Thursday, December 15, 2011

"المسألة القبطيّة" لـ د. عزمي بشارة: دعوة تاريخيّة للمصريين../



عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"

سيار الجميل

"أصدر الدكتور عزمي بشارة مؤخّرًا دراسةً قيِّمَةً عنوانُها: "هل من مسألةٍ قِبطِيَّةٍ في مصر؟"، عالج فيها هذا الموضوع بمُنتهى الحصافة والهدوء، وكان مَسلَكُهُ علميًّا في البحث عن أجوبةٍ للسؤالِ الذي جعل منه عنوانًا لدراسته. ولقد قرأتُ الدّراسة الصادرة في كُتَيِّبٍ بشغفٍ كبيرٍ، ووجدت صاحبها قد نجح نجاحًا حقيقيًّا في ثلاثة مجالات منهجيّة أساسيّة؛ ذلك أنّه قدّم أوّلًا -وبتركيز رائع- تجذيرًا تاريخيًّا لوجود الأقباط في مصر، بحُسبانهم من سكّانها القدماء، وتدرّج في فهم أوضاعهم التاريخيّة إبَّانَ القرنين التاسع عشر والعشرين أثناءَ عهد حكم الأسرة العَلَوِيَّةِ، والمكانة الطّبيعيّة التي تمتّعوا بها -على وجه خاص- حتى العام 1952. ثمّ نجح صاحبُ الدّراسة -ثانيًا- في تحليل أبعاد وتطوُّرات المسألة القِبطِيَّةِ وفهم المشاكل التي رافقتها على عهود الرؤساء المصريّين الثلاثة : جمال عبد النّاصر وأنور السّادات وحسني مبارك.. ثمّ خلُص -ثالثًا- إلى أبعاد " المسألةِ " بكلّ ما حفِلت به من مشكلات اليوم.
...
...
وأخيرا : ما الذي خرجنا به من هذه القراءة؟

في خلاصته، يُشَدِّدُ المؤلّف الدّكتور بشارة على أنّ ملف الأقباط في مصر، بحاجة ماسّة إلى معالجة جدّية، وأن ينتقل الادّعاء إلى توفر النّيّة الصّادقة لتلك المعالجة؛ وإذا لم يكن ذلك متوفّرًا لدى النّظام السّابق، فإنّ أيّ نظامٍ جديدٍ ملزمٌ بالاعتراف بوجود ملف خطير يتعلّق بهُوِيَّةِ الدّولة، إذ لا يكفي وجود تسامح في التّعامل مع الأقباط، بل إلغاء التّمييز والاعتراف بأنّهم مواطنون أصليّون لهم ارتباطهم العضويّ مع مصر وترابها ونيلها.. مدنها وحقولها.. بحرها وصحرائها.. دلتاها وصعيدها.. " ومن هنا فإنّ مفتاح التعامل مع هذا الملف هو المواطنة المتساوية. والديمقراطيّة هي الإطار الملائم لمثل هذه المقاربة.. " (ص 70). إنّها دعوة تاريخيّة رائعة، يقدّمها الرّجل للإخوة الأعزّاء في مصر من أجل بناء تاريخيّ مدنيّ يُخلّص بلادهم من كلّ التّناقضات التي حفِلت بها، على امتداد العهود الجمهوريّة السابقة. ويمكنني أن أضيف إلى ذلك، أنّ مصر بحاجة ماسّة إلى تشريعات وقوانين مدنيّة تراعي مصالح كل أبناء المجتمع، وأن تستفيد من تجربة العراق القاسية بانقسام مجتمعه وتشَظِّيهِ إلى طوائف وملل وجماعات. إنّنا نخشى على مصر ومستقبلها، داعين إلى أن تجد طريقها السّليم في الثّلاثين سنة القادمة. وأتمنّى صادقا أن تكون رسالة الصّديق المُفكّر الدّكتور عزمي بشارة، معلمًا على طريق بناء مستقبل مصر، ومعالجة أخطر ظاهرة سياسيّة واجتماعيّة تعاني منها، وأن تكون " رسالته " الإنسانيّة والحضاريّة علامةً فارقةً في دروب تقدّمنا وتطوّر أجيالنا القادمة.
"

No comments: