وهو ما تفعله حركات مقاومة إسلامية عظيمة هي موضوع التفاف وطني وقومي جامع، ومن نوع حزب الله وحركة حماس ومنظمة الجهاد الإسلامي، وفصائل المقاومة العراقية، وهؤلاء مختلفون بالجملة في رؤاهم وعملياتهم عن تنظيمات القاعدة وما شابهها، وإن كان الغموض يحيط بهذه المجموعات الأخيرة، ولا يمكن ـ فيما نظن ـ أن نصدر بصددها حكما واحدا، فمنهم من يعمل ضد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، أو ضد الاحتلال الأمريكي للعراق، أو ضد الاستعمار الصهيوني في فلسطين، ومن يعمل على هذه الجبهات، وبصورة تبتعد عن تكفير المسلمين سنة أو شيعة، وتبتعد عن استهداف المسيحيين العرب، من يعمل بهذه الصورة ـ حتى لو كان من تنظيم القاعدة ـ يستحق التأييد الكامل، فهو يسلك طريق الجهاد بالتي هي أقوم، ونحسبه عند الله شهيدا، ولا نزكي على الله أحدا.
نقول ذلك حتى لا تختلط الأوراق، وحتى تصبح الإدانة قطعية ضد كل عمل آخر، يستهدف المسلمين أو المسيحيين العرب على الشيوع، وقد كان موقف الحركات الإسلامية العربية من حادث 'سيدة النجاة' غاية في الصحة والنضج، واجتمعت على الإدانة الحازمة هيئات إسلامية شيعية وسنية بلا تمييز، وتطابق موقف الإخوان المسلمين مع موقف حزب الله بالفاصلة والحرف، وفي دفاع عظيم عن الإسلام ضد الذين ينتهكون قداسته، وينتحلون اسمه، ويحرفون طاقة النار عن مواضعها، ويقتلون المسيحيين بلا ذنب ولا جريرة، سوى أنهم يعبدون الله باعتقادهم كما نعبده باعتقادنا، ويقيمون في وطنهم الذي هو وطننا، ولهم من المسلمين حق الحماية والرعاية لا جرائم القتل ومصائر الفزع.
وبالطبع، ليس كل المسلمين ملائكة، ولا كل المسيحيين شياطين، ففي المسلمين مقاومون كما في المسيحيين، وفي المسيحيين خونة كما في المسلمين، وكل المسيحيين العرب ـ في البدء والمنتهى ـ مواطنون لهم نفس حقوق المسلمين، وعليهم ما على المسلمين من واجبات، وأولها الثبات في رباط على أرض الأنبياء والآباء والأجداد، وإثارة فزع المسيحيين يدفعهم للهروب، ويخرجهم من ديارهم، تماما كما فعل ويفعل كيان الاغتصاب الإسرائيلي، الذي أخرجنا جميعا من ديارنا في فلسطين، وهدم ويهدم مساجدنا وكنائسنا بالتساوي، ويوجه حقده الدفين إلى المسيحيين كما المسلمين العرب، ويدفعهم للهجرة قسرا، فقد كان عدد المسيحيين في فلسطين قبل الاحتلال يصل إلى 20' من السكان، وتناقصت النسبة الآن إلى 2' فقط لاغير، وكاد المسيحيون ينقرضون حتى في القدس وبيت لحم، فقد نزل عدد المسيحيين من حوالي نصف السكان في بيت لحم ـ موئل الروح المسيحي ـ إلى أقل من عشرة بالمئة، وهو ما جرى أيضا في العراق تحت الاحتلال الأمريكي، كان عدد المسيحيين العراقيين قبل الاحتلال يزيد عن 800 ألف، ونزل الآن إلى أقل من نصف المليون، والمعنى أن الاحتلال الأجنبي يطرد المسيحيين كما المسلمين، وهي القاعدة التي لايدركها تنظيم القاعدة، ويعمل ـ بغباء منقطع النظير ـ في خدمة أهداف الاحتلال، ويتعامل مع المسيحيين كطائفة أولى بالقتل، ويداري تنكبه عن استهداف الجنود الأمريكيين بقتل المواطنين العراقيين، وينشر الرعب نفسه الذي ينشره الأمريكيون والإسرائيليون أعداء الحياة.
وقد كانت ظاهرة تناقص أعداد المسيحيين في المشرق العربي محل اهتمام مؤتمر أخير للفاتيكان، فقد جرى عقد 'سينودس' خاص عن أزمة مسيحيي الشرق، وفي نتائج المؤتمر بعض الاستنتاجات في محلها، وأخرى ليست كذلك، بين الاستنتاجات ما تعلق بظروف دافعة للهجرة عن الأوطان، ومن نوع صعوبات العيش وضيق فرص الحياة الكريمة، وهو ما يسري بأثره الطارد على المسلمين كما المسيحيين العرب، وإن كانت فرص المسيحيين في الهجرة تبدو أوسع، ولظروف تتعلق بتعليم الإرساليات الدينية، الذي يركز على تعليم اللغات الأجنبية، وربما على ملابسات التوافق الديني مع أهل الغرب، وفي بلد كلبنان، يمتاز مواطنوه بحب الترحال والمخاطرة واجتياز الآفاق، بدا الأثر فادحا في تناقص متصل لأعداد المسيحيين، فعند إنشاء لبنان وانفصاله عن سورية الأم، كان عدد المسيحيين يقارب أو يزيد على عدد المسلمين، وهو ما يبدو الآن معكوسا بشدة، فعدد المسلمين في لبنان الآن يقارب ثلاثة أرباع السكان، بينما عدد المسيحيين نزل إلى الربع، أو إلى 30' من إجمالي السكان في أكثر التقديرات الكنسية تفاؤلا، ورغم بقاء صيغة النظام السياسي اللبناني كما هي عموما، والتي تعطي المسيحيين مناصفة كاملة مع المسلمين في الوظائف العامة، إلا أن البيئة اللبنانية تغيرت كثيرا، فقد ضعف التأثير المسيحي بعامة، أنهكته ظروف الحرب الأهلية اللبنانية وملابساتها، ثم ازدياد نفوذ المسلمين السنة تجاريا مع الظاهرة الحريرية، وازدياد نفوذ المسلمين الشيعة سياسيا مع تبلور ظاهرة حزب الله، وفي مصر بدت الصورة مختلفة في التفاصيل، فقد تزايد نفوذ المسيحيين الأقباط اقتصاديا، وتضخم دور الكنيسة، لكن أعداد المسيحيين تتناقص بشدة مع الهجرات الكثيفة، وإن كانت لا توجد إحصاءات دقيقة معلنة، لكن عدد المسيحيين في مصر اليوم لم يعد يزيد ـ في أقصى تقدير ـ عن خمسة ملايين بين ثمانين مليون مصري.
وربما لا يصح لأحد أن ينكر أثر نمو التيارات السلفية الإسلامية، وميلها البدوي للمفاصلة واستعداء المسيحيين، وتكفيرهم بالجملة، ودفعهم لنوع خاص من 'الجيتو' الديني والسكتي، فوق ما يجري على المسيحيين كما المسلمين، من ظروف حياة صعبة وفساد نظم يدفع للهجرة، لكن القصة لا تخلو، مع ذلك، من أخطاء وخطايا مفزعة لقيادات مسيحية دينية وسياسية، فالبابا شنودة مثلا، وهو أكبر رأس مسيحي في الشرق العربي، كان له موقف وطني جليل ذائع الصيت، وهو رفض التطبيع مع إسرائيل، ورفض ذهاب حجيج المسيحيين الأقباط إلى القدس وبيت لحم تحت الاحتلال، وظل الموقف ثابتا فيما نعلم إلى الآن، لكن سياسة البابا المزدوجة، في السنوات الأخيرة، لا تبدو مريحة، وتسيء إلى صورة المسيحيين وطنيا، فهو يحتفظ بطرف خيط خفي مع جماعات لأقباط المهجر، بعضها على صلة عروة وثقى مع الإدارة الأمريكية واللوبي الصهيوني في عواصم الغرب، والبابا، أيضا، يبدو كرأس دولة للمسيحيين منفصلة عن دولة المصريين، ويحابي نظام الرئيس مبارك الموالي للأمريكيين والإسرائيليين، وفي المشرق العربي، حيث تغلب سياسة كنائس أخرى غير الكنيسة المصرية، وتسود سياسة الفاتيكان بالذات، تبدو الصورة أسوأ بكثير، فالفاتيكان يعترف بكيان الاغتصاب الإسرائيلي، ويقيم العلاقات الودية معه، وهو ما جعل جماعات من المسيحيين العرب في حالة انفصام روحي عن هموم أوطانها وشعوبها، ففي لبنان، يبدو البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير كأنه يعادي جماعات المقاومة لإسرائيل، وسواء كانت فلسطينية على طريقة فتح وحماس، أو كانت لبنانية من طراز حزب الله، كما يضفي البطريرك الماروني حمايته الروحية على قادة سياسيين لمسيحيي لبنان، ربما تصح فيهم تهم العمالة الصريحة أو المبطنة لإسرائيل، ومن نوع سمير جعجع قائد حزب القوات اللبنانية، أو تيارات نافذة في حزب الكتائب، وقد شارك هؤلاء في حروب ومذابح إسرائيل ضد اللبنانيين والفلسطينيين، ناهيك عن دور جماعة العميل سعد حداد قائد ما كان يسمى 'جيش لبنان الحر'، والتي جرى اكتساحها مع الانسحاب المذل لجيش الاحتلال الإسرائيلي من الجنوب اللبناني، وهؤلاء، وأمثالهم كثر، أسوأ على استقرار المسيحيين العرب من جرائم تنظيم القاعدة.
المسيحيون العرب إذن على صليب العذاب والغربة، وتهجيرهم من الشرق جريمة تشارك بها جماعات إسلامية غبية وجماعات مسيحية عميلة، والحل بناء أوطان الديمقراطية والتنــمية والتوحيد والمواطنة الكاملة، وتشجيع المسيحيين على استــــعادة الوصل المفقود مع مجتمعاتهم وأوطانهم، واستـــــعادة العروة الوثقى مع وطن السيد المسيح وروحه المقاومة للطغيان الاستعماري، وتكريس الالتفاف حول رموز ملهمة ومضيئة من نوع إميل لحود وسليمان فرنجية وميشيل عون والأب عطا الله حنا والمطران هيلاريون كابودجي، فهؤلاء وأمثالهم كثر، هم قادة وطن لا كرادلة 'جيتو'، وهم خشبة النجاة، وهم الأوفياء لسيدة النجاة مريم العذراء، تقدس اسمها في السماوات، وفي معسكرات المقاومة.
"
عبد الحليم قنديل
A VERY GOOD COMMENT
By the Egyptian journalist and opposition leader Abdel Halim Qandil
"لا يملك أي مسلم ـ صحيح الدين والضمير ـ ترف التردد في إدانة الاعتداء الوحشي الذي تعرضت له كنيسة 'سيدة النجاة' في بغداد المحتلة، وبعد أيام قليلة من اعتداء متطرفين صهاينة على كنيسة العذراء في القدس المحتلة، ولا قيمة لادعاء ما يسمى تنظيم دولة العراق الإسلامية ـ المقرب من تنظيم القاعدة ـ بارتكاب فعلته دفاعا عن الإسلام، فأمثال هذه التنظيمات المريبة أكبر إساءة للإسلام، وهي تقتل المسلمين والمسيحيين بلا تمييز، ولا يعنيها سوى تخريب الأوطان وتمزيق الأبدان، وجرائمها صنو مباشر لجرائم الاحتلال الأمريكي وحكومات الدمى الموالية من نوع المالكي وأترابه.
نعم، فليست القصة في التعصب للأديان، ولا في ادعاء الفداء للإسلام، وهو من أفعالهم براء، ولا يصح اعتبار منفذي العمليات الإجرامية شهداء أو شبه شهداء، فهؤلاء يقتلون الأحباء لا الأعداء، ولا يفيد عملهم شيئا سوى الحط من مكانة الإسلام، وتنفيذ مخططات العدو الأمريكي ـ الإسرائيلي في تفتيت نسيج المجتمعات العربية، وتحويل الأمة إلى طوائف تحتمي من بعضها البعض خلف المتاريس، وتقتل على الهوية، وتحول بلادنا إلى أطلال تنعق فيها أسراب البوم، وتفتح الباب لطغيان شريعة الغاب لا شريعة الإسلام.
ولا يصح لأحد أن يخلط الأوراق، فكاتب السطور مع كل عمل فدائي أو استشهادي، يتوجه لقصف مواقع العدو الأمريكي أو تجمعات الاستيطان الإسرائيلي، ويفضح ويطارد عملاء العدو الأمريكي الإسرائيلي، وهو ما تفعله حركات مقاومة إسلامية عظيمة هي موضوع التفاف وطني وقومي جامع، ومن نوع حزب الله وحركة حماس ومنظمة الجهاد الإسلامي، وفصائل المقاومة العراقية، وهؤلاء مختلفون بالجملة في رؤاهم وعملياتهم عن تنظيمات القاعدة وما شابهها، وإن كان الغموض يحيط بهذه المجموعات الأخيرة، ولا يمكن ـ فيما نظن ـ أن نصدر بصددها حكما واحدا، فمنهم من يعمل ضد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، أو ضد الاحتلال الأمريكي للعراق، أو ضد الاستعمار الصهيوني في فلسطين، ومن يعمل على هذه الجبهات، وبصورة تبتعد عن تكفير المسلمين سنة أو شيعة، وتبتعد عن استهداف المسيحيين العرب، من يعمل بهذه الصورة ـ حتى لو كان من تنظيم القاعدة ـ يستحق التأييد الكامل، فهو يسلك طريق الجهاد بالتي هي أقوم، ونحسبه عند الله شهيدا، ولا نزكي على الله أحدا.
نقول ذلك حتى لا تختلط الأوراق، وحتى تصبح الإدانة قطعية ضد كل عمل آخر، يستهدف المسلمين أو المسيحيين العرب على الشيوع، وقد كان موقف الحركات الإسلامية العربية من حادث 'سيدة النجاة' غاية في الصحة والنضج، واجتمعت على الإدانة الحازمة هيئات إسلامية شيعية وسنية بلا تمييز، وتطابق موقف الإخوان المسلمين مع موقف حزب الله بالفاصلة والحرف، وفي دفاع عظيم عن الإسلام ضد الذين ينتهكون قداسته، وينتحلون اسمه، ويحرفون طاقة النار عن مواضعها، ويقتلون المسيحيين بلا ذنب ولا جريرة، سوى أنهم يعبدون الله باعتقادهم كما نعبده باعتقادنا، ويقيمون في وطنهم الذي هو وطننا، ولهم من المسلمين حق الحماية والرعاية لا جرائم القتل ومصائر الفزع.
وبالطبع، ليس كل المسلمين ملائكة، ولا كل المسيحيين شياطين، ففي المسلمين مقاومون كما في المسيحيين، وفي المسيحيين خونة كما في المسلمين، وكل المسيحيين العرب ـ في البدء والمنتهى ـ مواطنون لهم نفس حقوق المسلمين، وعليهم ما على المسلمين من واجبات، وأولها الثبات في رباط على أرض الأنبياء والآباء والأجداد، وإثارة فزع المسيحيين يدفعهم للهروب، ويخرجهم من ديارهم، تماما كما فعل ويفعل كيان الاغتصاب الإسرائيلي، الذي أخرجنا جميعا من ديارنا في فلسطين، وهدم ويهدم مساجدنا وكنائسنا بالتساوي، ويوجه حقده الدفين إلى المسيحيين كما المسلمين العرب، ويدفعهم للهجرة قسرا، فقد كان عدد المسيحيين في فلسطين قبل الاحتلال يصل إلى 20' من السكان، وتناقصت النسبة الآن إلى 2' فقط لاغير، وكاد المسيحيون ينقرضون حتى في القدس وبيت لحم، فقد نزل عدد المسيحيين من حوالي نصف السكان في بيت لحم ـ موئل الروح المسيحي ـ إلى أقل من عشرة بالمئة، وهو ما جرى أيضا في العراق تحت الاحتلال الأمريكي، كان عدد المسيحيين العراقيين قبل الاحتلال يزيد عن 800 ألف، ونزل الآن إلى أقل من نصف المليون، والمعنى أن الاحتلال الأجنبي يطرد المسيحيين كما المسلمين، وهي القاعدة التي لايدركها تنظيم القاعدة، ويعمل ـ بغباء منقطع النظير ـ في خدمة أهداف الاحتلال، ويتعامل مع المسيحيين كطائفة أولى بالقتل، ويداري تنكبه عن استهداف الجنود الأمريكيين بقتل المواطنين العراقيين، وينشر الرعب نفسه الذي ينشره الأمريكيون والإسرائيليون أعداء الحياة.
وقد كانت ظاهرة تناقص أعداد المسيحيين في المشرق العربي محل اهتمام مؤتمر أخير للفاتيكان، فقد جرى عقد 'سينودس' خاص عن أزمة مسيحيي الشرق، وفي نتائج المؤتمر بعض الاستنتاجات في محلها، وأخرى ليست كذلك، بين الاستنتاجات ما تعلق بظروف دافعة للهجرة عن الأوطان، ومن نوع صعوبات العيش وضيق فرص الحياة الكريمة، وهو ما يسري بأثره الطارد على المسلمين كما المسيحيين العرب، وإن كانت فرص المسيحيين في الهجرة تبدو أوسع، ولظروف تتعلق بتعليم الإرساليات الدينية، الذي يركز على تعليم اللغات الأجنبية، وربما على ملابسات التوافق الديني مع أهل الغرب، وفي بلد كلبنان، يمتاز مواطنوه بحب الترحال والمخاطرة واجتياز الآفاق، بدا الأثر فادحا في تناقص متصل لأعداد المسيحيين، فعند إنشاء لبنان وانفصاله عن سورية الأم، كان عدد المسيحيين يقارب أو يزيد على عدد المسلمين، وهو ما يبدو الآن معكوسا بشدة، فعدد المسلمين في لبنان الآن يقارب ثلاثة أرباع السكان، بينما عدد المسيحيين نزل إلى الربع، أو إلى 30' من إجمالي السكان في أكثر التقديرات الكنسية تفاؤلا، ورغم بقاء صيغة النظام السياسي اللبناني كما هي عموما، والتي تعطي المسيحيين مناصفة كاملة مع المسلمين في الوظائف العامة، إلا أن البيئة اللبنانية تغيرت كثيرا، فقد ضعف التأثير المسيحي بعامة، أنهكته ظروف الحرب الأهلية اللبنانية وملابساتها، ثم ازدياد نفوذ المسلمين السنة تجاريا مع الظاهرة الحريرية، وازدياد نفوذ المسلمين الشيعة سياسيا مع تبلور ظاهرة حزب الله، وفي مصر بدت الصورة مختلفة في التفاصيل، فقد تزايد نفوذ المسيحيين الأقباط اقتصاديا، وتضخم دور الكنيسة، لكن أعداد المسيحيين تتناقص بشدة مع الهجرات الكثيفة، وإن كانت لا توجد إحصاءات دقيقة معلنة، لكن عدد المسيحيين في مصر اليوم لم يعد يزيد ـ في أقصى تقدير ـ عن خمسة ملايين بين ثمانين مليون مصري.
وربما لا يصح لأحد أن ينكر أثر نمو التيارات السلفية الإسلامية، وميلها البدوي للمفاصلة واستعداء المسيحيين، وتكفيرهم بالجملة، ودفعهم لنوع خاص من 'الجيتو' الديني والسكتي، فوق ما يجري على المسيحيين كما المسلمين، من ظروف حياة صعبة وفساد نظم يدفع للهجرة، لكن القصة لا تخلو، مع ذلك، من أخطاء وخطايا مفزعة لقيادات مسيحية دينية وسياسية، فالبابا شنودة مثلا، وهو أكبر رأس مسيحي في الشرق العربي، كان له موقف وطني جليل ذائع الصيت، وهو رفض التطبيع مع إسرائيل، ورفض ذهاب حجيج المسيحيين الأقباط إلى القدس وبيت لحم تحت الاحتلال، وظل الموقف ثابتا فيما نعلم إلى الآن، لكن سياسة البابا المزدوجة، في السنوات الأخيرة، لا تبدو مريحة، وتسيء إلى صورة المسيحيين وطنيا، فهو يحتفظ بطرف خيط خفي مع جماعات لأقباط المهجر، بعضها على صلة عروة وثقى مع الإدارة الأمريكية واللوبي الصهيوني في عواصم الغرب، والبابا، أيضا، يبدو كرأس دولة للمسيحيين منفصلة عن دولة المصريين، ويحابي نظام الرئيس مبارك الموالي للأمريكيين والإسرائيليين، وفي المشرق العربي، حيث تغلب سياسة كنائس أخرى غير الكنيسة المصرية، وتسود سياسة الفاتيكان بالذات، تبدو الصورة أسوأ بكثير، فالفاتيكان يعترف بكيان الاغتصاب الإسرائيلي، ويقيم العلاقات الودية معه، وهو ما جعل جماعات من المسيحيين العرب في حالة انفصام روحي عن هموم أوطانها وشعوبها، ففي لبنان، يبدو البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير كأنه يعادي جماعات المقاومة لإسرائيل، وسواء كانت فلسطينية على طريقة فتح وحماس، أو كانت لبنانية من طراز حزب الله، كما يضفي البطريرك الماروني حمايته الروحية على قادة سياسيين لمسيحيي لبنان، ربما تصح فيهم تهم العمالة الصريحة أو المبطنة لإسرائيل، ومن نوع سمير جعجع قائد حزب القوات اللبنانية، أو تيارات نافذة في حزب الكتائب، وقد شارك هؤلاء في حروب ومذابح إسرائيل ضد اللبنانيين والفلسطينيين، ناهيك عن دور جماعة العميل سعد حداد قائد ما كان يسمى 'جيش لبنان الحر'، والتي جرى اكتساحها مع الانسحاب المذل لجيش الاحتلال الإسرائيلي من الجنوب اللبناني، وهؤلاء، وأمثالهم كثر، أسوأ على استقرار المسيحيين العرب من جرائم تنظيم القاعدة.
المسيحيون العرب إذن على صليب العذاب والغربة، وتهجيرهم من الشرق جريمة تشارك بها جماعات إسلامية غبية وجماعات مسيحية عميلة، والحل بناء أوطان الديمقراطية والتنــمية والتوحيد والمواطنة الكاملة، وتشجيع المسيحيين على استــــعادة الوصل المفقود مع مجتمعاتهم وأوطانهم، واستـــــعادة العروة الوثقى مع وطن السيد المسيح وروحه المقاومة للطغيان الاستعماري، وتكريس الالتفاف حول رموز ملهمة ومضيئة من نوع إميل لحود وسليمان فرنجية وميشيل عون والأب عطا الله حنا والمطران هيلاريون كابودجي، فهؤلاء وأمثالهم كثر، هم قادة وطن لا كرادلة 'جيتو'، وهم خشبة النجاة، وهم الأوفياء لسيدة النجاة مريم العذراء، تقدس اسمها في السماوات، وفي معسكرات المقاومة.
"
No comments:
Post a Comment